سورية تختار وطنها، وترفض الفكر الظلامي: إلغاء مشروع قانون الطوائف!
بسام القاضي
ما الذي يمكن أن نقوله أكثر من ذلك: “سورية تختار وطنها”؟ هذا كاف. فالمشروع الذي هدف إلى إثارة الفتنة الطائفية وانتهك كافة الحقوق الأساسية والفرعية للمرأة والطفل في سورية، بل والرجل أيضا، وجد طريقه أخيرا إلى مكانه الطبيعي: سلة القمامة!
هذا ما أكدته الصيغة “الخاصة” التي نشرت اليوم على لسان “المكتب الصحفي” في رئاسة مجلس الوزراء (!)، والذي نقلته سانا، وقال:
“أوضح المكتب الصحفي في رئاسة مجلس الوزراء أن بعض وسائل الإعلام تناقلت في الآونة الأخيرة معلومات غير دقيقة حول مشروع قانون الأحوال الشخصية لا تستند إلى وقائع ومعطيات حقيقية في هذا المجال.
وقال المكتب إنه وبهدف تصحيح هذه المعلومات وتصويبها وعرض الخطوات والإجراءات المتعلقة بهذا الموضوع وحسما للجدل الدائر بهذا الخصوص نوضح الآتي..
بدأت الحكومة بعد عام 2000 بإجراء تقييم شامل للتشريعات النافذة بغية إعادة النظر فيها وتعديلها بما يلبي متطلبات التطوير وعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولاسيما التشريعات التي مضى زمن طويل على العمل بها وهذا ما أكد عليه مجلس الشعب في دوراته المتعاقبة.
في ضوء ذلك طلبت رئاسة مجلس الوزراء من وزارة العدل كغيرها من الوزارات النظر بتعديل بعض القوانين الأساسية ومنها قانون السلطة القضائية وأصول المحاكمات المدنية وقانون الأحوال الشخصية الذي يعود نفاذه إلى عام1953.
وتنفيذا لذلك رفعت وزارة العدل جملة من مشروعات القوانين ومن ضمنها مشروع قانون أصول المحاكمات المدنية ومشروع قانون الأحوال الشخصية.
ولدى تدقيق قانون الأحوال الشخصية من قبل رئاسة مجلس الوزراء لم توافق عليه شكلا ومضمونا فأعيد إلى وزارة العدل لدراسة الموضوع مجددا وبالتنسيق مع كل الجهات المعنية ذات الصلة.
وعند إعادة الموضوع من وزارة العدل إلى رئاسة مجلس الوزراء خلال الفترة القادمة سوف تتم دراسته طبقا للآلية المعتمدة في دراسة مشاريع القوانين وذلك من خلال عرضه على اللجان الوزارية المختصة ومن ثم على مجلس الوزراء ثم رفعه بعد إقراره إلى الجهات العليا المختصة للنظر بإحالته إلى مجلس الشعب ليصار إلى عرضه على اللجان المختصة بالمجلس ومناقشته وفق الآلية المعتمدة في هذا المجال وطبقا للآلية التي تم عرضها فإن دراسة مشروع القانون ستكون كافية للوقوف بشكل دقيق على كل وجهات النظر والآراء والمقترحات التي تطرح حول هذا المشروع.”. (انتهى البيان)
بالطبع لا يغيب عنا بعض النقاط الواردة في البيان الصحفي الهام جدا، لكننا سنركز الآن فقط على أن إلغاء المشروع بحد ذاته هو قرار حاسم بالغ الأهمية، كما أن تأكيد البيان على أن “الموضوع” وليس “المشروع” هو ما أعيد إلى وزارة العدل لدراسته، وتأكيده أن ذلك مشروط بـ”التنسيق مع كل الجهات المعنية ذات الصلة”، هما نقطتان مهمتان جدا، وإن لم يحدد البيان طبيعة هذه الجهات. ولكننا نفترض، وندعو، أن تقوم وزارة العدل بتكليف الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع الاتحاد العام النسائي، والجهات الناشطة المعنية، بتشكيل اللجنة التي ستقوم بإعداد المشروع الجديد.
مع العلم أن لدى الهيئة السورية لشؤون الأسرة مشروعا لم تكتمل مسودته بعد لقانون أسرة عصري وحديث يلبي الكثير من المتطلبات الأساسية لاحتياجات تطور المجتمع في سورية، وقد استغرق وضع مسودته التي ساهم/ت فيها أسماء لامعة في القانون وغيره، استغرق عدة سنوات.
إذا، حدث اليوم، بعد 37 يوما من افتضاح المشروع الأسود، أن اتخذ القرار الذي كان يجب أن يتخذ في مساء 5/4/2009، تاريخ اللحظة التي ذيل فيها المشروع بـ”تم مشروع قانون الأحوال الشخصية السورية في 5 نيسان 2009″!
وفيما إذا قبلنا، جدلا، أنه فاتهم ذلك، فإنه كان يجب أن لا يمضي كل هذا الوقت لكي تقال هذه الكلمات! وبكل تأكيد، ما كان يجب لرئيس مجلس الوزراء أن يدافع عنه مرتين! ويتنكر لوصوله إليه مرتين! ويؤكد الاستمرار بالعمل عليه مرتين! فيما يعمم على كافة وسائل الإعلام السورية أن تصمت! وطبعا هذا التعميم لم يشمل تصريحات رئيس مجلس الشعب، ولا تصريحات رئيس مجلس الوزراء، التي ما كادت تخرج من فمه حتى سارع الصامتون إلى إبرازها في عناوينهم البارزة، كما لو كانوا يخوضون الحرب مع من دافع عن سورية المواطنة والحداثة! بدلا من أن يقوموا بواجبهم بأن يتجاهلوا التعميم كليا، ويخوضوا غمار المعركة!
ألغي المشروع، ولكن ما يزال الفكر الذي صاغه وتمكن من الوصول إلى هذا المستوى موجودا. وهو ما يفرض علينا أن نعمل على تشريح هذه النصوص البائدة التي باتت في حكم الملغاة، بهدف إيضاح مدى الخطورة في مثل هكذا تشريع، ومساهمة في درء خطر تسلل أي من هذه الأفكار الطائفية المؤيدة للعنف ضد المرأة والطفل إلى أي مشروع جديد.
كما أننا سوف نبدأ سريعا مرصدا جديدا في عملنا، نسميه “مرصد التطرف”، سوف يعمل على فضح وتوثيق والرد على كل نشر للفكر الأصولي المتطرف، سواء في خطب الجوامع أو الكنائس، في الإذاعات أو التلفاز أو الجرائد، في مواقع التدريس أو على الأقراص المضغوطة (CD)، وفي كل مكان نستطيع فيه رصده.
وندعو كل من يرصد مثل ذلك، أن يراسلنا فورا، موثقا الانتهاك الذي رآه أو سمعه أو رصده، وسوف نتعامل بكل جدية واحترام، وسرية، مع أية مراسلة مثل هذه. لكن طبعا لن يقبل أي رصد غير موثق.
فقد أدى هذا المشروع غرضا هاما للغاية، هو أن الصمت على هذه الانتهاكات اليومية، والترويج اليومي للتطرف والعنف، بات أمرا خطيرا لا يمكن السكوت عنه.
وفي الوقت ذاته، فإننا سوف نعمل اعتبارا من اليوم، على وضع كافة المنظمات والأحزاب السورية، الرسمية منها وغير الرسمية، والهيئات والمؤسسات الدينية، وعلنا، أما مسؤولياتها تجاه قضايا المرأة والطفل في سورية. فلم يعد مقبولا صمتها على ذلك تحت ذرائع مثل “العادات والتقاليد”، أو “الصراع الطبقي”، أو “المرحلة السياسية الحساسة”، أو “أولوية قضايا أخرى”.. أو ما إلى ذلك.
فشكرا لكل سورية وسوري، بغض النظر عن الأسماء والصفات والألقاب والمناصب، ساهم/ت في فضح هذا المشروع، وعملت على منع تمريره بأي شكل كان، وتحت أي مسمى كان، حفاظا على بلدنا، ومواطنيتنا، وحياتنا، ومستقبل أطفالنا. وشكرا لك من أغلق الطريق أمام مشروع فتنة وانحدار شكل خطرا داهما بكل معنى الكلمة.
وتحية خاصة لكل الصبايا والشباب، الرجال والنساء، الذين عبروا عن غيرتهم على وطنهم خلال هذا الشهر المرّ بكل طاقاتهم، وأطلقوا سلسلة من المبادرات على كافة المستويات لمواجهة المشروع، وفكره الظلامي، وأفشلوا الحصار الإعلامي الذي ضربته رئاسة مجلس الوزراء على الإعلام السوري.. هؤلاء من يعرفون الآن أنهم يستطيعون أن يتركوا أثرا حين يفكرون جيدا ويهتمون جيدا ويبادرون. فمهما كانت الصعاب، سوف يبقى عملنا من أجل بلدنا، وأهدافنا في حياة مواطنة نستحقها وتستحقنا، وإلغاء كافة اشكال العنف والتمييز.. سوف يبقى قادرا على أن ينهض بحياتنا.
فالمستقبل هو للحياة، وليس للموت.. للأحياء، وليس للموتى..
نساء سورية