“هجمة بيروت”
والآن، ماذا بعد اجتياح بيروت وسقوط الممنوعات والمحرّمات، وبعدما بدأ الجرح العميق يبرد، والى أين هذه البلاد المقوصَّة وهذه القبائل الدائمة التناحر والنزال، منذ كان لبنان ومنذ كان شملها الذي لم يجتمع ولم يلتئم جرحه يوماً.
أَإلى حرب طوائفية مذهبية أهلية جديدة يسوقون هذه القطعان وهذه الخراف؟
الى وساطة عربيَّة تدبّج مبادرة جديدة تنتظرها بدورها الاعتراضات قبل ان ينزل حبرها فوق الورق؟
إلى سلَّة مطالب معدَّلة ومضافة ومزيدة، تشتمل على مزيد من المطالب والمطبَّات؟
أم إلى طائف جديد، مثلاً، تكون الدوحة مضيفته هذه المرة، وتكون المثالثات قوامه وركائزه، فضلاً عن الاملاءات السياسية الأخرى التي توجبها المتغيّرات الطارئة وما قد يستتبعها؟
الناس تسأل، وليس في ذهنها وفكرها أن تسمع جواباً من “حزب الله” والمعارضة، ولا حتى من قيادات 14 آذار. إنما مرادها ان تتلمَّس اذا كان ما حصل ليس الاَّ بداية “خجولة”، وما ظهر في ذلك الليل الطويل ليس اكثر من رأس جبل الثلج، ورأس الشموّط.
“هجمة بيروت” في طبعتها الاولى أنجزت مهمتها العسكريَّة، فماذا عن السياسة والحلول والتسويات المحتملة، بل المنتظرة؟
وماذا عن التعقيدات التي استفاق عليها اللبنانيون وأذهلتهم، وخصوصاً بعد تحوُّل السلاح صوب الداخل، وصوب هيكل الوطن، وهيكل الصيغة وهيكل الميثاق، وهيكل العيش المشترك.
وماذا عن بيت القصيد المقيم في بيت الفراغ الرئاسي وفراغ الحكم بصورة عامة؟
وهل صار في الامكان الدخول في بحث جدّي في رئيس توافقي، أم ان “المستجدّات” ستتدخَّل وتفرض شروطاً ومطالب جديدة؟
ثم يلي السؤال الذي لا بدَّ منه ومن طرحه بصريح العبارة، عندما يبدأ البحث في الأفكار والاقتراحات والمبادرات.
الا ان اللبنانييّن بكل أطيافهم وانتماءاتهم يقولون، قبل بيروت” وبعدها، ان سلاح الحوار لا سلاح الاشارة ولا سلاح الشوارع هو ما يحتاج اليه لبنان في هذه الساعات الحرجة.
الحوار الصريح الذي يغسل القلوب مما تختزنه منذ سنين وسنين، والذي لا يزال يغلي داخل النفوس والصدور… ان لم يكن قد تحوَّل بركاناً لا تدري الاحزاب والقبائل متى يبدأ بقذف حممه.
وفي كل اتجاه.
ما يحتاج اليه لبنان عند هذا المنعطف التاريخي الخطير رجالات وقيادات وزعامات تتقدّم مصلحة الوطن الرسالة عندهم وفي حساباتهم كل ما عداها من مصالح وأسلحة وأهداف.
بل على كل اغراء آخر، ونزوة أخرى، وشهوة أُخرى، وبرنامج آخر، وعلى كل الكراسي والمناصب والمكاسب والمسالب. ومن قمة الهرم نزولاً.
ما يحتاج اليه هذا البلد، المثقل بالهموم والأوزار، والمثخن بطعنات الأقربين والأبعدين، نماذج فذة من أولئك الكبار أصحاب القامات، اولئك الذين كانت الدواهي والأزمات والأخطار تجمعهم لنصرة لبنان، رغم كل ما فرَّق ويفرّق بينهم.
اولئك الذين كانت الأعاصير والحروب تجعلهم يتوحّدون، ويتعالون حتى على الجروح الشخصيَّة، فينخرطون جميعهم في عملية انقاذية لسفينة اذا ما غرقت فلن يطفو واحدمن ركابها فوق الماء.
كل الذرائع وكل الحجج لا تبرِّر هذا التنكيل والاضطهاد.
فماذا تُجدي الوساطات والمبادرات العربيَّة اذا بقي السلاح هو الحَكَم؟
“زيّان“
النهار