الدب الروسي لن “ينسحر” بسهولة
سعد محيو
هل بدأت رحلة الوفاق الثانية بين أمريكا وروسيا، بعد ثماني سنوات من التراقص على حافة حرب باردة أخرى؟
كلا، أو ليس بعد على الأقل.
صحيح أن أوباما مارس سحره الكاريزمي بنجاح مجدداً، ولكن على الشعب الروسي هذه المرة، وصحيح أنه وقّع مع الكرملين اتفاقية مهمة لخفض ترسانة الأسلحة النووية بنسبة الثلث، واتفق معه على جملة قضايا شملت أفغانستان، والأزمة الاقتصادية العالمية (التي يعاني منها الطرفان على قدم المساواة تقريباً) وتغيّر المناخ، إلا أن هذه كانت القضايا السهلة التي انتقاها أوباما لنقل البلدين من أجواء الحرب الباردة إلى مناخات السلام الحار.
بيد أن القضايا غير السهلة، والأهم، لا تزال عالقة وستهدد في كل حين بإعادة العلاقات الروسية – الأمريكية إلى نقطة الصفر. وهي تتلخّص بثلاث:
الأولى، مطالبة موسكو لواشنطن بأن تعترف بمناطق نفوذها الحيوي في مناطق الاتحاد السوفييتي السابق، بما في ذلك جورجيا التي قرع الغزو العسكري الروسي لها أجراس إنذار قوية في الولايات المتحدة.
حتى الآن، وعلى رغم كل الود والغزل اللذين يبديهما أوباما، إلا أنه لا يبدو مستعداً، أو حتى قادراً، على الاعتراف لموسكو بما تعتبره “حقوقها المشروعة” في حديقتها الداخلية الأورو-آسيوية، تماماً كما تمارس واشنطن “حقوقها المشروعة” في حديقتها الأمريكية اللاتينية. ولذا، فهو لم يعلن رسمياً بعد التخلي عن مشروع الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية، ولا عن مشاريع تمديد سطوة حلف الأطلسي إلى حدود الدب الروسي في أوكرانيا وجورجيا وربما حتى بعض دول آسيا الوسطى.
القضية الخلافية الثانية هي إيران، فعلى رغم أن روسيا تعارض امتلاك دولة إسلامية كإيران، على مرمى حجر من حدودها، سلاحاً نووياً، إلى أن لديها مصالح شاسعة في تلك الدولة: من مبيعات السلاح والطاقة النووية والمصالح المشتركة الخاصة بأسعار النفط والغاز، إلى كون طهران ورقة مساومة ممتازة في يد موسكو لابتزاز الغرب.
ولذلك، لايتوقع أن يحصل أوباما على دعم موسكو له سواء في مجال إقناع إيران بالتخلي طوعاً عن برنامجها النووي أو فرض عقوبات جديدة عليها إذا ما رفضت، إلا إذا ما أقرّ لها أولاً بمناطق نفوذها في مجالها الحيوي.
أما القضية الخلافية الثالثة فتتعلق هذه المرة بالداخل الروسي. فقد اشتم أوباما رائحة الدم في الكرملين، بسبب الخلافات بين الرئيس ميدفيديف الذي بات يعتبر الآن ليبرالياً، وبين بوتين القومي الروسي المتصلّب، ومارس بالفعل لعبة الاصطياد في الماء العكر بينهما. وهذا سلوك لن ينساه بوتين حين يطيح بميدفيديف في وقت ما (وهذا أمر متوقع في وقت غير بعيد).
لكل هذه الأسباب، لا تزال موسكو وواشنطن تقفان في مرحلة وسيطة بين الوفاق الحار والسلام البارد. وهما على الأرجح ستبقيان تراوحان في هذا المكان، إلا أن تفرض إحداهما وجهة نظرها أو رؤاها على الأخرى.
أما السحر الكاريزمي الأوبامي فلايتوقع له أن يستمر مفعوله طويلاً، خاصة بالنسبة إلى دب اعتاد شظف العيش في الشتاء الروسي الجليدي القاسي.
الخليج