ما يحدث في لبنان

الموالاة تراهن على «الوقت» والحوار معلق على حسابات الخارج

null


جورج علم

عندما بادرت كلّ من مصر والسعودية للدعوة الى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، تنوّعت الأسئلة: ماذا تراه يكون جدول الاعمال؟ وهل الهدف دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في وجه المعارضة وتحديدا «حزب الله»،
أم تعويم مبادرة الرئيس نبيه بريّ الحواريّة بعد تطعيمها ببعض الاقتراحات من قبل الموالاة، وتحديدا من رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، أم دفع الازمة باتجاه تصعيدي من خلال إدخال بعض الافكار التي من شأنها ان تصبّ الزيت بدلا من ان تسهم في إطفاء النار؟.

ومرّت الساعات التحضيريّة لاجتماع الجامعة الاستثنائي شديدة الوطأة نظرا للمساعي التي بذلت لتدوير الزوايا الحادة على « جبهات» أربع:

الأولى: هل غاية الاجتماع الوزاري «مواجهة طهران في لبنان» وفق التوصيف الذي قدمته قوى 14 آذار، أم لوأد الفتنة؟

الثانية: ان الفريق الداعي الى الاجتماع هو الذي خفّض مستوى مشاركته في القمة العربية في دمشق، وبالتالي فإن مبادرته قد فسّرت على أنها تجاوز للرئيس الدوري للقمة، وهذا ما دفع بالعاصمة السوريّة الى التحفظ على الدعوة «باعتبار ان ما يجري في لبنان شأن داخلي». وكذلك فعلت دولة قطر، رغم الحديث عن احتمال مشاركة الوزيرين السوري والقطري ليقول كلّ رأيه بما يجري وبصراحة مطلقة؟!.

الثالثة: تمثّلت بحثّ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على ان يقترح جدول أعمال لهذا الاجتماع خصوصا ان غالبية الدول المشاركة إنما هي متعاطفة «مع بيروت»، وجاءت رسالته الى اللبنانيين «غبّ الطلب». فهي من جهة قد فرّجت عمّا في خواطره من أفكار وتوجهات، ومن جهة أخرى اعتبرت وكأنها بمثابة إخبار رسمي الى مؤتمر وزراء الخارجية العرب كي يتم التعاطي مع الازمة من منطلق ما ورد في كلمته من بنود وتطلعات!.

أما الرابعة وغير الاخيرة، فمحورها الآتي: هل الغاية من الاجتماع تفجير الاوضاع، أم بلسمة الجراح؟ وإذا كانت الرغبة كذلك فلماذا لا يصار الى ممارسة المزيد من الضغوط المعنوية وعلى كل الاطراف للعودة الى طاولة الحوار في مجلس النواب لبلوغ التسوية، خصوصا ان غالبية المشاركين في اجتماع الجامعة تعرف سلفا أنه يستحيل استيراد حلّ للأزمة خارج دائرة التفاهم اللبناني ـ اللبناني؟.

وبمعزل عن العناصر التي لا تزال تتحكم بأي توجّه عربي إنقاذي، يرى بعض المتابعين ان تصرّف الوزراء العرب من منطلق عاطفي سيزيد من تفاقم الامور لجهة تكريس سياسة المحاور المنفلتة المتواجهة المتجابهة على الساحة، فيما المطلوب الاعتماد على الحجة وحكمة التوجه لتعبيد الطريق أمام طاولة الحوار، ودفع الجميع اليها، والسعي الى رعايتها، والتدخل عند الحاجة الى تذليل بعض العقد التي تعترض المتحاورين، وتقديم الضمانات لمن هو بحاجة اليها حول بعض المواضيع الساخنة او القضايا الحساسة بهدف التوصل الى تسوية متوازنة مقبولة تعالج كل الهواجس وكل المطالب عند سائر الفرقاء لوضع لبنان فعلا على سكّة الحل انطلاقا من انتخاب الرئيس التوافقي فور التفاهم على السلّة المتكاملة.

وانطلاقا مما تقدّم كانت بعض الأجواء الدبلوماسيّة العربية تشير الى أن الرئيس السنيورة قد قدم عرضا مقبولا ورد في بعض البنود التي اقترحها في رسالته باستثناء البند المتعلق برئيس المجلس النيابي، واعتباره فريقا وبالتالي غير مؤهل لإدارة الحوار، مقترحا وسطيّا آخر لإدارته، من دون ان يحدد ما إذا كان يعني ضمنا الأمين العام عمرو موسى للاطلاع بهذه المهمّة، علما بأن الأخير ـ استنادا الى هذه المصادر ـ غير متحمّس للاضطلاع بهذه المهمّة إلاّ إذا وافقت المعارضة بكامل اطيافها، وأن يكون التفاهم مسبقا على جدول الاعمال، مع توفير ضمانات تؤكد على وضع كل ما يتفق عليه موضع التنفيذ فورا، ومن دون تنصل او احتماء بحجج واهية للهروب الى الامام.

والاسترسال في هذا الحديث يتم كما لو ان المعارضة قد تجاوبت فعلا مع العرض الذي قدّمه السنيورة، في حين أن الصورة ليست كذلك البتة، فلا كل ما طرحه مقبول من المعارضة، ولا هي في وضع يلزمها القبول فورا بكل ما يعرض عليها ومن دون أي اعتراض. إنها ترفض بقوة إبعاد الرئيس بري عن طاولة الحوار كراع له، وترفض جدول أعمال من لون واحد ومن طرف واحد، حتى ان البعض من الدبلوماسييّن قد ذهب بعيدا في القول: «إن الأولويات لم تعد أولويات، وما بعد السابع من أيار لم يعد كما كان قبله، وأصبح جدول الاعمال قابلا للزيادة، وله القدرة على استيعاب مواضيع بواجهة لبنانيّة إنما بأبعاد عربيّة وإقليميّة، بعدما تحوّل الشارع الى أداة للضغط، وتحول العصيان المدني الى مظهر من مظاهر الضغط لتحقيق التسوية، إذا كان لا بدّ منها في نهاية المطاف ؟!».

وإن ساد اعتقاد مبدئي بأن المعارضة قد تقبل بالصيغة التي اقترحتها قيادة الجيش لقراري مجلس الوزراء، فإن المطلب الثاني الداعي للعودة فورا الى طاولة الحوار وفق المبادرة التي طرحها الرئيس نبيه بري لا يحمل أي وجه من وجوه الاجتهاد في التراجع عنه، بل تعتبر أن أي تلكؤ إنما هو هروب الى الامام حيث تراهن الموالاة على عامل الوقت لإحداث تغيير قد يمكّنها من الإمساك بالأرض مجددا، وأيضا بناصية القرار، وعلى حساب المعارضة ومطالبها.

ويبدو ان هذا الفريق لا يزال يراهن على هذا العامل (الوقت) لإحداث التغيير معتمدا في الوقت عينه على أمرين متلازمي:

الأول: ان الولايات المتحدة ومن معها من الحلفاء في العالمين العربي والغربي ما زالت عند مقولة عدم الاستسلام، وضرورة الصمود لأن «الدعم الخارجي آت؟!».

والثاني: صحيح ان المعارضة تمسك بالارض، وببعض أوراق التفاوض، إلاّ انها تدرك جيدا أن كل يوم يمّر إنما يزيدها غرقا في المستنقع اللبناني، ويزيد من نقمة الرأي العام على «حزب الله»، خصوصا إذا ما استمرت الطرق المؤدية سواء الى المطار او الى العديد من المرافق العامة مقفلة، ومن دون ان يؤدي ذلك الى تحسين شروط التسوية.

وإذا كان الاميركي ومن معه لا يوافق الموالاة على بعض التنازلات وعلى العودة الى طاولة الحوار، فهذا يعني «لا حوار»، ويعني المزيد من الفوضى حتى يصبح بالامكان «تمرير» العديد من الملفات الساخنة في المنطقة بغفلة عن لبنان وربما على حسابه، فأين العرب من هذا؟، وهل سيتصدى مجلس وزراء الخارجية لكلّ هذه العوائق، ويسرع في انتشال لبنان من براثن الحرب الأهليّة، أم أن المجتمعين هم في طليعة المتجاوبين مع الرغبة الاميركيّة، وأن أفكارهم والمقترحات التي قد يلجأون اليها من شأنها ان تصبّ الزيت على النار المشتعلة، بدلا من العمل على إخمادها؟!.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى