مشروع البرنامج السياسي
التجمع الوطني الديمقراطي في سورية
مقدمة:
التجمع الوطني الديمقراطي تحالف سياسي مفتوح لأحزاب ومنظمات سياسية، وشخصيات عامة, ومواطنين مستقلين عن الأحزاب، يجمعهم هدف مشترك هو التغيير الوطني الديمقراطي في سبيل إرساء دولة المؤسسات والحق والقانون التي تصون حرية الفرد والجماعة وحقوق الإنسان، وتكفل الحقوق المدنية والحريات الأساسية لجميع المواطنين على قدم المساواة، وتحقق التنمية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، دولة ذات بنية ديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة الشعب ووحدة المجتمع، وتعمل على ترسيخ حرية البلاد واستقلالها وتحرير المحتل من أرضها ووضعها على طريق التقدم والحداثة، وتعزيز الخيارات المؤدية إلى النهوض القومي والوحدة العربية.
تأسس التجمع الوطني الديمقراطي في عام 1979 بعد حوار ديمقراطي بين خمسة أحزاب سياسية ذات تلاوين أيديولوجية مختلفة هي: حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، وحزب الشعب الديمقراطي السوري، وحزب العمال الثوري العربي, وحزب البعث الديمقراطي العربي الاشتراكي، وحركة الاشتراكيين العرب (وانضم إليه فيما بعد حزب العمل الشيوعي في عام 2006). وقد تأسس التجمع بهدف الإسهام في رسم طريق سلمي يخرج البلاد من أزمتها، ويجنبها المخاطر التي كانت تنذر بها الأوضاع المتفجرة آنذاك، والتي كادت أن تعصف بها وتهدّد نسيجها الاجتماعي ووحدتها الوطنية.
لا يزال التجمع وفياً للمبادئ التي قام من أجلها، ومن أهمها: الاعتراف بالتعددية واحترام حق الاختلاف، واعتماد الحوار الديمقراطي، والانطلاق من الوحدة الوطنية والمصلحة العامة والاحتكام إليهما، والثقة بقدرات الشعب، وبحقه في اختيار النظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي الذي يحقق مصالحه، ونظام الحكم الذي يحمي هذه المصالح ويصونها، ويعبر عنها.
يرى التجمع أن الأسباب الداخلية للأزمة الوطنية الشاملة التي نشأت آنذاك لا تزال قائمة إلى اليوم وتحتاج إلى معالجة جذرية. وفي مقدمة تلك الأسباب احتكار السلطة، وفرض الوصاية والولاية على الشعب، ونزع السياسة من المجتمع ومصادرة الحريات الأساسية، وإطلاق أيدي المتنفذين في الأموال العامة في سائر المجالات، مما أنتج ظاهرة الفساد غير المسيطر عليها في ظل البنية السياسية القائمة والتي لم تعد تعبيراً عن انحطاط أخلاقي فحسب، بل تعبيراً عن انفصال الحكم عن الشعب، وعن حلول الامتيازات محل الحقوق، والولاءات المختلفة محل القانون. ومما زاد من تفاقم الأزمة وشمولها لجميع مجالات الحياة الاجتماعية استمرار العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، إضافة لإطلاق يد الأجهزة الأمنية في حياة المواطنين العامة والخاصة، حتى غدت هذه الأجهزة السلطة الفعلية وطبعت جميع مؤسسات الدولة والمجتمع بطابعها، فتحولت الدولة إلى “دولة أمنية”.
وفي الحقل الاجتماعي الاقتصادي، تدخل فئات إضافية واسعة من الشعب كل يوم تحت خط الفقر، وتتفاقم أزمة البطالة، ويتراجع مستوى المعيشة مع تفاقم الغلاء، ويستشري الفساد والإفساد, في ظل السياسات الاقتصادية المتبعة، خاصة مع الخضوع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين، والتراجع المستمر عن سياسة الدعم (التعليم، الصحة المواد الغذائية … )، بالإضافة لتراجع دور الإنتاج ومفهوم العمل المنتج، وسيطرة الاقتصاد الريعي والمافيوي، ونهب المال العام وتهريبه للخارج.
ويؤكد التجمع أن الأزمة التي تراكمت عناصرها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية وتشابكت، أضحت أزمة عامة وشاملة. والمخرج منها لا يمكن أن يكون بدايةً إلا مخرجاً سياسياً، يعيد بناء الحياة السياسية في البلاد على أساس المواطنة التي لا تقبل التفاضل والتفاوت، وعلى مبدأ سيادة القانون على الحاكم والمحكوم. وبناء عليه يرى التجمع أنه في حال تحقق التغيير الوطني الديمقراطي بالطرق السلمية الآمنة، وبطريقة عقلانية متدرجة، وعبر مشاركة جميع قوى المجتمع والدولة، يكون قد تم إرساء اللبنة الأولى على طريق الخلاص من منظومة الاستبداد، بدءاً من المادة الثامنة من الدستور وليس انتهاء بوقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، وبذلك يتم ضمان تقوية التماسك الاجتماعي وإعادة بناء الوحدة الوطنية, ويصبح بالإمكان مكافحة الفساد وإصلاح الاقتصاد والإدارة والقضاء والتعليم والإعلام، وغيرها من ميادين الحياة الاجتماعية. فإصلاح أي من المجالات السابقة لا يمكن أن يحقق النتائج الإيجابية المرجوة إن لم يكن في إطار عام لإصلاح سياسي شامل.
يستمر النظام بإعادة إنتاج منظومته الاستبدادية وانكفائه على ذاته، وتشديد قبضته الأمنية على كافة فعاليات المجتمع الثقافية والسياسية والمدنية. ولا ريب أن الالتفاف على الاستحقاقات الوطنية الذي تلجأ إليه السلطة، من شأنه أن يزيد الأوضاع تعفناً وفساداً، حيث تواجه عملية التغيير الديمقراطي مقاومة مختلفة الأشكال من القوى التي اغتنت على حساب الشعب واستفادت من غياب دولة القانون، وغياب الرقابة الشعبية والرسمية، ومن نزع السياسة من المجتمع، لتمارس جميع الأعمال غير المشروعة، مما يطرح ضرورة تعاضد وتعاون جميع القوى الوطنية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لإطلاق سيرورة التغيير الوطني الديمقراطي.
انطلاقاً من هذه الرؤية نطرح هذا البرنامج إسهاماً منا في الحوار الوطني حول أوضاع البلاد ومستقبل التغيير المنشود.
الأهداف والمطالب العامة
أولاً– بناء الدولة الديمقراطية الحديثة:
أصبحت الدولة الديمقراطية الحديثة إحدى بديهيات الاجتماع الإنساني المعاصر، بمقوماتها كافة، خاصة في تغليبها لمنطق الدولة على الأشكال البدائية من التجمع البشري، وفي استنادها إلى العقد الاجتماعي والتعاقد المدني الديمقراطي.
ثمة مجموعة من الاستحقاقات القانونية والسياسية التي تعتبر مقدمة موضوعية لخلق المناخ السياسي والاجتماعي لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة، ولعل أبرز هذه الاستحقاقات وقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإلغاء جميع المحاكم والقوانين الاستثنائية، والتوقف نهائياً عن الاعتقال بسبب الرأي، وإلغاء منع السفر لأسباب سياسية، والسماح لجميع المبعدين بالعودة إلى الوطن، وإعادة الاعتبار لجميع المجردين من الحقوق المدنية لأسباب سياسية، وإعادة المسرحين والمنقولين بسبب الرأي إلى أعمالهم، والتعويض المادي والمعنوي لجميع الذين شملهم الاعتقال السياسي والتوقيف التعسفي والملاحقة, ومعالجة قضية المفقودين بما يضمد الجراح ويطوي ملف الماضي، وبذلك يمكن إيجاد المناخ الملائم لبناء الدولة المدنية الديمقراطية من خلال:
1- الدستور: وضع دستور عصري، تقره جمعية تأسيسية منتخبة، يضمن الحرية وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وفق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والمواثيق العربية والدولية ذات الصلة، وبما يحقق المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس مبدأ المواطنة، وينص على نظام حكم جمهوري ديمقراطي برلماني يقوم على سيادة القانون واستقلال القضاء وعدم تسييسه, وعلى مبدأ فصل السلطات الثلاث، وحرية العمل السياسي وتشكيل الأحزاب، وتداول السلطة عبر انتخابات حرة نزيهة.
2- المساواة: عدم التمييز بين المواطنين على أساس العرق أو الدين أو الجنس، وإلغاء كافة السياسات التمييزية بين المواطنين، وإعادة الاعتبار لمفهوم الكفاءة والجدارة، وحل المسألة الكردية حلاً وطنياً ديمقراطياً على أساس وحدة الدولة والمجتمع.
3- الانتخاب: وضع قانون انتخاب ديمقراطي عصري لضمان إجراء انتخابات حرة وسرية ومباشرة، ولإتاحة الفرصة لسائر قوى المجتمع انتخاب ممثليها في جميع المستويات على أساس الحرية الكاملة، وعلى قاعدة النسبية بشكل أساسي وتحت إشراف القضاء.
4- المجتمع المدني: بناء مؤسسات المجتمع المدني عملية متزامنة بالضرورة مع بناء الدولة الديمقراطية الحديثة. ويتطلب هذا الأمر فسح المجال كاملاً لتكوين وتفعيل وتوسيع إطار هذه الهيئات والمؤسسات واستقلالها.
5- الإعلام: سن قانون ديمقراطي وعصري للنشر والإعلام والمطبوعات.
6- الإدارة المحلية: توسيع صلاحيات ومهام الإدارة المحلية بحيث تتمتع بسلطات فعلية مؤسسة من خلال الانتخاب الشعبي المباشر على جميع المستويات دون استثناء.
7- الجيش: مهام الجيش الوطني الدفاع عن أرض الوطن وتحرير المحتل منها، وحماية الاستقلال والسيادة الوطنية والنظام الديمقراطي. ولابدّ من تأكيد لحمته الوطنية على الدوام باستبعاد العوامل التي تؤثر عليه، العقائدية أو السياسية أو الفئوية، والحرص على عدم تدخله في الشؤون السياسية وتحوله أداة قمع بيد السلطة وتأكيد خضوعه لقرارات السلطة السياسية.
8- تحرير الأراضي المحتلة: ليس هناك من سيادة وطنية كاملة وجزء من أرضنا محتل، ولذلك لابدّ من العمل على تحرير الجولان واستعادة جميع الأراضي السورية المحتلة.
9- الأمن: إنهاء صيغة الدولة الأمنية، ومنع تدخل الأجهزة الأمنية في حياة المواطنين وشؤونهم، لتوضع في خدمة أمن الوطن ومكافحة الجاسوسية، ولحماية أمن المواطن وسلامته.
10-القضاء: إصلاح القضاء وتوطيد عدالته عبر بناء نظام قانوني يقوم على سيادة القانون ونزاهة القضاء واستقلاله استقلالاً تاماً عن السلطة التنفيذية والولاءات السياسية والحزبية، وإلغاء كافة أشكال التداخل بين السلطات، خاصة تغوّل السلطة التنفيذية في المؤسسات التشريعية والقضائية، وإعادة الاعتبار للمحكمة الدستورية العليا ودورها في الرقابة على القوانين والبت في الطعون الانتخابية بشكل نهائي.
ثانياً- في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية:
ينظر التجمع الوطني الديمقراطي إلى الإصلاح الاقتصادي في سوريا على أنه عملية سياسية في جوهرها، لذلك تشكل الديمقراطية السياسية بكل مستلزماتها وأركانها الشرط اللازم للبدء بأي عملية إصلاح اقتصادي حقيقي.
في هذا الإطار نرى ضرورة إعادة النظر بدور الدولة الاقتصادي، فقد ظهر بالتجربة أن هيمنة الدولة على مجمل الفعاليات الاقتصادية في المجتمع قادت إلى أزمات اقتصادية متعددة وإلى فشل عملية التنمية والنهوض الاقتصادي، فضلاً عن اتساع رقعة الفساد والإفساد، لكن في المقابل ستبقى الدولة إلى أمد بعيد من مرتكزات عمليات التنمية والتطور الاقتصادي بما يعني ضرورة الإبقاء على دور فعال للدولة في الاقتصاد من خلال التخطيط العام والإشراف على البنية الاقتصادية وقيادة القطاعات الأساسية، خاصة في ميادين الاقتصاد الرئيسية ومجالات الخدمات والضمان الاجتماعي.
وبناء عليه فإن برنامج التجمع الوطني الديمقراطي في المجال الاقتصادي يقوم على الأسس التالية:
1- بناء اقتصاد وطني هدفه الرئيسي تلبية حاجات المجتمع والارتقاء بالحياة العامة والنهوض بعملية الإنتاج، والاستثمار الأمثل للموارد البشرية والمادية في ضوء التقدم العلمي والتقني المطرد والمتسارع الذي يشهده عصرنا.
2- التأكيد على التوازن بين إطلاق الحريات الاقتصادية ومتطلبات التنمية الوطنية الشاملة، وذلك وفق ما يلي:
أ – المحافظة على قطاع الدولة الاقتصادي في القطاعات الأساسية القائمة على استثمار الثروات الطبيعية، والمتعلقة بالبنى التحتية والخدمات العامة كالصحة والتعليم والكهرباء والمواصلات والاتصالات، وتحويل هذه القطاعات إلى أقطاب تنمية أساسية.
ب – إعادة تأهيل قطاع الدولة الاقتصادي وتطويره على أسس اقتصادية علمية لتحسين الإنتاجية والربحية والنوعية، وبما يحقق المصلحة الوطنية العامة.
ج – ضمان حرية القطاع الخاص وتعزيز دور المنتجين ومبادراتهم وإطلاق آليات السوق التنافسية وحمايتها من الاحتكار وتقديم التسهيلات الخدمية والقانونية والمصرفية حسب الحاجة والمصلحة الوطنيتين وبما يخدم الاقتصاد الوطني وحاجات التنمية الشاملة.
د – دعم وتشجيع القطاع التعاوني.
3 – ضمان الحد الأدنى للحياة الكريمة لجميع المواطنين عبر ربط الحد الأدنى للأجور بمستلزمات المعيشة، وتوفير الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم مجانيين وخاصة للفئات الفقيرة من المجتمع، وضمان حق العمل وتأمين الشيخوخة لجميع المواطنين على أن يصار إلى إعادة توزيع الأعباء الضريبية بفرض ضريبة تصاعدية على الدخول والأرباح بما يحقق حداً مقبولاً من العدالة الاجتماعية وينهض بأغلبية الشعب إلى مستوى الحياة الإنسانية اللائقة، وبما يتلاءم وموقع الفئات الاجتماعية على سلم الإنتاج الاجتماعي وحجم الأعباء الواقعة على كاهل كل منها في التنمية الوطنية.
4 – تحديث وتطوير الزراعة:
أ- رعاية المحاصيل الإستراتجية من حبوب وقطن وزيتون وتشجيع الصناعات الزراعية، وتقديم الخدمات الضرورية اللازمة للإنتاج الزراعي والحيواني، وفتح الأسواق أمامها.
ب- تطوير وسائل استثمار وحماية الثروة الحيوانية والسمكية في بحارنا وأنهارنا وبحيراتنا.
5 – الصناعة:
1- تمسك الدولة بالصناعات الإستراتيجية الرابحة ذات الجدوى، والتخلي عن الصناعات الخاسرة، و تعزيز صناعة النسيج نظراً لعراقتها وتطورها، وكذلك صناعة الزيوت.
2– إيجاد علاقة منتظمة بين الصناعة والجامعات، بما يفيد تقريب التعليم من الواقع الصناعي الفعلي، ورفد الصناعة بالباحثين الأكاديميين.
3- بسبب احتمالات نضوب النفط والغاز من الضروري إجراء التجارب والبحوث لاستثمار الطاقة الكونية النظيفة، وفتح اختصاصات علمية ومراكز بحوث لهذه الغاية، فضلاً عن ضرورة التعاون مع الأقطار العربية في مشروع نووي سلمي لتوليد الطاقة.
4- تأمين البنى التحتية للمناطق الصناعية.
5- المساهمة في الشركات العربية الثنائية والمشتركة، والمشاركة مع الشركات العربية والإقليمية وفي منظمة التجارة العالمية.
6- التجارة:
رفع نسبة الصادرات السورية إلى نسبة الواردات من خلال تنمية شاملة، ورفع نسبة التبادل التجاري مع الدول العربية، وضرورة تصنيع المواد الخام وفق أفضل درجات ضبط النوعية والمواصفات العالمية لتكون قادرة على المنافسة.
7- السياحة:
إن غنى بلادنا بالآثار ووجود البحار والجبال والسهول والسهوب والبوادي والصحاري والمياه الكبريتية، كل ذلك ضمن مسافات متقاربة، يؤهلها للجذب والاستثمار السياحي. ومن أجل ذلك يجب تأمين وتعزيز البنية التحتية التي تتطلبها السياحة الداخلية والسياحة الخارجية، وحماية آثارنا من التلف والتهريب وإظهارها وعرضها بالشكل اللائق، وزيادة أعداد المتاحف، وافتتاح كليات للبحث الآثاري وتعلم اللغات القديمة، ليساهم أبناء سوريا في اكتشاف آثار أجدادهم، ولا يظل ذلك حكراً على البعثات الأجنبية.
8- البيئة:
أصبحت معالجة تلوث البيئة مهمة مستعجلة عن طريق إعداد برنامج وطني شامل لها، والخطوة الأولى وضع الضوابط للحد من كافة أنواع التلوث في الهواء والماء والتربة.
9- السكن:
السكن الملائم حق لكل مواطن، لذلك لا بد من الاهتمام بالقروض العقارية الميسرة، وتنظيم أماكن السكن العشوائي، وتزويد كافة المناطق السكنية بالخدمات الضرورية.
إن التجمع الوطني الديمقراطي ينظر إلى عملية النهوض الاقتصادي في سوريا في إطار أوسع من التكامل الاقتصادي العربي القائم أساساً على تفعيل وتطوير السوق العربية المشتركة، للتخفيف ما أمكن من الآثار السلبية للاقتصاد المعولم في عالم لم يعد فيه مكان إلا للكتل الاقتصادية الكبرى. إن السوق العربية المشتركة، بما تتطلبه من فتح للحدود بين الأقطار العربية والسماح بانتقال الأشخاص والبضائع والرساميل بحرية كاملة بوجود معايير وضمانات قانونية مشتركة، يمكن لها أن تنتج نوعاً من تقسيم عربي جديد للعمل يؤدي إلى تكامل اقتصادي عربي متين يمكّن الدول العربية من لعب دور مميز في الاقتصاد العالمي.
وفي الجانب الاجتماعي يقوم برنامج التجمع الوطني الديمقراطي على ما يلي:
1– قضية الشباب: إن قضية الشباب قضية مؤرّقة، سواء ما يتعلق منها بتدني مستواهم المعاشي وزيادة عدد العاطلين عن العمل في أوساطهم، أو ما يتعلق بنمو حاجاتهم المادية والمعنوية وتعطشهم إلى حياة إنسانية لائقة وعصرية تسمح بتنمية ملكاتهم وإطلاق قدراتهم الإبداعية والإنتاجية في مختلف ميادين العمل والمعرفة، أو ما يتعلق منها بتخلف أساليب التعليم وتدني التحصيل العلمي وهجرة الشباب والأدمغة. إن معالجة هذا الواقع يتطلب تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الشباب، وإيجاد فرص عمل حقيقية للجميع، كما يتطلب تطوير التعليم وتحديثه.
2– قضية المرأة: تشكل المرأة نصف المجتمع، وقد عانت من غبن تاريخي نتج عن التأخر والقمع، الأمر الذي يقتضي إزالة جميع القيود التي تحد من تمكين المرأة بسائر حقوق الإنسان، وتحقيق المساواة التامة بين الجنسين في الحياة العامة، مما يساعد على بناء جيل ديمقراطي متحرر من عقد الماضي ومتطلع إلى بناء مجتمع حر متقدم وعصري.
3– التزايد السكاني: وضع الحلول الممكنة لمشكلة التزايد السكاني، لما لها من آثار سلبية في إجهاض إمكانيات التنمية.
4- التربية والتعليم: التربية والتعليم حجر الأساس في عملية نهوض المجتمع ووضعه على طريق التقدم نظراً للدور الكبير الذي تلعبه في تنشئة الأجيال، لذا فإن إصلاح المؤسسات التربوية والتعليمية يعتبر أولوية لابدّ منها، وذلك عن طريق:
أ– إصلاح النظام التعليمي برمته، والجامعات خصوصاً، والاعتماد على الكفاءات العلمية، وتحسين الوضع المعاشي للعاملين في سلك التعليم ليتسنى لهم التفرغ لهذه المهمة واعتماد سياسة التدريب المستمر لهم.
ب– تحديث المناهج وإعادة النظر بطرق إعدادها وتدريسها بحيث تشكل مرتكزاً للفكر الحر والمبدع وأساساً لثقافة الحوار وتطور المعرفة وتقدمها.
ج– الاهتمام بالبناء المدرسي، واعتماد المعايير الحديثة في إشادته، وتزويد المدارس والجامعات بجميع الأدوات والتسهيلات الضرورية من مخابر وأجهزة ومكتبات ومسارح وصالات رياضية, والعمل على نشر ثقافة المعلوماتية عبر إدخال مادة المعلوماتية بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي الأولى.
د– التوسع في تأسيس الجامعات والمعاهد في كافة الاختصاصات خاصة ما يتعلق منها بالمعلوماتية.
ه– الاهتمام الجدي بتعليم اللغات الأجنبية لما لها من أهمية في التواصل مع تطورات العلوم والمعرفة.
و– إن للمدارس والجامعات الخاصة دورا إيجابيا من خلال تنويع مصادر التعليم والبحث والمناهج على أن يندرج هذا في إطار عملية إصلاح وطنية شاملة للمؤسسات التعليمية والتربوية.
5- البحث العلمي: في ظل تقدم العلم والتقانة وتحول العلم إلى قوة إنتاج، يحتل البحث العلمي موقعاً رئيسياً في نمو الإنتاج وتقدم المجتمع، لذا فإن التجمع الوطني الديمقراطي يشجع البحث العلمي في جميع المجالات، الذي يتطلب إصلاح المؤسسات البحثية العامة، وتوسيعها لتشمل مجالات المعرفة كافة، وتخصيص نسبة ملائمة من موازنة الدولة العامة لهذا المجال, وإقامة مراكز أبحاث في الجامعات والمؤسسات العامة الكبرى، كما لابدّ من ربط أهداف المؤسسات البحثية بحاجات التنمية الشاملة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، والاهتمام الخاص ببناء مراكز إحصائية متخصصة، والسماح بإقامة مؤسسات بحثية خاصة.
6– الدين: يرى التجمع الوطني الديمقراطي في الدين أحد المجالات الأساسية لحياة الفرد وحياة المجتمع الروحية، وينظر إليه على أنه مبدأ معرفة ومبدأ حرية ومبدأ عمل، وأن ميدانه الذي ينمو فيه، وفق قوانينه الخاصة، هو المجتمع المدني، وأن الدين يفقد مضمونه الروحي ووظيفته الأخلاقية حين يتحول إلى أداة لخدمة أهداف سياسية أو إيديولوجية لتبرير وتسويغ القهر والاستبداد، أو غطاء للجهل والتخلف والطائفية، والحجر على الحاضر والمستقبل باسم قدسية الماضي. فالدين وجد من أجل الإنسان وتقدمه. لذا فإن إصلاح الفكر الديني وتجديده وتنويره وجعله مستقبلياً من أهم عوامل النهوض والتقدم. ويؤمن التجمع بحرية الفكر والضمير، وحرية التعبير، وحرية المعتقد، ويؤكد حق جميع الناس وحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية، بما يتفق ومبادئ النظام العام، ويعزز وحدة المجتمع، ويعمق الاندماج الوطني، كما يدين التعصب والعنف وسياسات التكفير والانعزال والكراهية.
ثالثاً: في السياسة العربية والدولية:
أ – في الوحدة العربية:
انطلاقاً من رؤيته القومية الديمقراطية، يعتقد التجمع أن النهوض الديمقراطي ببعديه السياسي والاجتماعي على المستوى القطري، وتعميق العلاقات والمصالح الاقتصادية المشتركة بين الأقطار العربية، هو الذي يوفر الشروط الموضوعية ويحفز العوامل الذاتية للعمل الوحدوي، على اختلاف أشكاله وتعدد مستوياته.
لن تتحول الوحدة العربية إلى حقيقة سياسية واقعية إلا بنهوض الحركة الشعبية ونمو وعيها بأهمية الوحدة وضرورتها، جنباً إلى جنب مع نمو وعيها الديمقراطي والحديث.
ولا يزال التجمع يرى أن الوحدة العربية مشروعة، وأنها الشرط اللازم وغير الكافي لنهضة الأمة وتقدمها، وخروجها من أسوار التخلف والاستبداد، والشرط اللازم وغير الكافي أيضاً لكسب الصراع التاريخي مع العدو الصهيوني العنصري، وتحرير سائر الأراضي العربية المحتلة واستعادة جميع الحقوق المغتصبة، وفي مقدمتها حق الشعب العربي الفلسطيني في أرضه ووطنه. لذلك يدعو التجمع إلى/ ويعمل في سبيل تعزيز التضامن العربي على الأسس والمبادئ التي تحقق المصالح القومية المشتركة وتصونها، وتفضي إلى الوحدة العربية كما يدعو إلى/ ويعمل في سبيل تعزيز دور الجامعة العربية وتطويره، وتعزيز الأطر والتنظيمات الاجتماعية القومية، كاتحاد المحامين العرب واتحاد العمال العرب واتحاد المعلمين العرب واتحاد البرلمانات العربية وغيرها، وتفعيل دورها، بما هي أطر شعبية للعمل الوحدوي، واستحداث أطر جديدة اجتماعية وسياسية تشمل جميع المجالات، بما يؤدي إلى إقامة شبكات قومية للمؤسسات والتنظيمات الاجتماعية المدنية والجمعيات غير الحكومية، تحصن الوطن العربي والمجتمعات العربية من محاولة الهيمنة الرأسمالية، وتجعله قادراً على مواجهة القوى الخارجية المعادية، وإنهاء النظم الاستبدادية. ويعتقد التجمع أن العمل الوحدوي الجدي يبدأ في إرساء أسس الديمقراطية التي تفسح المجال لانتهاج سياسات اجتماعية واقتصادية وثقافية تؤسس لوحدة وطنية كمقدمة موضوعية للاتحاد. ويؤيد التجمع جميع الأشكال المتدرّجة من الاتحاد بين بلدين عربيين أو أكثر التي قد نشهدها في ظروف معينة، على أن تكون في صالح البلدين وقائمة على أساس ديمقراطي ومفتوحة على وحدة أوسع وأكمل مع البلدان العربية الأخرى.
ب – في الصراع العربي الصهيوني:
ينظر التجمع إلى الصراع العربي/الصهيوني على أنه صراع تاريخي بين مشروعين مختلفين، ارتبط منذ بداياته الأولى ولا يزال يرتبط بالتوسع الرأسمالي وبحركة الاستعمار الغربي، ثم بالهيمنة الامبريالية من جهة، وبالتأخر التاريخي الذي يتجلى في التجزئة القومية ونقص الاندماج الوطني، وغياب الحرية والديمقراطية من جهة أخرى. كما ينظر إليه على أنه صراع استراتيجي مرتبط بميزان القوى العربي والإقليمي والدولي لا بميزان القوى العربي/الإسرائيلي فقط. وقد كان هذا الميزان ولا يزال في مصلحة “إسرائيل”، وما كان له أن يكون كذلك بصورة مطردة لولا التأخر والتجزئة والتبعية والاستبداد في الجانب العربي. وقد سنحت فرصة تعديل هذا الميزان في محاولة النهضة العربية الثانية التي قادها عبد الناصر، ولكن النظام الرسمي العربي برمته ضيّع تلك الفرصة التاريخية، لتأتي بعد ذلك هزيمة حزيران 1967 بتضافر التآمر الخارجي مع التأخر التاريخي الذي تجلّى بشكل أساسي في غياب الرؤى والممارسات السياسية العقلانية الحديثة والقصور الديمقراطي، مما قاد إلى انكفاء المد القومي وانحساره، لتدفع الأوضاع العربية نحو المزيد من التردي، ونحو تعميق القطرية واندراج أنظمتها في نظام الأمن القومي الأمريكي، وتنامي الاستبداد الذي أخرج كتلة الأمة الأساسية من دائرة الفعل التاريخي، ويكاد يخرج الأمة كلها من التاريخ. وقد ظهرت الآثار المباشرة لتردي الأوضاع العربية في اتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح مع “إسرائيل” وصولاً إلى العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله، وما سبق ذلك وأعقبه من تسويات مذلة مع العدو الصهيوني. ولذلك يرى التجمع أن هذا الصراع مرتبط أوثق ارتباط بمشروع النهضة القومية ومتوقف عليه.
إن صراعاً تاريخياً كالصراع العربي/الإسرائيلي لا تحسمه الجيوش– ولو قاتلت مجتمعة- بمعزل عن عمقها الاجتماعي ومستوى تطور شعوبها وتقدمها، فالقوة العسكرية دوماً هي المحصلة النهائية لعناصر القوة في المجتمع المعني، كما لا تنهيه تسويات ومعاهدات مذلة تبرمها أنظمة قطرية تابعة لا تحظى بثقة شعوبها واحترامها. ومع ذلك فإن صراعاً كهذا يمكن أن تتخلله مفاوضات وتسويات ومعاهدات مرحلية تقررها الظروف التاريخية والعالمية ونسبة القوى ومجريات الصراع، كما تتخلله حروب ومهادنات، ويرى التجمع أن البرنامج المرحلي الذي يتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة في حزيران عام 1967 يمثل مرحلة في الصراع الذي لا يمكن أن ينتهي إلا بإنهاء وظيفة وطبيعة هذا الكيان المحتل (الاستيطاني والصهيوني والعنصري) بأركانه السياسية والاقتصادية.
ج – العولمة:
ينظر التجمع إلى العولمة باعتبارها ظاهرة كليّة متعدّدة المستويات، تطال كافة أبعاد الحياة البشرية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد شكّلت الدينامية الرئيسية المحرّكة للتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، وهي تنطوي على جوانب حتمية لا يمكن التنكر لها تطال جميع المجتمعات، مثلما تنطوي على جوانب ذاتية، أي فعل المجتمعات المختلفة وتأثيرها فيها. لذلك لا يتفق التجمع الوطني الديمقراطي مع منطق الرفض السلبي للعولمة الذي يضعنا على هامش العالم والعلاقات السياسية والاقتصادية السائدة فيه، إذ على الرغم من احتواء ظاهرة العولمة على نظام هيمنة أكثر شمولاً وقسوة من كل ما عرفته البشرية في السابق، إلا أنه لا يمكن إخفاء البعد الموضوعي لهذه الظاهرة، وهذا يقتضي ضرورة التعامل معها من موقع الفعل والتأثير في مجرياتها، بعيداً عن موقع الانخراط السلبي فيها الذي يستند إلى طابع قدري أو تسليمي تروّج له القوى المهيمنة في نظام العولمة.
إن الإشارة إلى خطر الانقطاع عن العولمة لا يعني أن للانخراط فيها بالضرورة نتائج إيجابية مضمونة، إذ لابدّ من توافر دور للذات القادرة على استثمار إيجابيات العولمة، خاصة ما تتيحه من حرية انتقال الثقافات والمعلومات والبشر. هذا يعني أن الانخراط في العولمة دون بلورة استراتيجية ذاتية، لا قيمة له، وهو ينسجم تماماً مع منطق الرفض السلبي ولا يفترق عنه. هنا يأتي المخرج الوحيد: أي الدخول الفاعل في العولمة من منطق الصراع من داخلها في سبيل تحسين وتعديل موازين القوى المتحكمة بها، وتحسين فرص السيطرة على جزء من آلياتها، وبالتالي الحد من الهيمنة الأمريكية فيها، وليس القفز فوقها، أو التسليم لها.
لابدّ إذن في هذا الإطار من السعي لتوفير الشروط اللازمة لإستراتيجية عربية متكاملة إزاء العولمة، عن طريق القبض على مرتكزاتها في كافة المستويات، خاصة التقنية والعلمية، وهذا يمكن أن يكون من خلال تفعيل السوق العربية المشتركة وتطويرها وتجديد آلياتها، الأمر الذي يزيد من حظوظنا في تعديل الموازين والحد من الهيمنة. وهذا ممكن فقط من خلال إطلاق مسيرة متكاملة من الإصلاح السياسي في الأقطار العربية كافة، بما يسمح بإقامة أنظمة ديمقراطية حريصة على المصالح الوطنية والقومية من جهة، وتسمح ببناء ثقافة عربية حديثة ذات طابع عالمي، وقادرة على احتلال مكانة لائقة بين ثقافات العالم من جهة ثانية.
كما يولي التجمع أهمية خاصة لضرورة إعادة إنتاج علاقات إقليمية متميزة مع دول الجوار الإقليمي قائمة على الندية والاستقلالية من جهة، وعلى التعاون المشترك لتقوية مواقف دول المنطقة كافة في مختلف الميادين، الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية والتقنية، وحمايتها من مخاطر القوى الخارجية المعادية، خاصة النزوع الإمبراطوري الأمريكي وأدواته في المنطقة “إسرائيل”.
كذلك لابدّ من المساهمة الجادّة، من داخل إطار العولمة وفي السياق العالمي الجديد، في إعادة بلورة أفكار العدالة الاجتماعية بالتعاون مع المجتمع المدني العالمي وسائر القوى العالمية الطامحة إلى نظام دولي عالمي أكثر إنسانية وعدلاً في المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
السبت في 16/5/2009