قانون الاحوال الشخصية الجديد

مشروع “الفتنة” مازال مستمراً

ميشال شماس
أثار إعلان رئيس مجلس الشعب السوري الدكتور محمود الأبرش “إيقاف” مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد ارتياحاً كبيراً في أوساط واسعة من السوريات والسوريين، الذين اعتبروا هذا الإعلان وقفاً لتدحرج كرة الثلج والتداعيات التي قد تنجم حاضراً ومستقبلاً عن هكذا مشاريع وعقليات تفكر بعقلية ما قبل عصر الجاهلية.
وترافق هذا الارتياح مع شعور البعض بالخوف من أن ” إيقاف” المشروع المذكور، ليس إلا تأجيلاً له ريثما تتوفر ظروف ملائمة لإعادة طرحه من جديد بعد أن واجه هذا المشروع عاصفة من الانتقادات والردود الرافضة والشاجبة له. ومما يؤكد تلك المخاوف ما سبق أن صرح به الدكتور حسان عوض أحد معدي هذا المشروع لسيريا نيوز قائلاً : ” أنه وباقي أعضاء اللجنة التي وصفها بـ”السرية”، تداولوا الانتقادات الموجهة للقانون وفضلوا الصمت ريثما “تهدأ الفورة التي تنتقد وتطالب بمحاكمة أعضاء اللجنة”.
والسؤال المطروح الآن هو لماذا تم إيقافه، ولم يتم إلغائه ؟ ولماذا صدر قرار الإيقاف من السلطة التشريعية ولم يصدر عن رئاسة الحكومة صاحبة هذا المشروع والذي مازال بحوزتها ؟ وهل إذا توفرت الظروف الملائمة لهكذا مشروع طائفي سوف يعاد طرحه من جديد ليكون أساساً لأي تعديل لاحق في قانون الأحوال الشخصية النافذ؟ لم ننتظر أكثر من أربعة وعشرين ساعة حتى سمعنا الإجابة السريعة والواضحة من وكالة الأبناء السورية “سانا” التي نقلت عن السيد رئيس مجلس الوزراء قوله حرفياً ” إن مشروع القانون لا يزال ورقة عمل ولم تعرض هذه الورقة على مجلس الوزراء حتى الآن وأنه سيتم رفع الصيغة النهائية للمشروع إلى مجلس الشعب لمناقشته وإقراره بعد أخذ رأي جميع الجهات المعنية”.
كما أن موقع سيريا نيوز نشر خبراً بعنوان : ” عطري : مشروع قانون الأحوال الشخصية أُعيد إلى وزارة العدل لإعادة صياغته من جديد” وجاء في تفصيلات الخبر: “.. وقال عضو مجلس الشعب عمار بكداش لـسيريانيوز يوم الثلاثاء إن “رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي عطري أعلن عن إعادة مشروع قانون الأحوال الشخصية إلى وزارة العدل من أجل إعادة صياغته، في حين كان رئيس مجلس الشعب محمود الأبرش قال يوم أمس الاثنين أن هذا القانون سحب من التداول وتم إيقافه”. ولفت بكداش إلى أن “رئيس الوزراء استهجن، خلال جلسة مجلس الشعب، انتقاد المشروع بهذا الشكل والقول أن هذا المشروع هو ضرب للوحدة الوطنية”، قائلا “وأنا استغرب مثل هذا الكلام لرئيس الوزراء بعد كل ما كتب وقيل عن المشروع وانعكاساته على المجتمع السوري”.
لم يدم الارتياح الشعبي لخبر إيقاف المشروع سوى أقل من أربع وعشرين ساعة، وكانت مخاوفنا وشكوكنا في محلها، فكلام رئيس الوزراء جاء واضحاً لا لبس فيه وفق الخبر المنشور، ويبدو أن السيد رئيس الوزراء استكثر علينا فرحتنا بإيقاف مشروع ” الفتنة” وقرر إعادته إلى وزارة العدل لإعادة صياغته من جديد مع أننا أكدنا وأكد الكثير من السوريين أن هذا المشروع لا يصلح أساساً للنقاش فهو مرفوض جملة وتفصيلا، فحتى لو عدلوا 80% منه سيبقى غير صالحاً وغير مناسباً للسوريين الذين يستحقون قانوناً حضارياً في القرن الواحد والعشرين .
ولم يتوقف السيد رئيس مجلس الوزراء عند حد إعادة صياغة المشروع من جديد ، بل أعلن عن استهجانه لانتقاد المشروع بهذا الشكل بحسب ما قاله النائب الشيوعي عمار بكداش، تُرى هل كان السيد رئيس الوزراء ينتظر من السوريين أن يشيدوا بهذا المشروع الظلامي الذي سوف يعيدهم إلى الوراء مئات إن لم نقل آلاف السنين.؟ والمستغرب حقاً أن يصف السيد رئيس مجلس الوزراء الانتقادات الموجهة لمشروع القانون بأنها ” منافية للديمقراطية ولاحترام الرأي الأخر ” بحسب ما جاء في خبر سيريا نيوز. فهل كان تشكيل اللجنة السرية التي تم تكليفها بإعداد المشروع قد تم بطريقة ديمقراطية، والديمقراطية تتنافي والعمل السري؟ وهل تم احترام الرأي الأخر وتم تمثيله في تلك اللجنة السرية ؟ أين تمثيل الأحزاب السياسية ؟ وأين تمثيل المرأة ، وأين تمثيل العلمانيين ؟ وأين تمثيل بقية الطوائف التي يتكون منها الشعب السوري؟ وأين الديمقراطية واحترام الرأي الآخر..وأين..؟.
والأمر غير المفهوم إطلاقاً قول السيد رئيس الوزراء استغرب ” كيف نشرت هذه الورقة – المشروع- ووصلت إلى الناس؟” بحسب الخبر المذكور أعلاه. ونحن نستغرب معه أيضاً كيف وصل مشروع القانون إلى الاتحاد العام النسائي في سورية، وكيف وصل إلى هيئة شؤون الأسرة، وكيف وصل إلى ممثلي الطوائف في سورية، وكيف تم توزيعه على الوزارات؟ وكيف أن وزير العدل كان يتصل بممثلي الطوائف في سورية لأخذ ملاحظاتهم واقتراحاتهم حول مشروع القانون وكيف .. وكيف…!!؟؟
نؤكد أخيراً وليس أخراً إن رفض السوريين لمشروع قانون الأحوال الشخصية سيستمر ويتسع، وإن تواصل واتساع حركة الإدانة والرفض لذلك المشروع، يؤكد بوضوح على وعي السوريين بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية لما يُّعد لهم في الخفاء ،ورفضهم بشكل مطلق تحويل سوريا من قاعدة للتنوير والتسامح إلى قاعدة لاستعباد المرأة واغتصاب الطفلات وتفضيل فئة على أخرى، وهم الذين كانوا ومازالوا يطمحون دائماً إلى بناء سورية كدولة مدنية حديثة تقوم على أساس مبدأ المواطنة بصرف النظر عن أي انتماء سياسي أو ديني أو مذهبي أو الجنس أو العرق..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى