هل تختلف السعودية في شيء عن ايران إذا لم تكن هي الأسوأ؟
قناة العربية ترشق الحجارة وبيتها من زجاج!
نذير الماجد
كتب الدكتور خالد الدخيل قبل أيام تحليلا حول الخلفيات والدالات الكامنة في الحدث الايراني، راصدا تداعياته السياسية والفكرية والدينية لينتهي إلى الاستنتاج بأن ثمة ما يشير إلى حيوية بالغة يتمتع بها الشعب الايراني، ثم يصل في نهاية المطاف إلى تثمين هذا الحراك الذي ينم عن وعي سياسي واصرار مستميت على المضي قدما بتطبيق المبادئ الأساسية التي قامت عليها الثورة، وبمعزل عن المعطيات وبقية النتائج أو الاحتمالات التي توصل إليها الدخيل تظل هذه القراءة محاولة جادة تلتزم الحياد في مقاربة المشهد. وعلاوة على جديتها وحياديتها وتحليلها الرصين الذي يستحق الاشادة فإنها تمثل خرقا واضحا لاتجاه واسع أخذ يعالج المشهد الايراني بتشفٍ بعيد كل البعد عن الحياد والتحليل السياسي الرزين، وهذا ما يضفي عليها مصداقية أكثر.
تأتي هذه المحاولة في تقديري إلى جانب محاولات أخرى تشبه مداخلة الدخيل، مع أنها تعالج الحدث من منطلقات وحيثيات متعددة إلا أنها تشترك كلها في التزام الحياد والمعالجة الأمينة للموضوع، وبينما راح الدكتور أسعد أبو خليل يحذر من الاستمرار في تغطية المشهد الايراني لما في ذلك من عودة ظافرة لما كان يعرف في الثمانينات بممارسات تصدير الثورة، نجد الدكتور فيصل القاسم يكتب مقالا ساخرا حول تلقيات وسائل الاعلام العربية وبعض الأقلام للاحتجاجات والمسيرات التي تعج بها شوارع طهران خاصة في الأحياء الواقعة في شمال العاصمة، مستغربا اليقظة التحررية المباغتة لوسائل اعلام أدركت فجأة أهمية الديموقراطية ونزاهة الانتخابات وتدوال السلطة وكل ذلك بطبيعة الحال في ايران وحدها دون بقية الدول العربية، هذا الشعور المتسائل والذي يعكس استغرابا وازدراء مشوبا بالمرارة انتاب شرائح واسعة لا تقل تعطشا للحرية والمشاركة السياسية.
لكن المتلقي ليس غبيا بما يكف لكي تنطلي عليه هذه الحيل التهريجية التي تعج بها بعض وسائل الاعلام وهي التي تفتقر لأقل قدر من الاحتراف والمهنية، فقد أصبح قادرا على التمييز والفرز في كل ما ينتجه الاعلام والصحافة، يستطيع بفطنته أن يقرأ الحدث طازجا نقيا بلا مؤثرات من خارج الحدث نفسه، خاصة في عصر الميديا وتوفر الاعلام البديل والحريص كل الحرص على جذب المتلقين.
فإذا كانت هذه القناة أو تلك الصحيفة تتدخل عابثة في رسم ملامح الصورة وتتحكم في تكوين التصور السياسي والوعي الناجم عنه للمتلقي ثم تشوه الصورة لتخون بالتالي ثقة المشاهد أو المستمع أو القارئ فإن هنالك من الوسائط البديلة على شبكة الانترنت ما يعوض ذلك النقص والتزييف وحتى الخداع في تلك الوسائط الكلاسيكية، المعلومة اليوم ليست حكرا على أجهزة الاعلام الرسمية أو التي تحظى بتبعيتها، ثمة انفجار هائل في وسائط المعلومات يغني المتلقي المجهد في تقصي الخبر عن كل تلك الأبواق الآثمة التي أدمنت خديعة المشاهد وذر الرماد في عينه.
لهذه الأسباب وغيرها أصبح المتلقي واعيا تماما بوسائل وحيل الاعلام الذي يخون وينتهك قبل كل شيء المهنة نفسها، لأن مهمة الاعلام كوسيط بمنتهى البساطة هي نقل الحدث بنقاوته إلى المتلقي دون أي تدخل منه، وإلا تحول إلى لاعب أو طرف سياسي. الاعلامي يجب أن يتصف بالنقل الأمين ويلتزم قدر المستطاع جانب الحياد والصدق في نقل الحدث، وحتى إذا كان له رأي أو تفسير سياسي –وله الحق في ذلك- فيجب أن لا يطغى على صورة الخبر التي يحاول رسم ملامحها، الأمانة هي الشرط الأساس الذي من دونه ينزلق الاعلامي إلى مهاوي المهاترات السياسية ليصبح خصما لهذا دون ذاك وعندئذ سيشيح المتلقي بوجهه ليبحث عن ناقل آخر أكثر أمانة.
ليس المطلوب الحياد الصرف والكامل لأن الحياد كل الحياد ليس سهل المنال، ولكن الاقتراب من الحياد والانشداد إليه هو المطلوب، وذلك يعني أن يكون المشاهد ذاته هو الهدف وهو المحور الذي تدور عليه رحى الاعلام والغاية التي ترسم كل ملامحه بمعزل عن التوجه السياسي للمذيع أو الكاتب، وهنا بالتالي تمثل عدة معايير تقود إلى التقييم الدقيق للمادة والمضمون، منها مثلا شمول التغطية واتساق المعايير ووحدة المضمون وانسجامه، ولكن الأهم من كل ذلك هو توفر الرأي والرأي الآخر، الصورة والصورة المغايرة، وهكذا تتوضح السبل الكفيلة بتجلية الواقع الاعلامي بمادته الغنية للمشاهد ليتسنى له الحكم فهو المعني والمقصود الأول والأخير.
أما إذا كان ثمة انحياز أو عدم تكافؤ أو اختلال في تمثيل المشهد السياسي بين واقع وآخر فإن هذا يكشف بوضوح عن أن شيئا يحول دون الموضوعية المرتقبة. الحياد يجر وراءه تحييد الأهواء السياسية والعاطفة والغرائز والتي تقود إلى انحياز قسري هنا أو هناك، الكيل بمكيالين شيء مرفوض بالبداهة، ولذلك لا يمكن قبول الاطناب في تغطية مشهد الاحتجاجات في ايران ثم الاشاحة الكاملة عن مظاهر العسف السياسي والحقوقي وظواهر التوريث واستخدام المال السياسي في بلد آخر يشترك في بعض الصلات السياسية.
قناة العربية مثلا تخصص جل اهتمامها للحدث الايراني الذي يحتل الخبر الأول الرئيسي منذ تفجر الأزمة: انحياز واضح لطرف دون آخر، تناول الوقائع بصورة كاريكاتورية تضخم الأحداث وتحجب الحقيقة، ولكن رغم ذلك فالتحاليل والبرامج الحوارية والتغطية الاخبارية وكل ما يبث على قناة العربية حول تداعيات الانتخابات الايرانية والاحتجاجات الناجمة عنها كانت ستتسم بتقييم ايجابي لو لا اهمالها الواضح –ولا أقول المتعمد- تجاه قضايا ومسائل واشكالات أكثر أهمية وأولوية هي التي تتصل بالواقع العربي وتحديدا بالواقع الداخلي السعودي، ثمة ما يندى له الجبين من قضايا وتحديات وأزمات فكيف يجوز لقناتنا الرائعة أن تغض الطرف عن كل ذلك لتهتم بالشأن الايراني، أليس في ذلك سر عجيب أم هو التشفي والنكاية وحسب؟ لدينا واقع مثخن بالجراح، لدينا سجناء رأي، لدينا حظر “عرفي” وكلي لكل أشكال التظاهر والمسيرات حتى ولو كانت سلمية أو منسجمة مع سياسة الحكومة، وأبسط دليل على ذلك تلك المسيرات التي شهدتها بعض المدن في الشهور والسنوات الأخيرة حيث قمعت وشنت السلطات على اثرها حملة اعتقالات واسعة، أين كانت حينها “قناة العربية”؟ حتى هذه اللحظة لازال هنالك سجين يقبع في أحد سجون الرياض بتهمة التدبير لمسيرة مناهضة للحرب الاسرائيلية على غزة، ناهيك عن التقارير الكثيرة التي تصدر بين الفينة والأخرى عن منظمات حقوقية دولية منددة بما يحدث من انتهاكات لحقوق الانسان كمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتش ووتش التي أعلنت مؤخرا عن مماطلة السعودية في ما يتعلق بملف المرأة.
من هنا أتساءل مجددا: لو كان ما يحدث في ايران حدث في دولة عربية كالسعودية مثلا هل كان سيرش على رؤوس المتظاهرين فتات الزهر وأغصان الزيتون أم الرصاص وخراطيم المياه والقنابل؟ هل تختلف السعودية في شيء عن ايران إذا لم تكن هي الأسوأ؟ هل يسمح أصلا بالتظاهر في السعودية؟ هل يحق لبلد لا يجيز أي شكل من أشكال الاحتجاج أو المعارضة أو التظاهر أن يقييم أو يتحدث حول تزوير انتخابات أو قمع متظاهرين؟ أم أن ايران دولة شر والسعودية دولة ملائكية والاحتجاج الذي هو في ايران حق مشروع يصبح في السعودية فتنة وخروج على ولي الأمر؟ أيجوز رشق الحجارة وبيتنا من زجاج؟
شبكة العلمانيين العرب