اذهبي فيروز لدمشق وغني…!.
د.نصر حسن
اذهبي إلى الفيحاء التي تعريفيها وغني لها …..واصدحي لدمشق السجينة وتعجبي مالها ….واسألي أين زهرة الياسمين ,أين عطرها ….أين ربيعها وصيفها ؟! …. لا تخجلي , فبردى لم يعد أغنية ولا نهراً ولا حتى جرفاً …. وقاسيون لم يعد قمة ًولا رمزاً ….جفت الينابيع …..و تيبست الرياحين وتصحرت بياراتها ….وأُبيحت حرمتها وامْتُهنت ثقافتها وحُوصرت في قائمة الممنوع والمتبوع والمقموع …وثقافة الخوف والجوع والخنوع…. أتعتقدين أنها عاصمة الثقافة والغناء يا سيدتي ؟! ….أم حسْبُك تقولين أنه وقت الهجاء !… لا تخجلي صارحيها …. فحراسها لم يبق في وجوههم بعض ماء…. … بل وحتى فقدوا بقايا الحياء….!.
لا تخجلي …افتحي عينيك الجميلتين من بيروت إلى دمشق … سترين ماذا حل بالجمال ؟!كلتاهما مغتصبة وملطخة بأكثر من عار …ونهارهم لايشبه النهار …الأولى بالوصاية والوشاية وسوء الوالي والولاية…وعلى بساط أحمر كبير يلف لبنان كله ويشوه شجرة الأرز فيه ,وتُسرق الحرية والديمقراطية والإبداع ,وتُحوله إلى مراكز للتفخيخ والتشليح والتدمير وقتال الأخوة وحشرهم صرعى في مهب الريح, والثانية تشهق زفرات الحرية تحت عصى الجلاد وبسطاره …أرهقها سوطه وسمه والفحيح !… حاولي أن تسعفيها في غياب أحرارها وفي غرائب وخرائب زمنك العربي هذا , غرائب الصمت وعجائب النفاق في دمشق سجن الثقافة العربية – 2008 بامتياز! .
دمشق لم تعد هي مداد الكون وملعب الثقافة والتاريخ على يد حكامها الجدد ,الذين اغتالوا الثقافة وحولوها إلى حطام من الكلمات والعذابات والبغاء اللغوي السلطوي الذي يسمى ثقافة! دمشق في حالة إعياء , باتت مشلولة بل مكسرة الجناح ممزقة الوصال… ومع بيروت تعيشان الظلام وسوء الحال, دمشق وبيروت توأمان لتاريخ قيل أنه عربي…ولعذاب مرير عربي !.
ولحضارة عربية تُداس اليوم بألف قدم مارق ….وتُطرق بآلاف المطارق ….وتُحرس بآلاف من صدأ القول والذل والبنادق …. دمشق وبيروت تحنان إليك ,إلى الفن والكرامة وصوتك العربي الأصيل الصادق … بائساً الفن عندما يقف حائراً اليوم أمام خراباً ويباباً …. أمام رمزاً ونظاماً فقد أحاسيسه وعقله وقلبه وانتماؤه ! .
لا تخجلي غني لدمشق وبيروت والقدس كلهم في الهوى سوى أسرى… من قبل رعاع يفرض نفسه على أنه راع ! ومن رموز مهينة للجهل , تفرض نفسها على أنها دعاة ثقافة وصيانة تاريخ وحفظ حضارة …لا تخجلي فدمشق أصبحت في قعر القاع!.
عفواً فيروز …قد يكون فرض رؤى على فنانة عظيمة مثلك هو عمل لا نريده ولا نرضاه ولا طاقة لنا به…لكنه الشعور والإحساس الذي يعصف في قلب وعقل ووجدان الناس ومنهم الفنان … الذي ربما يهديه وأحياناً يجبره قدره على تلمس بؤس حاضره …وحاضر دمشق وبيروت هو كما تعرفين , حضيض في الأمية والرذيلة والخوف والعنف والتطرف , وليس أقدر من الفنان على صياغة انهيار الواقع والتعبير عنه في شكل إنساني يمثل إنقاذاً له من الخراب …فبيروت ودمشق تتجاوران في الزنزانة تحت نفس الجلاد الأمني المخابراتي الذي أغلق كل الأبواب , وفقد كل مبررات وجوده واستمراره ومعناه ,يتشبث بالقهر والعنف ويتباهى بكرنفالات الجهل والتخلف , هو يمثل قيمة مضافة إلى أعداء الإنسان والفن والحرية والثقافة والحضارة والحياة!.
عفوا ً فيروز ومعذرةً منك ومن عظماء مثلك …دمشق غدت في ظل نظام هو الأسوأ في تاريخها ,لن تجدي منها كثيراً …بعضهم في زنزانة …وبعضهم في خوف ….وبعضهم شردته أمنيته بوطن حر ….وبعضهم في حفرة …. دمشق اليوم غدت مرتعاً للجهل والأمية والسجون والمعتقلات وتشويه الثقافة وقتل الحرية وتسفيه الفن والغناء ….وعاصمة الأمويين التي شغلت الدنيا وأنارت تاريخ الحضارة وعبق الدنيا بطيب رائحة ياسمينها وحبها ….رائحتها اليوم تُزكم الأنوف وحياتها في ظلماء وكهوف ….اسأليهم ,ويْحكم ماذا فعلتم بالفيحاء ؟ …ولماذا سجنتم رمز كرامتها فداء..؟! واضربيهم على رؤوسهم بصوتك الجهوري العربي الصادق الأصيل ,وقولي لهم : هذي ليست ثقافة ولا سياسة ,ولا هو من صنف الغناء!.
نعلم وأنت أن الفن رسالة ,والإبداع حرية وضمان السير يحدده رؤية وصفاء …وأن الوطن ليس لعبة …والثقافة ليس لغواً بل هي انتماء…هدديهم بأنك ستغني علناً للحرية …وغني بأعلى صوتك في وسط الفيحاء ……
أنت الياسمين وأنت الأرز …. لا تشويه للأسماء …..الثقافة في عرف دمشقي لاتعرف بيع وشراء.. كسراً للقيد غني بإباء….
غني لدمشق العتيقة … حرف التاريخ ونبع ثقافته العريقة… وأعيدي صوتك مع بدء نهار دمشق الجديد… صلة سحرية يحياها السوريون بين عاشق وعشيقة في كل صباح…أحييها فظلام دمشق وظلمها وعهرها فاق كل مباح …!.
غني …علَ صوتك السحري يفتح أفقاً لنهار جديد … ويوقف همجية طاغية حول الحرية وأحبابها إلى فريسة وعبيد … علك توقظين شعوراً ….وتشعلين شمعةً ويلين هذا القلب المتفحم العنيد… فحزن دمشق اليوم ياسيدتي عجيب غريب فريد … واقرعي الأجراس علناً ….وأعيدي حضور الناس …. فصوتك قد يحيي ويعيد … ويبدد كرهاً …ويسترجع فرحاً ….ويستفز ثقافةً ….ويكسر قيداً … فدمشق حزينة متعبة وكئيبة…لا تبكي لا تصمتي لا تجاملي … بل غني واحتجي , فالفن أسمى من أن ينزلق إلى هاوية الموبقات…,وأجمل ما فيه أنه بريء وجريء …اصرخي فصوتك مهما علا فهو العلا وعشق بلادي …واسأليها:
شآمٌ أين أهلوك ؟ شآمٌ أنت العلا …مَلَلْتُ نوم البوادي
واصرخي ! لا تمزقوا علم بلادي…غنَيها , وأخْرسي صياح الأعادي
غني …الآن الآن وليس غداً , الحرية هي الشدو وهي الشادي
الآن الآن وليس غداً ,أجراس النور فالتقرع ,
الآن الآن وليس غداً ,أجراس الحرية فالتقرع …ماعادت بدونها أوهام العودة تنفع!
أغنيةٌٌ تحرسُ قاسيون ,بعد أن جَبِنَ وخرسَ المدفع
أغنية للجولان, في غربته مأسور فمتى يرجع؟!
الوطنية والحرية والتحرير, يا سيدتي بعض ثقافة غابت ,غني علها ترجع؟!
الآن الآن ,غني فيروز …أعطوا دمشق الحرية …سترون كيف عن حقها تذود وتدفع
اقتربي منها , فبُعدك زاد ظلام شآمي … أنت أغنيةً , شعوباً وقلوباً تجمع
وللتحرير بيارقه, قوليها لن يأت مادام جرح دمشق يسيل ويدمع… ومادامت رمزك فداء …وعارف وميشيل وأنور…و …….ودمشق قلبها ووريدها يتقطع..
أغنية تكسر قيد الجلاد وتحمي القلم والإصبع
غنيها , لا سجن لا أسر لا قيد لا مهجع …
دمشق تاريخ ٌ, عيب ٌأن يُفْجعْ !.
غنيها جهراً ” صح النوم يا حكومة “ …
أفيقي فنور بلادي يغفو حيناً ……ودوماً في شآمي يسطع !.
خاص – صفحات سورية –