صفحات العالمما يحدث في لبنان

العلاقات اللبنانية – السورية: مخاطر لبنانية على لبنان

هدى رزق
تدرك سوريا اليوم واقع علاقاتها مع لبنان فهي تنطلق من واقعية سياسية في تعاطيها مع الشأن اللبناني ومع القيادات السياسية اللبنانية المتنوعة الاهداف والارتباطات.
قد يقول البعض ان هذه الواقعية السياسية إنما هي مبنية على تحليل ينطوي على دروس المرحلة الماضية حيث ادركت أن جزءاً كبيراً من اللبنانيين يناصبونها العداء بسبب سياستها الخاطئة في قيادتها للشأن اللبناني ويعترفون بأنها لم تحسن إستعمال الوكالة الأميركية لها في تدبير الشأن الداخلي اللبناني.
ان تبسط العلاقات السورية – اللبنانية يعيدنا إلى السجال الذي ساد في المرحلة الماضيه حول الحلفاء الذين استفادوا من سطوة الوجود السوري وتنكروا له مع التغييرات الدولية والأقليمية، كذلك حول الشراكة في التوزيع المالي وحول المحاصصة في مجمل الشؤون الاقتصادية وفي التعيينات الادارية والامنية الى آخر المنظومة التي سادت في تلك الحقبة. لن نتطرق الى هذا السجال لأنه أصبح اليوم من الماضي الذي دفعت سوريا ثمنا باهظاً له.
في الحسابات الدولية يمكن القول إن هذا الثمن هو نتيجة عدم تعاونها في العراق واقليميا نتيجة لدعمها “حماس” وعدم مشاركتها في دعم المبادرة العربية للسلام (2002)، وتحالفها مع ايران، كما عدم قبولها بحلول مقولة الإرهاب كإيديولوجيا جديدة ترفض مفهوم المقاومة لإحلال ثقافة التسوية لحساب الأقوياء.
لن نقول بأن سوريا هي نصيرة الضعفاء بل لنقل بأنها تنتصر لنفسها في بعض المواقف التي تطلبت منها الممانعة من اجل حماية نظامها واهدافها السياسية.
لسنا هنا بوارد تحليل سياستها الدولية وتشعباتها الأقليمية إنما في صدد قراءة واقع العلاقات اللبنانية – السورية التي تحاول الاستفادة اليوم من بعض التحولات الدولية والأقليمية على امل الولوج الى علاقات سويّة.
لا شك في أن سوريا تعي تماماً بأنها لم تكن لتثبت في مواقفها لولا حلفاؤها الذين تتقاطع مصالحها ومصالحهم الاستراتيجية والذين شكلوا رافعة للعلاقات السورية – اللبنانية التي استمرت بشكل او بآخر، بالرغم من الحصار والقرارات الدولية والعدوان الإسرائيلي والتحالفات الإقليمية والدولية التي ادت الى عزلها. فالتحالف اللبناني – السوري أسقط أوراقاً ومشاريع جرى بناؤها على الدفق الشعبي السني الذي أُدخل في همروجة اتهام سوريا، مما ساهم في قلب الموازين والمفاهيم. فبعد ان كانت القوى المسيحية هي المطالبة بانسحاب “الإحتلال السوري” طالبت قوى مسلمة بهذا الانسحاب مما يذكرنا بطرد فلول الجيش التركي بعد الحرب العالمية الاولى بأيدي السنة في زمن الوعود التي قطعت للشريف حسين بإقامة المملكة العربية المتحدة. فالعقل الانكلوساكسوني يعي اهمية طرد مسلم بيد مسلم آخر وليس بيد مسيحي كونه ينال صدقية سياسة وشعبية اكبر واعمق دلالات.
لكن رد الفعل السوري عمل على الإستفادة من تلك اللحظة للحد من الخسائر، وحاول الاستفادة من الإنقسام والبلبلة التي سادت الساحة اللبنانية وذلك
اولاً: عبر تأكيد إلتزامها بالقرار الدولي 1559 وانسحابها الى داخل الأرضي السورية عوضا عن اعادة التموضع في البقاع.
ثانياً: شرعت بمحاسبة المسؤولين عن الملف اللبناني.
ثالثاً: تعاملت مع المحكمة الدولية ورفضت الاتهامات الموجهة اليها وتعاونت معها كباقي الدول رغم إتهامات ديتليف ميليس. ادّعت على الشهود واعتبرتهم شهود زور.
رابعا: خاضت سجالاً إعلامياً وديبلوماسياً وسياسياً، واستطاعت تمكين علاقتها مع الديموقراطيين في الولايات المتحدة الاميركية من اجل فتح ثغرة في الحصار “الجمهوري ” الذي فرض عليها.
خامساً: مكنت علاقاتها مع الإتراك على كل الصعد الإقتصادية والسياسية الأمر الذي ساعدها على فتح قناة للحديث عن رغبتها بسلام عادل في المنطقة وبذلك تمايزت عن حليفها الإيراني.
سادساً: لجأت الى الصديق الإسباني لتغيير الطريق الى اوروبا التي ما لبثت أن انفتحت عليها في ظل رئاسة ساركوزي.
سابعاً: انفتحت على منظمات الأمم المتحدة من أجل التعاون الإنمائي وتدعيم البنى التحتية وانماء البشر، وعلى البنك الدولي والاستثمارات العربية من اجل إنفتاح إقتصادي تدريجي لا يحبط المواطن السوري بل يقوده تدريجا من أجل اجراء إصلاحات بنيوية للنظام الإقتصادي.
ثامناً: العمل على ترتيب البيت الداخلي الأمني والعسكري والاداري.
تصرفت سوريا كدولة فتماسكت في وجه الإعصار الآتي من لبنان الذي لطالما اعتبرته خاصرتها الرخوة امنيا وسياسياً. ساعدها في ذلك الإنقسام السياسي الحاد في لبنان وانتصار المقاومة عام 2006.
دفع اللبنانيون في السنوات الخمس الماضية اثمانا باهظة على الصعد كافة. حيث عادوا الى قديمهم اذ جعلوا من بلدهم ساحة لتصفية حسابات دولية واقليمية وهذا ما يستدعي القول إن اللبنانيين لم يتعلموا من التاريخ ولم يتعظوا بعد. منذ زمن فخر الدين لغاية اليوم. ربما المشكلة الكبرى تكمن في تضخم الأنا اللبنانية التي تعتقد بأنها تفعل وتؤثر في المحيط لمجرد أنها تحلم بإستقلال وحياد لا يشبه أي حياد في العالم. هذا الحلم الذي يعود دائما وابدا تارة بوجه درزي وطورا بوجه ماروني، الى ان حاول ان يرسو عل الوجهة السنية وبقرار عربي معتدل.
وربما لان العقل اللبناني يعتقد بأنه مؤثّر في الأقليمي والدولي وليس العكس وهو مقتنع بالإيديولوجيا اللبنانوية التي تعتقد بأنها المنارة الفكرية التي تضيء على الآخرين. ربما لنقص في الواقعية السياسية وعدم وعي للأحجام في بلد الطوائف الذي لطالما استمر في اخذ طاقته من الكهرباء الخارجية وقدراتها.
اليوم يسعى كل من البلدين، لبنان وسوريا، الى إعادة بناء علاقات في الوقت الذي يصعب فيه بناء جسور الثقة. هل فعلا يمكن لبنان اعادة وصل ما انقطع وكيف ؟
يسعى لبنان الى بناء علاقة ندية لكن لا يمكنها ان تتحقق إلا من خلال الدولة. اي بناء علاقة بين لبنان الدولة وسوريا الدولة. علاقة قائمة على المصالح المشتركة وليس مصلحة أحد الأطراف فقط. لا شك في ان الوفاق الإقليمي السوري – السعودي سرّع العجلة وأعطى الدفع اللازم لإعادة بناء الجسور.
هل سيستطيع لبنان الدولة اليوم بناء علاقات ندية اي متساوية مع سوريا الدولة كما يدعي؟
سؤال يضع أمامنا إعادة إصلاح ما خربه اللبنانيون انفسهم في السنوات الخمس الماضية في سعيهم الى معرفة الحقيقة والصراع الداخلي والدخول في محاور اقليمية ودولية لم يتأذّ منها سوى أصحاب البيت اللبناني.
انهم مدعوون اليوم الى بناء الدولة. هل سيستطيعون الإتفاق في ما بينهم أم ان سجالاتهم في الإصلاح والمحاصصة ستعيدنا الى النغمة التي سادت منذ الإستقلال ولم تزل تتردد، وهي المشاكل التي بنى عليها الخارج، وما زال، حين اوهمنا بأنه سيغيّر موازين القوى لمصلحة أحدالأطراف.هل سينطلقون من مصالح البلاد والعباد ام سيقولون للعالم بأننا لا نستحق حكم انفسنا بأنفسنا ؟ هل سيعملون على استغلال المقاومة لمصلحة بلادهم ام سيعملون على التخلى عن اوراقهم القوية قبل استحقاق المفاوضات؟
تصبحون على وطن ايها اللبنانيون فالعلاقات مع الدول تتطلب دولاً وليس طوائف مجموعة وغير مجتمعة. ان الكرة اليوم في الملعب اللبناني.
(باحثة في الاجتماع السياسي)
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى