مفاجأة غير سارة
رنده حيدر
اذا ما صدقنا ادعاء المعارضة اللبنانية بأن الإشتباكات العسكرية التي شهدتها احياء بيروت وبعض أنحاء الجبل والشوف هي جزء من الحرب على المشروع الأميركي في لبنان، وليس الإرهاصات الأكيدة والبغيضة للحرب المذهبية التي شعر بها كل المدنيين اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم ضحية هذه الاشتباكات؛ يصبح المطلوب الوقوف على الانجازات التي حققتها القوى المسلحة على هذا الصعيد.
الأكيد ان المشهد اللبناني الداخلي سيشكل مفاجأة غير سارة للرئيس الأميركي جورج بوش الذي وصل صباح أمس الى اسرائيل. فالديموقراطية اللبنانية الطرية التي لطالما اعرب بوش عن دعمه لها واعجابه بها تعرضت في الأيام القليلة الماضية الى ضربة قاسية. والحكومة اللبنانية الممثلة لـ”ثورة الأرز” التي نالت أكبر دعم وتأييد من الادارة الأميركية الحالية تمر بأصعب أوقاتها منذ اعتصام قوى المعارضة في كانون الأول 2006. و “محور الشر” المؤلف من ايران وسوريا و”حماس” و”حزب الله” الذي أعلن عليه جورج بوش الحرب ما زال يسجل منذ سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزة وخروج “حزب الله” متفوقاً على الجيش الاسرائيلي في حرب تموز على لبنان الانتصارات تلو الأخرى على محور الدول العربية المعتدلة.
ولكن المفارقة الكبيرة ان ما يمكن ان يعتبر خسارة للإدارة الأميركية الحالية ليس بالضرورة خسارة بالنسبة لحليفتها في المنطقة اسرائيل التي تراقب ما يجري في لبنان بقلق مستنتجة الدروس والعبر التي يمكن تلخيصها كالآتي:
رغم كل أوجه الشبه بين ما يجري في لبنان وما يجري في غزة من سيطرة تنظيم اسلامي أصولي معاد لإسرائيل على الحكم بالقوة، فحالة غزة لا تشبه حالة “حزب الله” في لبنان. ففي غزة تتحرك”حماس” ضمن قاعدة شعبية مؤيدة لها بالكامل في الوقت الذي مهما بلغت سيطرة “حزب الله” على الحياة السياسية في لبنان فإنه لن يستطع تجاهل العداء الكبير الذي خلفته أحداث الأيام الماضية لدى غالبية كبيرة من الطائفتين السنية والدرزية في آن واحد واللتين كانت احياؤهما وبلداتهما مسرحاً للإشتباكات الدامية، الأمر الذي يبقي شبح الحرب الأهلية سيفاً مصلتاً ومهدداً لسيطرة الحزب على الحياة السياسية في لبنان.
رأت اسرائيل أن سلوك الجيش اللبناني في الأيام الأخيرة أزال الفوارق بينه وبين “حزب الله” الأمر الذي سيدفعها وفق ما قاله عدد من المعلقين الى اعادة النظر في دور هذا الجيش في تطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان بعدما بات واضحاً انه سيقف مع الحزب في اي مواجهة جديدة مع اسرائيل. فاذا ما أضفنا الى ذلك تذمر اسرائيل وشكواها من تلكؤ القوات الدولية في وقف عودة عناصر “حزب الله” الى جنوب الليطاني و عجزها عن وقف تسلل السلاح الى المنطقة؛ فإن ذهاب الحكومة اللبنانية الضامنة لتطبيق القرار المذكور قد يفتح الباب أمام تطورات جديدة من شأنها تغيير الواقع القائم حالياً جنوب الليطاني لغير المصلحة اللبنانية.
دفعت التطورات الأخيرة في لبنان إسرائيل الى البحث في مسؤوليتها عما يحدث في ظل ما أسفرت عنه حرب تموز عام 2006 التي اعتبرها الحزب انتصاراً كبيراً له سارع الى توظيفه على الصعيد الداخلي اللبناني. صحيح أن تعاظم قوة الحزب يعود في جزء منه الى الصعود الكبير في النفوذ الإيراني في المنطقة في ظل الفشل الأميركي الذريع في العراق، ولكن لعبت نتائج حرب تموز دوراً مهماً أيضاً في الصعود الكبير لنفوذ الحزب داخل لبنان وفي المنطقة. وكل هذه الأمور ستكون موضع بحث واعادة نظر في الاجتماعات التي سيعقدها الرئيس الأميركي جورج بوش مع المسؤولين الإسرائيليين.
ما يحدث في لبنان كان له انعكاسه المباشر على معاودة المفاوضات بين سوريا واسرائيل وفاقم من الاختلاف في وجهات النظر بين من يعتبر عودة الحوار مع سور يا مصلحة اسرائيلية ومن يشكك في ذلك. وفي مطلق الأحوال فمصير الصراع مع اسرائيل يحدده مصير المفاوضات بين سوريا واسرائيل أكثر من هزيمة حكومة السنيورة في بيروت.