صفحات سوريةما يحدث في لبنانهوشنك بروكا

عاشت سوريا “الضرورة”..يسقط لبنان!

null
هوشنك بروكا

نهاية الإسبوع الأحد، كان يوم الطلاق(ربما البائن) الأكيد لزعيم الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط من تحالف الأكثرية النيابية، الذي كان يشكل فيه العصب الأساس، والرقم الأصعب في معادلاته.
فهو لم يكن مجرد رقمٍ عادي في ذاك التحالف الذي وصفه بعد طلاقه منه ب”التحالف الضرورة”، وإنما كان رقماً مضعّفاً وكثيراً، الأمر الذي دفع بواحدٍ من كبار أقطاب المعارضة اللبنانية، رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى وصفه بين تيار الأكثرية، بأنه “يساوي 10 فيما الباقون هم 4”.

ففي الوقت الذي لم يكن مستغرباً أبداً، حسب قراءتي، لسيرة لبنان في جنبلاط، وسيرة هذا الأخير في لبنان، أن ينقلب الرجل على حلفائه الآذاريين من معسكر 14 آذار، ويقلب الطاولة(كعادته في قلب الأوراق والطاولات) بالتالي عليهم، فإنه في الوقت نفسه، كان من المتوقع أيضاً، أن ينقسم لبنان في العرب، والعرب في لبنان، حول “طلاقه البائن” من فريقه هذا، إلى “لبنانَين في عرَبين”، و”عرَبين في لبنانَين”.

فهذا هو لبنان، منذ أن عرفناه دولةً وطائفة: دولة في طائفة، وطائفة في دولة.
وهذا هو جنبلاط، منذ أن أصبح هذا الأخير زعيماً لحزبٍ هو طائفته، وزعيماً لطائفةٍ هي دولته.

فالمتتبع لسيرة الرجل، وتقلباته وقفزاته وشقلباته السياسية الكثيرة، على طول وعرض تاريخ “لبنان الطائفة”، القريب، الذي كان ولا يزال تاريخاً لحروب ونزاعات وخلافات “ملوك الطوائف”، بإمتياز، سيعرف أن الرجل لا زال هو هو.
فهو يدور من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى اليسار، ومن أقصاهما إلى الوسط، ولكنه يبقى في كل هذه “التحوّلات” و”الدورانات” هو هو؛ “وليد بك”، الزعيم الدرزي، الذي لا يضيع بوصلته التي هي طائفته، كحال الكثيرين من أفرقائه اللبنانيين، الذين تعلو الطائفة في منطق سياستهم ولا يُعلى عليها.

هذا هو وليد جنبلاط، الذي عرف كيف يكون لبنانه في طائفته، وكيف يكون طائفته في لبنانه. فهو، بطلاقه من “ثورة الأرز” أمس، لا حاد عن “درزيته”، ك”زعيم طائفة” خبر لبنان “دولة وطائفة”، ولا حاد عن “اشتراكيته وتقدميته”، على طريقته الجنبلاطية الخاصة به، المتقلبة، بحسب الرياح السياسية التي تهب على لبنان، سواء من دمشق وأخواتها العربيات الأخريات، أو من باريس وواشنطن وأخواتهن الشقراوات الغربيات.
ف”جبل” جنبلاط، لا يستكين ل”ريحٍ”، حيث لكل ريحٍ تقام، لديه سياسة وموال ومقام.

جنبلاط، الذي خبر لبنان وطوائفه، والمعروف بحدسه وذكائه السياسيّين، وبدورانه الممكن دائماً، من اليمين إلى اليسار، أو بالعكس، فعل ما يمكن أن يفعله أيّ سياسي براغماتي، يقرأ في الواقع لا في كفه.
فهو، أراد بهذا “الطلاق الإستباق”، أن يركب السياسة قبل أن تركب هي عليه أو ترتكبه، وأن يمشي عليها قبل أن تمشي هي وديناصوراتها عليه.
فهو، ليس “أطرش لبنان” في “الزفة السورية”، كما قد يُتصور، وإنما قرأ “الإنفتاحات” الإقليمية، العربية والدولية على سوريا، جيداً، بدءاً من أميركا، مروراُ بأوروبا ووصولاً إلى السعودية.
كل ذلك وربما أشياء أخرى غير مكشوفة، دفعته إلى هذا “الطلاق الإستباق”، ليضرب ضربته(ضربة معلم دون أدنى شك) ويمشي، وليصبح(وهو الزعيم لأصغر الطوائف اللبنانية الرئيسية) “اللاعب الجوكر” الذي يحتاجه الكل، وبإستطاعته قلب موازين اللعبة، بين فريقي الموالاة والمعارضة.

جنبلاط أعلن طلاقه من “تحالف ثوار الأرز” وقال كلمته فيه ومشى، ليس لأن “التحالف الضرورة، قد انتهى صلاحيته” كما قال فحسب، وإنما أيضاً، لأنه تحالفٌ حُكِم عليه بالموت، من دمشق وحواليها، وأُطلِق عليه “طلقة الرحمة” في لبنان نفسه، منذ الأول من تنازل الحريري الإبن عن “لبنان أولاً” لصالح “سوريا أولاً”، ومنذ تسريب الأول من أخبار طيرانه إلى حضن “الإستعمار”؛ تلك الأخبار التي باتت في حكم المؤكد، والتي تقول بأنه سيركض في أقرب “فرصة لبنانية” قادمة إلى دمشق، للقاء “قتلة لبنان” كما كان يسميهم، لتعود “سوريا حليمة” في لبنان، إلى عادتها القديمة،..و”عفى الله عما مضى”!

لماذا كل هذا الضجيج الإعلامي، إذن، حول جنبلاط و”انقلابه” دون سواه، علماً أنّ الأول من الإنقلاب على “لبنان أولاً” وعلى “ثورة أرزه”، قد سبق “طلاق جنبلاط”، وبدأ الإعداد له منذ أشهر، في مطابخ وكواليس دمشق وأخواتها؟

لماذا كل الأصابع العربية “المعتدلة”، تتهم جنبلاط، بإعتباره “زعيماً طائفياً”، “خان” ثورة الأرز التي استفاقت على دم الحريري في لبنان، ودم لبنان في الحريري، سنة 2005، طالما أن “حريري لبنان” أو “لبنان الحريري”، بات بحكم “انقلابات سرية” سابقة غير معلنة، قاب قوسين أو أدنى من السقوط الوشيك في الفخ السوري المحتّم؟

ماذا كان من الممكن أن يفعل جنبلاط مثلاً في “تحالف 14 آذار”، الذي قام بالأساس لأجل “لبنان الحريري أولاً”، والحريري الإبن، سيطير “بلبنانه الحر والمستقل” هذا، الذي طالما عوّل عليه، ليضعه ك”لبنان تجت الطلب”، مع باقة ورد مخضبة بدماء كل شهداء ثورته التي من الأرز، على طاولة “قتلة دم الحريري” أنفسهم، كما كان زعماء الأكثرية(أولهم سعد الحريري) يرددون “اسطوانتهم المشروخة”، على أسماعنا ليل نهار، وصبح مساء؟

ماذا تبقّى من “تحالف ثورة الأرز”،طالما أنّ “الإستعمار السوري”، حسب توصيفات زعماء 14 آذار ما عاد استعماراً، والنظام السوري ما عاد “قاتلاً للحريري”، وسوريا التي طالما وصفها معسكر الأكثرية، ب”التي تقتل لبنان وتمشي في جنازته”، ما عادت كذلك؟

صحيحٌ أنّ جنبلاط انقلب على معسكر 14 آذار، وقلّب الطاولة على زعمائه، الذين رفعوا شعار “لبنان أولاً”، ولكن الصحيح أيضاً، هو أن انقلابه هذا، الذي سمي ب”الزلازال”، ليس “إنقلاباً سبباً”، بقدر ما هو “الإنقلاب النتيجة”.

جنبلاط لم ينهي تحالف 14 آذار بنفسه، بقدر ما أنه أعلن عن نهايته.
هو، لم يقتل “شرعية” الأكثرية، بقدر ما أنه أعلن عن شهادة وفاتها، التي سقطت صريعةً تحت طاولات مساومات إقليمية ودولية، يعرفها جنبلاط جيداً، خصوصاً بعد “إنتفاء الإشتباك السعودي السوري”، على حد قوله.

جنبلاط، لم يقضِ بموت ثورة الأرز، بقدر ما أنه كشفَ وأعلنَ عن موتها، الذي بات بحكم المؤكد، أو شبيهه، بعد أن لقيت حتفها منذ أشهرٍ في مزرعة دمشق.

هو لم يمارس فعل القتل على تحالفٍ كان يشكل فيه الدور الرئيس، وإنما قام بفعل “الدليل” الذي دلّنا إلى جثته الضائعة بين دمشق وبيروت وأخواتهن.

ما فعله جنبلاط، هو أنه أخرج موت 14 آذار من السر إلى العلن، ومن الظل إلى النور.
فهو لم يقتل حركة 14 آذار بنفسه، كما يُقال أو يُشاع هنا وهناك، وإنما أعلن عن “قتلها الضروري”، الذي أرادت لها “دمشق الضرورة” وأخواتها أن تكون.

ربما لهذا، ولأشياء أخرى كثيرة لم تكشف بعد، أراد جنبلاط أن يقفز إلى “سوريا الضرورة” من الشباك قبل أن يقفز إليها الحريري من الباب.

في الحالتين، وفي القفزتين، سيكون “لبنان أولاً” هو الخاسر لحساب “سوريا أولاً وآخراً”.
في الحالتين، سيكون “لبنان الحريري والأرز” هو الضحية المقدمة سلفاً على “مذبح السياسة” في دمشق “عرين الأسد”.
وفي القفزتين، سيموت “لبنان المستقل” في دم الحريري، مرتين:
مرةً بالقرب من شبّاك سوريا، جنبلاطياً، وآخرى على بابها، حريرياً.

عاشت سوريا الإستعمار الضرورة!
يسقط لبنان الضحية الضرورة!
عاش “ملوك الطوائف”!
يسقط لبنان!

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى