لبنان: تغيير قواعد الاشتباك؟
موفق نيربية
هل لاحظ السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحفي الخميس الماضي كيف كان صوت الصحافيين متهدّجاً في أسئلتهم له؟ هل نجم ذلك عن الخوف والقلق، أم الإعجاب والاحترام والتقدير؟ أم هو مجرّد نتيجة لمواجهة شخص مهيب من خلال شاشة كبيرة مع ما يحمله ذلك من تغريب وغموض؟
قال الأمين العام لـ«»حزب الله»» إن مسألة الفتنة السنية الشيعية لا تقلقه، ونحن قلقون. وإن هذه «ليست دولة، بل عصابة»، وكان ينبغي أن يقول «حكومة» مثلاً، حتى لا يعزّز الأقوال بأنه يستهدف الدولة. وأن قرارات الحكومة اللبنانية «إعلان حرب»، و«»حزب الله»» في حالة دفاع عن النفس. ثمّ قال إنه لم يتراجع عن وعده بأن سلاح المقاومة لن يُستخدم في الداخل، لكنه سيستخدم للدفاع عن سلاح المقاومة، وألمح أو أوضح أن قرارات الحكومة هي بمنزلة اعتداء خارجي، مما يستتبع أن الردّ هو مجرد مقاومة للولايات المتحدة وإسرائيل.
قال أيضاً إنه لا يشترط إلاّ «التراجع عن القرارات، وقبول دعوة الحوار». رغم ذلك، لبنان أقرب بخطوة -أو قفزة- إلى الحرب الأهلية. حرب تحمل معالم الاستقطاب السني الشيعي هذه المرة. والحرب الأهلية تقترن بالتدويل حكماً.
كان واضحاً أن «حزب الله» لن يستطيع امتصاص صدمة قرارات الحكومة اللبنانية قبل ذلك بيومين، حول الكاميرات المنصوبة في المطار، وإقالة رئيس أمنه، وشبكة الاتصّالات الخاصة الواسعة. وقد شكّلت تلك القرارات بالمنطق الميكانيكي المباشر تحديّاً لـ«حزب الله»، لا يستطيع تمريره سياسياً. وهو لا يستطيع تمريره عسكرياً، من منظور كونه تنظيماً مسلحاً ومدنياً في الوقت نفسه. والقرارات الحكومية تتحدى هيمنته المسلحة بين الجهات السياسية المتعارضة في لبنان. ما لم يكن معروفاً؛ واستمرّ كذلك؛ هو حجم وطريقة مواجهة تلك القرارات. ولعلّ فشل إدغام التحرك الاحتجاجي الأقرب إلى العنف بالإضراب العمالي من أجل قضايا الأجور والأسعار، ساعد على بقاء المجموعات المسلحة والحرائق والحواجز وحدها ضمن كادر الصورة للناظر من الخارج.
ليس معروفاً، من جهة أخرى، سبب توقيت القرارات الحكومية، وتغيّر موقف جنبلاط الحادّ من الحماسة للتسوية والتهدئة والضغط باتجاهها حتى على حلفائه، إلى إثارة المسألة الأمنية بحدة والضغط على الحلفاء لاتّخاذ موقف حاسم منها. مسألة شبكة الاتصالات معلومة من قبل مثلاً. فهل جاءت معلومات مفاجئة حول الكاميرات والتخوف من أخطارها الأمنية؟ أم هو اليأس من المراوحة في المكان، وانهيار الصبر على استهلاك الزمن؟ أم المعادلات المتداخلة لبنانياً وإقليمياً ودولياً؟
ليس هنالك إلا طريقتان للخروج من المأزق: كسر العظم والتوازن الخطير على حافة الانفجار، أو التسوية السياسية.
من ناحية أخرى، ليس معروفاً مقدار ما يحمله الوضع اللبناني الناشئ من تأثير الرياح الإقليمية من تراجع الأجواء الحربية بين سورية وإسرائيل لمصلحة مفاوضات متدرّجة تبدو واثقة الخطى على الإيقاع التركي، وتقدّم أجواء التسوية ما بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية مع تعثّر اتّجاهات التهدئة في جبهة غزة حتى الآن، إلى ما يمكن أن تحمله جعبة الإدارة الأميركية الحالية من ميول نزقة في أشهرها الأخيرة، والقلقة على سمعتها وقائمة إنجازاتها، الواقعة تحت تأثير أجواء الانتخابات الرئاسية.
رغم ذلك، يبدو أن هنالك حاجة متفاقمة إلى تغييرات في المعادلة، قادت إليها عمليات الرفض والتعطيل المستمرة من قبل المعارضة اللبنانية، والتصعيد الكبير الأخير الذي أعطت إشارته قرارات الحكومة الانعطافية المضمون، والمرجل المغلق الذي يغلي على وقع الهجوم الميداني الذي شرع به «حزب الله»، على شكل «حرب عصابات وشوارع»، تهدف إلى السيطرة على بيروت- لأن كلمة الاحتلال مكروهة- حتى كتابة هذه المقالة.
هذا يقود إلى اللعب الشديد الخطورة على حافة الهاوية، وقد تنفلت خيوطها من الأيدي المتوتّرة، ما لم تصبح أداة لتنشيط عملية الحل، التي كنا نرى عن بعد أنها سهلة بمقدار صعوبتها.
وأضاف مجيء بيرلسكوني وزناً إلى الاتجاهات المتطرفة دولياً بما يخص لبنان حين أشار إلى أنه يدعم تغييراً لقواعد الاشتباك للقوات الدولية في جنوب لبنان. ما يحدث بالفعل هو تغيير لقواعد الاشتباك… داخلياً.
كنا نحلم وننتظر أن يقول السيد حسن نصرالله إنه يشترط التراجع عن القرارات الحكومية وإحالتها إلى طاولة الحوار، وأن يعرض الانتهاء من مسألة انتخاب رئيس الجمهورية وإخلاء وسط بيروت… ولعلّها أضغاث أحلام! أو لعلّها كابوس نسمع فيه كلمات «تحرير بيروت» أو «سقوطها» أو «حسم» الأوضاع فيها.
كان الشبّان المسلّحون الذين أقاموا حاجزاً في كورنيش المزرعة يحملون مرايا تعكس ضوء الشمس، وتتوجّه بكفاءة عالية نحو كاميرات الصحافيين وأعينهم، لتبهرهم وتمنعهم من التصوير… والرؤية.
* كاتب سوري