تلمّس جدران النفق
حسام عيتاني
حتى الساعة، لم تتمكن المعارضة من إعطاء مضمون سياسي لهجومها على بيروت والجبل: الحكومة لم تستقل. «المطالب» لم تتحقق، فيما الضحايا البشرية بالعشرات والخسائر المادية جسمية.
الانتصار العسكري، اذا صحت هذه التسمية، معرض للتآكل والتجوف ما لم يرافقه انتصار سياسي. السياسة تحتم الحركة، وما لجمود الموقف الراهن سوى مؤدى واحد: انطلاق لعجلة تدور في الاتجاه المعاكس لذلك الذي ترغب المعارضة في دفع الامور اليه. العصيان المدني وبقاء الشلل مهيمنا على الحياة العامة والاستمرار في اغلاق وسائل الاعلام التابعة لمجموعة المستقبل، من الاشارات الممهدة لبدء دوران الآلة المضادة التي لا يمكن الجزم بأنها ستظل محلية فقط. فالصراع الحالي ليس «شأنا داخليا لبنانيا» فحسب. ما جرى في طرابلس وعكار ما هو الا إرهاصـات على هذا الصعيد. المعارضــة كمــا الموالاة تدركان هذه البداهات، او هكذا يفترض، ما يفتح الباب امام تطورات قد لا يكون من حصل في الايام القليلة الماضية سوى مقدماتها.
ومن دون مواربة، سيكـون حزب الله الاكثر عرضة للخسارة، فهو الوحيد من بين قوى المعارضة الذي كان يملك رصيدا جديا، على المستوى السياسي وعلى مستوى التأييد الشعبي العابر للطوائف. اما الاطراف الاخرى المشاركة في هذه الهجمة، فأكثرها ممن لا يود المرء تذكر انجازاته وتاريخه ولا ما يقوم به اليوم في احياء العاصمة.
بهذا المعنى، يتعين توقع قيام حزب الله بالمسارعة الى اطلاق تحركات سياسية وميدانية واسعة لمحاولة جني مكاسب من جهة، وتطويق الخسائر الناجمة عن الجمود من الجهة المقابلة. الزيارات البرتوكولية التي باشرها بعض قياديي الحزب اقل بكثير مما ينبغي فعله. والارجح ان الايام المقبلة ستشهد جهودا لإحياء عظام بعض القيادات السابقة او اختراع اسماء وهيئات من العدم لملء الفراغ السياسي في بيروت. غني عن البيان ان مسعى كهذا قد تكــون له نتائـج عكسية في ظل المزاج المسيطر على العاصمة اليوم.
لكن السؤال الذي يبقــى مطروحا بلا جواب مقنع هو لماذا اقــدم حــزب الله على هذه الفعلة، خصوصا انه نجح في العامين الماضيين في الاستحواذ على تأييد شرائح واسعة من اللبنانيين وحشدهم في صف المعارضة للحكومة، من دون ان يتخلى عن سلاحه؟ تجاهل الأكثرية للمعارضة والقراران الحكوميان الشهيران، عناصر لا تكفي بحال من الاحوال لتبرير ما جرى. فالتداعيات الآتية من الهول بما يتجاوز كثيرا الاسباب المعلنة.
في محاولة الرد على السؤال هذا تبرز ثلاثة تفسيرات. يقول الاول ان الحزب ينتظر حربا اقليمية عليه وانه لا يستطيع تحمل وجود الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السنيورة كممثلة للبنان في أي مفاوضات اثناء الحرب او بعدها.
يتلخص التفسير الثاني في ان الحزب يسعى الى استباق انتخاب رئيس جديد للجمهورية برسم حدود الصلاحيات الفعلية للرئيس العتيد وإفهامه الأطر التي لا يحق له تجاوزها. اما التفسير الثالث فيتناول الانتخابات النيابية المقبلة وأهمية الإتيان بمجلس ملائم لمشروع حزب الله وتطلعاته.
تنطوي التفســيرات الثــلاثة على قدر من العنف والقسر. والأمل بخطأ ما ورد اعلاه يتراجع امام الغموض الذي يكتنف نوايا القوى المعارضة وافتقار خطابها الى القدرة على الاقناع وامتناعه على التفسيرات، البســيط منهـا والاقل بساطة.