الشاعر والكاتب الشاب محمد خير: لا أجد فارقاً شاسعاً بين القصيدة والقصة القصيرة
بيروت – حسين بن حمزة: في مدونته الألكترونية، يقدم محمد خير نفسه كـ “شاعر مصري … وقاص أحياناً”. أصدر مجموعتين بالعامية هما “ليل خارجي” سنة 2002، و”بارانويا” سنة 2008، ومؤخراً صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “عفاريت الراديو”،فضلاً عن قصائد بالفصحى بعنوان “هدايا الوحدة” قيد النشر.
ينتمي محمد خير إلى حساسية حديثة في التعامل مع اللغة ومكونات النص الذي يكتبه، سواء كان النص قصيدة أو قصة. القارئ أيضاً يجد سمات مشتركة كثيرة بين ما يكتبه بالعامية والفصحى، بين الشعر والقصة. هناك دوماً سعي حثيث إلى إنجاز لقطة أو استعارة، ذكية وخاصة، يكون فيها الجهد المبذول فيها مخفياً أو موارباً.
“الرأي” سألت محمد خير عن تجربته في الكتابة، وكان هذا الحوار:
* لنبدأ من البدايات. من أين أتت “لوثة” الأدب والكتابة، وماذا كانت المؤثرات الأقوى في تلك الفترة؟
أما من أين أتت الكتابة فلا أعرف ولا أذكر ، ولكنها أتت مبكرًا جدًا ، حتى أنني عندما أتممت العشر سنوات الأولى من عمري كنت أعتبر أن لدي تاريخًا مع الكتابة ! وكنت أخشى ألا ” أكمل المشوار ” ، وكان هذا بالطبع يثير ضحك من يسمع ، لكن في جميع الأحوال كان التأثير الابرز والمتوقع هو مكتبة كبيرة لدي أبي ، ولحسن حظي كانت الكتب الأدبية تحتل الأرفف المنخفضة الأقرب لي ، كما أن أمي انتبهت لموهبتي الأدبية مبكرًا جدًا فأمدتني – قبل رحيلها المبكر – بكل كتاب يمكن له أن يضيف إليّ شيئًا ، وأذكر في بدايات طفولتي أنني حفظت بشكل خاص أشعار شوقي للأطفال ، ثم أزجال بيرم التونسي ، بعد ذلك كنت ألتهم كل ما يمكن قراءته لدرجة أن نظري قد ضعف مبكرًا ولأسباب غير وراثية ! ولا أذكر أنني تأثرت كثيرًا آنذاك بالتلفزيون أو الراديو ، بل كانت القراءة كل حياتي ، كأنني ولدت في بدايات القرن لا نهاياته .
* تكتب بالعامية المصرية، ونشرت ديوانين، ثم أصدرت مجموعة قصصية، وتستعد لإصدار ديوان شعر بالفصحى. هل هو تنوع في التعبير، أم حيرة في الاستقرار على نص محدد؟
لسنوات طويلة قدمت نفسي على أنني شاعر عامية ، على الرغم من أن أول نصوصي المنشورة كانت قصصًا قصيرة جدًا ، أما أول قصائدي المنشورة فكانت بالفصحى ، ربما كان للصدفة دور في أسبقية هذين النصين ، وربما يتضح أن شعر العامية – حيث الجزء الأوسع من تجربتي – هو مرجعيتي الأساسية ، لكني في جميع الأحوال خضعت أطول من اللازم لعقلية التصنيف العربية ، وسجنت نفسي فيما ظننت أنه الفرع الذي أنتمي إليه ، ومنذ فترة قريبة نسبيًا قررت أن هذا سخف ، ورأيت أن أحرر نفسي ، بالأحرى أن أعود لحريتي السابقة ، فأكتشف نفسي مع كل ما يمكن اكتشافه من نصوص ومن تجارب ، ساعدني على ذلك أصدقاء أعجبتهم كثيرًا نصوص قصصية وأخرى فصيحة كتبتها ، وكان بعض أولئك الأصدقاء من غير المعجبين بكتاباتي العامية ، الأمر الذي دفعني لنشر تلك النصوص وقد وجدت تلقيًا طيبًا لحسن الحظ .
* هناك نوع من النضج في شعرك، ولكن هذا النضج موجود في قصصك أيضاً. بمعنى أنك تبدو في القصة قاصاً يكتب الشعر أحياناً، وفي الشعر شاعراً يكتب القصة أحياناً. ما الذي سترسو عليه في النهاية؟
لا أعرف بالضبط علاقة ذلك بالنضج ، ولكني إجمالاً لا أرى ذاك الفارق الشاسع بين أنواع النصوص الادبية خاصة في ثوبها الحداثي ، بل ويضيق الفارق أكثر وأكثر بين نوعي القصة القصيرة والشعر تحديدًا ، فكلاهما يعملان على التقاط لحظة وتثبيتها ، ومع ذلك فأعتقد أنني أقرب إلى أرض الشعر مني إلى أرض القصة ، قد أغادر مؤقتًا إلى أراض أخرى لكني أعتبر نفسي شاعرًا بالأساس .
* ما الجديد القادم … رواية مثلاً؟
أعمل بالفعل على نصّ قد يكون رواية أو قصة طويلة ، وقد لا يكتمل أيضًا ، فما زلت في مراحله الأولى .
* هناك تاريخ طويل وتجارب متعددة لشعر العامية في مصر. ما هي التجارب الأقرب إليك؟ بمن تأثرت؟
اعتاد الشعراء الشبان أن يعتبروا صلاح جاهين هو “العمّ” الأقرب لهم من بين الكبار ، وأنا لست استثناءًا ، ليس فقط لما لهذا الشاعر من فضل وأثر في مشوار تحول إبداع العامية المصرية من الزجل إلى الشعر بمعنييه الأسلوبي والانساني معًا ، وإنما للنص الفريد لهذا الشاعر الذي قدم القصيدة المصرية الاكثر سلاسة وبساطة وجمالاً وتفلسفًا ، هذا عن القرابة ، أما عن تأثري فهو تأثر متنوع ومتعدد بعدد شعراء العامية الكبار ، مرة أهديت الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم نسخة من ديواني الثاني بالعامية “بارانويا ” ، فقال لي ” لقد عملنا ما علينا وتركنا لكم شعر العامية المصرية شامخًا كالأسد ” ، وهو محق في قوله ، فإبداعات بديع خيري وبيرم التونسي وفؤاد حداد وعبد الرحمن الأبنودي ، صنعت لشعر العامية المصري مجدًا لم تدانيه عامية أخرى ، وعن نفسي فقد تأثرت بهم جميعًا ، وإن حملت إعجابًا خاصًا للأبنودي وعلى الأخص غنائياته .
* في سياق العامية. هل تنتمي لجيل مثلاً.. أم أن ما يُكتب اليوم هو تجارب متفرقة؟
لسنوات ظللنا نقول إننا تجارب متفرقة ولسنا جيلاً ، وإن كنت أعتقد أن تلك مقولة محبوبة من الشعراء أكثر من كونها حقيقة ، اليوم مع انتشار الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة أصبحنا نتعرف ونصل أكثر إلى طيف واسع من تجارب لم نكن نصادفها قبل ذلك ، وكلها تشير إلى خواص وميول عامة تجمع كتاب القصيدة العربية عمومًا والمصرية خصوصًا في السنوات الاخيرة ، عن نفسي أصبحت أتأكد يومًا بعد يوم أنني أنتمي لجيل له معالم واضحة ، وموضوعات شعرية تتمحور إجمالاً حول الوحدة والحزن والعدم ومناجاة الذات والتفاصيل الذاتية ، ينطبق ذلك على العامية والفصحى معًا ، وأعتقد أن الجيل الذي أنتمي إليه يبدأ بما انتهى عنده نثريو العامية في الثمانينات وأوائل التسعينات ، وأبرزهم الراحل مجدي الجابري ، و صادق شرشر المبتعد الذي أتمنى أن يعود قريبًا للكتابة ، وقد أسعدني الحظ بالمشاركة في تاسيس “لمّة ” أول ملتقي لشعراء العامية الجديدة في مصر ، وقد تعرفت من خلاله على العديد من الشعراء المبدعين الذين أكدوا لي وجود ذلك الجيل ، جيل من أبرز كتابه – على سبيل المثال لا الحصر – عمر طاهر ، حمدي زيدان ، عبد الرحيم يوسف ، وليد طلعت ، مؤمن المحمدي ورامي يحيى ، بالإضافة لآخرين من كتاب التفعيلة من أبرزهم سالم الشهباني وخالد عبد القادر وهيثم دبور .
* تكتب بالعامية، ولكن القارئ يلاحظ في قصائدك سعياً واضحاً إلى مجاراة قصيدة النثر اليومية المزدهرة في مصر في السنوات الأخيرة. هل تجد نفسك قريباً فعلاً من هذه القصيدة؟ أم أنه طموح لترك بصمة خاصة في شعر العامية الراهن؟
لا أرى تناقضًا بين شعر العامية وقصيدة النثر، وأرى أن العامية المصرية تحديدًا لما لها من ثقل ونضج هي الأقرب لإلغاء ذلك الفصل التعسفي بين الحداثة والشعر العامي ، ومعظم الأسماء التي ذكرتها لك في السؤال السابق تكتب قصيدة النثر ببصمة عذبة ومبدعة وسلسة ، وبالنسبة لي فإنني اخترت قصيدة النثر لأنها الأقرب لي ولأن خيالها هو خيالي وهو خيال العصر الذي نعيشه ، لهذا فإني أكتبها بالعامية وبالفصحى أيضًا ، وإن كان لي طموح خاص في قصيدة نثر العامية فهو حلمي بأن تخرج تلك القصيدة من العزلة التي انقطعت بها عن الجمهور الأوسع لشعر العامية ، ربما يحتاج ذلك إلى أن يعثر شعراء العامية الجديدة على حلول فنية جديدة وغير تقليدية ، إذا استطعت أن ِأشارك في ذلك ، وإذا حققت بقصائدي مثل تلك الطفرة أكون قد حققت أحد أكبر أحلامي .
* في قصص “عفاريت الراديو”، تدير ظهرك لمكونات وعناصر القصة التقليدية لصالح نص مبتكر يترك أثراً غير حكائي أو غير قصصي في النهاية. لعله أثر سينمائي أو شعري. ما رأيك؟
أعترف بالأثر الشعري على الاقل ، وقد جاء لأنني – أثناء الكتابة – لم أحاول عمدًا استبعاد خلفيتي الشعرية ، ولكنه فيما أظن كان أثرًا على مستوى اللغة وجماليات التراكيب وليس على مستوى الدراما، أو هذا ما أتمنى على الاقل ، المؤكد أن ما اعتمدته وسعيت إليه كان الوصول إلى أشد تكثيف ممكن في النصوص ، وممارسة الاستبعاد إلى أقصى حد ، والاكتفاء بالحد الأدنى الكافي لتستقيم الحكايات ، كذلك مارست تجريبًا في بعض النصوص لمصلحة أساليب دائرية وأخرى تكاد تكون شفاهية ، لكن أعتقد أنني في النهاية لم أُخِلّ بآليات القصة القصيرة ، وأتفق معك في أن التماس مع الشعر – وربما السينما كما تقول – كان على مستوى الأثر والشحنة وليس تقنية الكتابة .
* منذ فترة غنى زياد سحاب وفرقة “شحادين يا بلدنا” من قصائدك. وتستعدان حالياً لإصدار ألبوم مشترك. ماذا عن هذه التجربة؟ وهل تفكر أثناء كتابة القصيدة بأنها قد تتحول إلى أغنية؟
أحب جدًا تجربتي مع الفنان زياد سحاب وفرقته ، فهي تجربة تشبع عندي حبًا أصيلاً لكتابة النص الغنائي ، وأحاول من خلال تلك التجربة ، وما تبعها من تجارب أخرى من ألحان زياد مع فنانين آخرين ، أن أمارس التجريب على مستوى الموضوع والشكل معًا ، وسيتضح ذلك أكثر في الاغنيات التي لم تُذع بعد ، أعرف أن كلمة التجريب لها عادةً أثر غير طيب لدى المتلقي العربي ، خاصة ونحن نتحدث عن أغنيات ، لذا أود التأكيد على أن التجريب هنا هو باتجاه أغنية أكثر بساطة لا أكثرتعقيدًا ، أكثر تنوعًا لا أكثر عزلة، ولم يحدث أن فكرت أثناء كتابة قصيدة بأنها قد تتحول إلى أغنية ، فالقصيدة والأغنية نصّان مختلفان تمامًا عن بعضهما البعض ولكل آلياته وشروطه ، وبينهما الكثير من الاختلافات أولها أن الاغنية عمل جماعي بقدر ما القصيدة عمل فردي بامتياز .
الراي