حدث في الصين
ساطع نور الدين
قبل اشهر صدر في اميركا كتاب مثير للمفكر الاميركي البارز جورج فريدمان، تحت عنوان «الاعوام المئة المقبلة»، يتنبأ فيه بكل الحروب والنزاعات والتكتلات التي سيشهدها العالم في القرن الحالي الذي ستسود فيه اميركا كقوة عظمى وحيدة، ويشير الى أن الصين لن تصمد طويلا كدولة اقتصادية وسياسية كبرى، لان مصيرها التفكك الى دويلات، ومحميات دولية على غرار ما كانت منذ حرب الافيون الاولى وحتى الثورة الشيوعية في مطلع القرن الماضي.
وقبل اسابيع نشرت في اميركا مقالات عديدة توحي بان احد الاهداف الخفية للازمة المالية الاميركية التي انفجرت بسرعة ومن دون ضوابط، كان افقار الصين التي حققت خلال اقل من عقدين من الزمن معجزة اقتصادية حقيقية، وتمكنت من غزو الاسواق الاميركية بمنتجات كاسحة للاسعار واستثمارات فاقت تريليوني دولار اميركي، ضاعت كلها في اسواق البورصة في نيويورك في اقل من اسبوعين.. ولم يبق لدى الحكومة الصينية سوى تريليونين آخرين، هو احتياطيها النقدي الذي تجد نفسها اليوم مضطرة الى انفاقه لكي تنقذ الاقتصاد الاميركي من الكساد.
لكن احدا في اميركا لم ينشر شيئا في تلك الفترة عن السيدة الصينية ربيعة قدير، التي جرى اكتشافها خلال اليومين الماضيين خلال الاضطرابات الدموية التي هزت اقليم شينجيانغ الغربي الصيني، الذي تقطنه غالبية مسلمي الصين: من هي تلك المرأة التي تصنف بانها واحدة من اغنى نساء العالم، وكيف جمعت ثروتها في دولة شيوعية وفي احد افقر اقاليمها، ولماذا اختارت وزوجها المنفى الاميركي دون سواه منذ العام 2005، بينما ظلت بقية افراد اسرتها في السجون داخل الاقليم؟ لم يكن ظهورها صدفة، ولا كان خطابها الموجه الى العالم كله من داخل الولايات المتحدة بالذات عبثا، او مجرد تقليد لتجربة التيبتيين الصينيين الذين يقودهم ايضا منفي آخر في اميركا ايضا هو الزعيم البوذي الدلاي لاما.. الذي اعترف بنفسه قبل سنوات انه يتلقى الاموال لحملته من اجل استقلال التيبت من وكالة الاستخبارات الاميركية .
في اقليم شينجيانغ قمع وقهر صينيان اكيدان للاقلية المسلمة، التي حرمت من التكاثر والتعامل بلغتها التركية وثقافتها الاسلامية، كما حجب عنها الكثير من المنافع التي عمت الصين في اعقاب الطفرة الاقتصادية الاخيرة والتي تركزت في بيجين وفي المدن الواقعة على الساحل الشرقي الصيني وبعض مدن الساحل الجنوبي ايضا.. وفي الاقليم ايضا حركات اسلامية سبق ان اتهمت بعمليات ارهابية ابرزها تلك التي سبقت افتتاح الالعاب الاولمبية في بيجين الصيف الماضي، كما سبق ان اشتبه بعلاقاتها مع تنظيم القاعدة المنتشر في افغانستان وباكستان المجاورتين.
القفز الى الاستنتاج ان الاضطرابات المستمرة في الاقليم هي فقط وليدة مؤامرة اميركية، يحتاج الى المزيد من التدقيق، كما ان التسليم بان تحرك المسلمين الصينيين هو رد عفوي على اضطهاد تاريخي عانى منه الشعب الصيني بأسره، يستدعي الكثير من الحذر.. الذي يفرضه التعامل مع حدث عالمي بهذا الحجم، ومراقبة ما اذا كانت الصين واكثريتها العرقية (الهان) ستتصرف مثل ميليشيا او مثل دولة كبرى.