التفاهم الجديد بين الولايات المتحدة وروسيا
باتريك سيل *
تماماً كما عمل الرئيس باراك أوباما على مدّ يد السلام إلى العالم العربي والاسلامي، لا سيما من خلال الخطاب العظيم الذي ألقاه في القاهرة في الرابع من حزيران (يونيو)، قام بمدّ يد الصداقة إلى روسيا، خصم أميركا السابق. وشكّل بناء علاقة ثنائية جديدة مع موسكو لا تشوبها الشكوك المتبادلة والمناورات العدائية التي سادت في الحرب الباردة، هدف الزيارة التي قام بها أوباما إلى روسيا بين 6 و8 تموز (يوليو) الحالي.
يُسجّل لأوباما أخذ المبادرة والقيام بالخطوة الأولى تجاه روسيا والعالم الاسلامي. فقد أدرك بل يبدو أنه اقتنع أن المصالحة مع هاتين المنطقتين اللتين تعرفان النزاعات والعداوة المحتملة هو شرط مسبق أساسي حتى تتمكن أميركا من وضع حد للحربين غير المنتهيتين وتتعامل مع التهديدات الارهابية ومخاطر الانتشار النووي وحتى الأزمة الاقتصادية التي ضربت أميركا والعالم، لا سيما بعد الإرث السيّئ الذي خلّفته سنوات ادارة بوش.
قد يتذمّر الخصمان السابقان في كل من واشنطن وموسكو وقد يرفضان أن يصدقا أن العلاقة العدائية قد انتهت، لكن يبدو في الواقع أن ما يجمع بين هاتين القوتين هو أكثر مما يفرقهما. ويُشكل العمل المتواضع والمستمر على نزع السلاح النووي أحد طموحاتهما المشتركة الأكثر إلحاحاً ونبلاً. وقد قام أوباما بتسريع الأمور على هذا الصعيد فدعا في الخطاب الذي ألقاه في براغ في 5 نيسان (أبريل) الماضي إلى التوصل إلى «عالم خال من الأسلحة النووية».
أما الاتفاق الأهم الذي وُقّع في موسكو هذا الأسبوع فهو وثيقة تتضمن إطار عمل للسيطرة على الأسلحة وهي ستحل مكان معاهدة الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية التي أُبرمت عام 1991 والتي تنتهي مهلتها في شهر كانون الأول (ديسمبر) وذلك فور انتهاء المفاوضين من العمل عليها في الأشهر القادمة. ويجب أن يعمل الطرفان على خفض الرؤوس الحربية الاستراتيجية في كل جانب الى ما بين 1500 و1675 وأنظمة اطلاق الصواريخ البالستية العابرة للقارات براً وبحراً إلى ما بين 500 و1100 رأس حربي. ويجب أن يرافق هذا الانخفاض نظام تحقّق مطوّر بهدف بناء ثقة متبادلة.
ليس ذلك سوى البداية. فمن المتوقع بدء مفاوضات حول اتفاق بعيد المدى في السنة المقبلة يهدف إلى خفض الترسانة النووية الأميركية والروسية. ويدرك باراك أوباما والرئيس الروسي ديمتري ميدفديف أنه قد يكون بوسعهما إقناع كوريا الشمالية وإيران بالتخلي عن طموحهما النووي العسكري في حال كانت الدولتان العظميان نموذجين للعالم على هذا الصعيد، وفي حال عملتا على وضع العالم على طريق إزالة الأسلحة النووية.
وتتطلب عملية مراقبة الانتشار النووي وبالتالي تجنيب العالم كارثةً محتملةً، التشدد في تطبيق بنود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ويشمل ذلك إقناع البلدان التي لم توقّع عليها، على غرار الهند وباكستان وإسرائيل، بالتوقيع والقبول بلجنة تحقيق ومنع الموقّعين الحاليين من التخلي عنها.
وبغية التوصل إلى هدف أوباما ببلوغ عالم خال من الأسلحة النووية، تعهّد الرئيس الاميركي بالعمل على الحصول على مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي على معاهدة شاملة لمنع اختبار الأسلحة النووية التي قد تضع حداً لاختبار الأسلحة الجديدة وتطويرها وهي خطوة أساسية باتجاه نزع السلاح النووي. وقد رفض مجلس الشيوخ هذه المعاهدة عام 1999 ولن يكون من السهل على أوباما أن يجمع أغلبية الثلثين الضرويرة لإقرارها.
وبعيداً عن الأهداف المشتركة، لدى كل من الولايات المتحدة وروسيا أهدافاً خاصة، يحتاج تحقيق كل منها الى مساعدة الدولة الاخرى. فروسيا تريد أن تعترف الولايات المتحدة بأن لها نطاق تأثير ونفوذاً «مميزاً» على الأراضي التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي، لا سيما في القوقاز وآسيا الوسطى. وبالتالي، فهي تعارض بشكل حاد توسع حلف شمال الأطلسي نحو الشرق إلى جورجيا وأوكرانيا كما اقترحت إدارة جورج بوش الإبن، وتعارض أحد مشاريع بوش الهادفة إلى وضع بطاريات دفاعية مضادة للصواريخ وأنظمة رصد في بولندا وفي الجمهورية التشيكية. وقد زعم بوش أن هذه الأسلحة موجّهة ضد إيران فيما اعتبرتها موسكو موجّهةً ضدها وقد قدّمت أدلةً على ذلك.
وتريد الولايات المتحدة بدورها أن تساعدها روسيا على استئصال تنظيم «القاعدة» وهزيمة حركة «طالبان» وفرض الاستقرار في أفغانستان وهي الحرب التي عزم أوباما على ربحها. ووافق الروس هذا الأسبوع على السماح لحوالي عشر طائرات أميركية في اليوم بدخول الأجواء الروسية لنقل القوات والأسلحة والامدادات إلى الحرب في افغانستان.
والمهم ايضاً بالنسبة إلى واشنطن أن تساعدها روسيا على التوصل إلى حلّ لبرنامج إيران النووي. فلا يريد أيّ من البلدين أن تحوز طهران الأسلحة النووية، غير أن مقاربتهما لهذا الموضوع مختلفة. وتتمتع روسيا بعلاقات اقتصادية واستراتيجية وثيقة مع إيران، فيما كانت الولايات المتحدة على عداء مع هذا البلد في العقود الثلاثة الماضية.
وتدرك موسكو أنه في سبيل إقناع إيران بتقديم تنازلات في برنامجها النووي فيجب الإقرار بأهميتها الإقليمية وتقديم ضمانات لأمنها. كما تدرك واشنطن أنه يجب احتواء طموح إيران النووي بطريقة أو بأخرى في حال وجب إقناع إسرائيل بالسماح بقيام دولة فلسطينية.
ولحسن الحظ، تعمل كلّ من القوتين على البحث عن حلّ للنزاع العربي – الاسرائيلي على أساس حلّ الدولتين. إلا أن الولايات المتحدة وحليفها الاسرائيلي لن يكونا متحمسين جداً لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في موسكو قبل نهاية العام الحالي. وينبغي أن تحرز المفاوضات الأميركية – الإسرائيلية الصعبة تقدماً كبيراً قبل أن يواجه أي من الطرفين المجتمع الدولي.
ويبدو أن واشنطن وموسكو مستعدتان للتعاون في مواضيع متعددة أخرى على غرار محاربة الإرهاب وتجارة المخدرات. ويجب معاودة الاتصالات العسكرية – العسكرية التي عُلّقت بعد الحرب في جورجيا في شهر آب (أغسطس) الماضي. غير أنه لم يتمّ بعد القضاء كلياً على هذه الأزمة.
وتطالب روسيا بأن تتمّ معاملتها باحترام وعدل بسبب قوتها العظمى أو أقلّه كقوة كانت عظمى وتطمح إلى أن تصبح عظمى مجدداً. فتقع الولايات المتحدة من جهتها تحت ضغط الرأي العام في الداخل والديموقراطيين والناشطين في مجال حقوق الانسان في جميع أنحاء العالم من أجل ممارسة الضغوط على روسيا في موضوع الحرية وقاعدة القانون.
وقد تمّ اعتقال ميخائيل خودوركوفسكي الذي كان أغنى رجل في روسيا ومعارضاً للكرملين وسُجن بتهمة القيام بأعمال نصب منذ ست سنوات. وستعاود محاكمته في محاولة واضحة لابقائه خلف القضبان. وتُمارس الضغوط على أوباما حتى يثير هذه المسألة مع السلطات الروسية. لكنه يدرك تماماً خطر التدخل في الاجراءات القضائية والقانونية في روسيا.
على أي حال، كانت زيارة أوباما لروسيا ناجحةً حتى لو لم يتمّ فتح بعض الملفات الحساسة. وعرفت العلاقات المتبادلة الأميركية – الروسية انطلاقةً موفقةً لكن يجب بذل جهود أكبر في الأشهر والسنوات المقبلة.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط
الحياة