المنظومة الأمنية السورية تعيد بناء هياكلها
صلاح بدرالدين
أقدمت أوساط النظام الحاكم عبر قنوات اعلامية معينة على تسريب معلومات مفادها ان مرسوما رئاسيا صدر عن الرئيس السوري بشار الأسد بإلغاء ” مكتب الأمن القومي ” واستبداله بمكتب للأمن الوطني وكان قد تناوب على رئاسة وعضوية المكتب– الملغى – احمد دياب وعبدالرؤوف الكسم واللواء هشام اختيار محمد سعيد بخيتان الى جانب فاروق الشرع والعماد حسن توركماني وغيرهم ومن حيث الشكل كان المكتب يتبع القيادة القطرية ويجتمع بشكل دوري ويحمل المرسوم المزعوم حسب نفس المصادر الرقم 36 الذي لم ينشر رسميا وقد نالت التسريبات قدرا من الاهتمام بسبب ما أشيع عن حركة تنقلات واعادة تموضع من أبرزها ترفيع رتبة وموقع صهر رأس النظام المثير للجدل اللواء آصف شوكت في ظل أجواء شهر العسل المخيمة على العلاقات السورية الأمريكية والأوروبية والاسرائيلية ووصلت سعة الخيال بالبعض الى اعتبار – الالغاء – بمثابة أوراق اعتماد مقدمة من القيادة السورية لقبولها في المجتمعين الدولي والعربي سعيا منها للخروج من العزلة الخانقة التي تعيشها ومحاولة في تبرئة ذمتها من قضايا جرمية جنائية حصلت بتغطية مكتب الأمن القومي في الداخل وفي لبنان والعراق في حين ذهبت جهات أخرى مرتبطة بسياسة النظام الى اعتبار ما تم كخطوة في توسيع قاعدة المشاركة في صياغة القرار باتجاه الانفتاح الديموقراطي وسحب المسؤولية الأمنية من أيدي حزب البعث الذي يتفرد بها بحسب الدستور السوري واعتبارها مسؤولية تخضع لقانون سائر موظفي الدولة واراحة المواطنين من صلاحيات وتصرفات الأجهزة الأمنية المتعددة واقتصارها على مرجعية واحدة .
دأبت الأنظمة الشمولية ومنها أنظمة البعث المتعاقبة في سوريا والعراق ماقبل التحرير منذ قيامها على ترسيخ وجودها واستمراريتها استنادا الى قوة الجيش والأمن والعمل من ثم اذا توفر الوقت اللازم على ترسيخ قاعدتها الاقتصادية والاجتماعية بتمهيد السبيل لنمو طبقات وفئات مستغلة جديدة قادمة من الصلب المناطقي – الطائفي للمتنفذين تمثل مصالحها وتحمي سلطتها من أية هبات أو احتجاجات شعبية محتملة لكي تفرز بالنهاية منظومة أمنية – اجتماعية – سياسية متكاملة تمثل أقلية حاكمة متسلطة تستحوذ كل وسائل القوة والترهيب والتجويع في مواجهة الغالبية الساحقة المغلوبة على أمرها .
تجربة حزب البعث الحاكم كشفت الكثير من الحقائق التي أحجبت عن الشعب من خلال الاعلام الرسمي المسير فقد قفزالحزب الى السلطة بالقوة الانقلابية العسكرية المحبوكة خيوطها من خارج الحدود في معظم الحالات وتحت جنح الظلام نتيجة صفقات تآمرية بين عناصر مغامرة من هواة التسلط وليس عن طريق ثورات شعبية جماهيرية مدروسة وقيادات جماعية تحمل برامج الانقاذ والاصلاح أو عبر أقنية شرعية مثل البرلمان والمبدأ الديموقراطي في تداول السلطة وانقلبت على بعضها من أول الطريق وتعاملت مع بعضها بالريبة والحذر وتقصي أخبار البعض عبر التنصت واستقصاء المعلومات وهكذا كانت الطغمة البعثية من الأساس نتاج عقلية أمنية سرية تآمرية وليس محصلة فكر نير بارادة شعبية فرضت سطوتها من خلال عناصر ومراكز قوى كانت خارج الحياة الاجتماعية المنتجة وعلى هامش التاريخ الوطني النضالي كان نموذج الطغمة صدام حسين يفخر بكونه رجل الأمن الأول في حزب البعث انطلاقا من تنفيذه عمليات قتل واغتيال المناوئين لحزبه في حكومة ثورة تموز الجمهورية والشيوعيين والليبراليين والكرد .
بسبب هاجس الخوف من الشعب اخترع البعثييون قبل اغتصاب السلطة طريقة مبتكرة نقلوها من الحزب النازي الألماني وهي تنظيم وتدريب مجموعات تتولى أمن الحزب أو بالأحرى العناصر البارزة في القيادة وكذلك القيام بعمليات اغتيال الخصوم والآخر المختلف وتطورت بعد استلام السلطة في العراق وسوريا الى اسلوب حكم في تجييش وأمننة المجتمع برمته بتكاثر الأجهزة وتجيير النسبة الأكبر من الدخل القومي لميزانيتها لتصل بالنهاية الى حكم المنظومة الأمنية المغلقة التي نحن بصددها الآن .
منذ قيام سلطة البعث أصبح الأمن حاجة أساسية لها ليس لحمايتها من الغزو الخارجي بل لمتطلبات داخلية بحتة مما تم بناء الأجهزة حسب مقاسات محلية تستدعي قمع السوريين وترهيبهم ومواجهة أي صوت معارض تدريبا وتجهيزا وتثقيفا وبما أن حزب البعث بدأ مشواره خارج السلطة وفي قمتها كتنظيم سياسي يدعي تمثيل العمال والفلاحين والكسبة انتهى به الأمر الى الانحدار والتقوقع في العباءة المذهبية ثم العائلية وصولا الى التمركز في شخص القائد الفرد الدكتاتور بالترافق مع مسار متدرج متواز في انتقال المهام الأمنية التي وضعت نظريا لحماية الشعب والوطن نحو الحفاظ على النظام ثم العائلة وأخيرا الدكتاتور الذي يجمع كل صلاحيات النظام والرمز الأوحد لدولة المنظومة الأمنية المستبدة .
حاول الحاكم البعثي تمرير – نكتة – اقامة المؤسسات والمجالس باسم حزب البعث ليخبىء نوازعه الدكتاتورية ويغطي على ممارساته الفردية فأنشأ مكتب الأمن القومي التابع للقيادة القطرية ولم يشعر السورييون ولو لمرة واحدة خلال عقود بدور هذا المكتب وانجازاته في مجال استشراف مستقبل البلاد وأمن شعبها السياسي والاقتصادي والمعيشي والبيئي ولم يكن الا صورة كاريكاتيرية لأحد أبواق الحاكم وقد تداول بعض المطلعين حادثة مثيرة عندما كان أحمد دياب على رأس مكتب الأمن القومي وكلفه الرئيس الراحل حافظ الأسد بترأس لجنة الكسب غير المشروع ومحاربة الفساد وقيل أنه سأل الرئيس عن مدى جدية الموضوع وحدود صلاحياته فتلقى جوابا بالايجاب ثم طرح السؤال الأخير : هل بامكانه البدء بشقيق الرئيس رفعت الأسد ؟ وكان ما كان في عزله وموات لجنته التي لم تر النور وفي ذات السياق تردد أن د عبدالرؤوف الكسم ولدى تبلغه برئاسة المكتب قال : ” شو هالبهدلة ؟ ” .
وما حكاية ما أشيع عن الغاء مكتب الأمن القومي وتحويله الى مكتب الأمن الوطني الا في سياق ترميم بنى وحوامل المنظومة الأمنية واعادة البناء من جديد ففي العقود الأخيرة وعلى سبيل المثال تراكمت تجارب لاتحصى في مسيرة الأداء الأمني لنظام الاستبداد وظهرت أقسام جديدة خاصة في مجال فرق الاغتيالات والعمل المشترك مع حزب الله ومجموعات ارهابية في قوى الاسلام السياسي وملفات مثل اللبناني والعراقي والكردي والخليجي والايراني اضيفت الى ملفات قديمة ومن تحصيل حاصل أن يتم اعادة تنظيم وتفعيل هذا الجانب والمسألة لاتمس تغيير النظام أو تعديل الدستور بل تعزيز أدواته لينطلق أكثر شراسة وقمعا ضد الشعب السوري وحتى لو – مرر – النظام نكتة جديدة على المجتمع الدولي وادارة اوباما او الاتحاد الاوروبي الباحثين عن مصالحهم فان السوريين الذين يعانون الظلم والاضطهاد أدرى بطبيعة نظامهم وأساليبه الملتوية التضليلية .
الحوار المتمدن