صفحات سورية

في منطق الممانعة السورية السليم

null
بلال خبيز
نظام البعث الحاكم الذي أرساه الرئيس الراحل حافظ الأسد صبور كجمل. الممانعة في أصلها وتعريفها مثلما أرساها هذا النظام، وحذا النظام الإيراني حذوه، تفترض أن الصمود في مواجهة الأخطار يعني أن الشعب والمجتمع الذين يرزحان تحت نير التدخلات الخارجية والقمع السلطوي المباشر قادران على البقاء من دون مقومات البقاء. هذا يفرض علينا أن نمدح صبر الشعب السوري والشعب الإيراني استطراداً. أما التساؤل عن أي نوع من أنواع البقاء قد يستقر عليه حال الشعبين، فهذا أمر لا يدخل في اعتبار قادة الممانعة. إلا حين تصرح تسيبي ليفني، كمثل تصريحها الشهير حول غزة: ‘غزة لا تعاني أزمة إنسانية، ولا سبب يوجب التحرك في هذا الإطار’. على وقع مثل هذا التصريح، يقفز حديث مستويات البقاء إلى الواجهة. ذلك أن الشعب السوري أو الفلسطيني، بحسب منطق الممانعين، ليس في حاجة إلى أي شيء، ويعيش أفضل أوقاته. وهذا يقع في خانة الصبر والصمود. لكن حديث ليفني أو غيرها يستجلب ردوداً موقتة تعيد النقاش إلى منبعه الأصلي: ‘الشعب الفلسطيني يعاني، بطالة وتفشي أمراض سارية ومهجورة، وأزمة سكن خانقة. وهذا ينذر بكارثة وشيكة’. لكن مثل هذا الحديث عن أوضاع الناس وأحوال عيشها لا يقفز إلى العلن إلا رداً على العدو الذي يمعن في الضغط والحصار على الشعب.
والحال، الشعب الممانع له صفتان متناقضتان، بحسب منطق الممانعين: هو شعب يعيش بألف خير في القِلة والعوز وأمام عصف العواصف، ولا تنال منه النوائب ولا الحدثان. وهو شعب يعاني أنواع المشكلات كافة المعيشية والصحية والثقافية تحت ضغط الاحتلال أو الحصار. وتبرز الصفة هذه أو تلك بحسب مسار الأمور والمتغيرات في الاوضاع.
سوريا اليوم، يقال، أثبتت أنها بلد وازن وله مصالحه التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار. وتأسيساً على هذا المعطى لم يعد ثمة من حديث عن المشكلات التي يعانيها الشعب السوري تحت الحصار. اليوم الشعب السوري بألف خير، ولا ينقصه من متاع الدنيا الزائلة إلا تكحيل بواصره بمشهد انتصار النظام على أعدائه وخصومه. لكن الشعب السوري لا يكون بخير حين يكون التدخل الأجنبي فاضحاً والحصار معلناً. وهذا لا يتعلق بطبيعة الحال بتغيرات ملحوظة في أوضاع الشعب السوري على المستويات كافة. لقد أصبح الشعب السوري بألف خير، مع أن الاقتصاد مازال على حاله من التردي، والحريات الأساسية مازالت معدومة تقريباً، والمستقبل الاجتماعي مازال غامضاً ومشوشاً، والأهم من ذلك كله، مازال الأعداء والخصوم بألف خير أيضاً. ولا يجدر بعاقل أن يسأل ما الذي تغير حتى أصبح البشر والاستبشار سيِّدي الموقف السياسي؟ فالعاقل هو من لا يفهم تحولات الناس والعباد، وتغيرات الأمزجة الاجتماعية. والعاقل طبعاً لا يستطيع أن يفهم معنى الجريمة التي حوكم عليها ميشال كيلو الذي تم الإفراج عنه أخيراً: ‘إضعاف الشعور القومي’. ذلك أن العاقل يحسب الأمور وفق ميزان دقيق: كم طناً من الدقيق مازال موجوداً في خزين المطاحن والأفران؟ ومتى يجب أن نقلق لاحتمال فقدان الخبز من الأسواق؟ أما أن يكون الشعب بخير بخبز ومن دون خبز في الأسواق، وبوجود فرص عمل ومن دون وجودها، وبحرية ومن دونها، فهذا أمر لا يجدر بالعقلاء من الناس أن يفكروا في حل ألغازه.
هنيئاً للنظام السوري بعودته نظاماً فاعلاً في المنطقة. هنيئاً لنا أيضاً بشعور هذا النظام أنه أقوى من العواصف. إنما أيضاً، نود أن نسأل، ما الذي تغير في الوضع؟ والجواب واضح: لقد خفَّت وتيرة التوتير في لبنان، ولأن الخطاب السياسي. وهذا على ما يقول رئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، من بعض مفاعيل نجاة سوريا من الحصار، ونجاحها في فك طوق العزلة الدولية والعربية. والحال، أليس من المنطقي أن يسأل المرء سؤالاً: ما الذي استوجب كل هذا التوتير في لبنان، ما دام المطلوب فقط: فك طوق العزلة عن النظام؟ ثم والأهم من هذا كله: ما هي الإضافة المميزة التي حققتها السياسة السورية على تحسين موقعها وموقع حلفائها في مواجهة أعدائها؟ مازال نتنياهو يحكم رئيساً للحكومة الإسرائيلية حتى إشعار آخر، ومازال الشعب الفلسطيني يعيش تحت الاحتلال، والأهم سورياً، مازالت مزارع شبعا محتلة ولم تنجح الممانعة في تحريرها، بل ربما نجحت في إهمالها ونسيانها.
* كاتب لبناني
الجريدة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بصراحة كل نا بقرأ مواقف المعارضة السوريا(اللي مفروووووض تكون مهتمة بمصالح الشعب ؟؟؟؟؟ بشعر بخيبة أمل فظيعة لمدى غباء أو استغباء المعارضة خصوصا بموضوع لبنان والل وضح لكل الشعب السوري إنو معارضتما الكريمة -متل شقيقنها معهرضة نظام صدام حسين في العراق- مستعدة تتعامل مع الد أعدائنا و تدمر البلد لتوصل للي بدها ياه (كرسي الحكم)
    وياريت تتحترموا شعبنا وتحترموا نفسكم وما تنقلوه مقالات من مواقع سعودية بتنتقد النظام السوري لأنو إذا في أسوأ من نطامنا فهو نظام السعودية الوهابي المتخلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى