الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

احتمالات العلاقات الأميركية – الإيرانية والخرائط الجديدة للتحالفات الإقليمية

د. محمد السعيد إدريس
إلى أين تتجه العلاقات الأميركية – الإيرانية؟ سؤال فرض نفسه على دول المنطقة، إثر ما أعلن من تطورات بدت إيجابية من منظور الطرفين الأميركي والإيراني في محادثات جنيف التي جرت بين إيران ومجموعة دول «5+1» (دول مجلس الأمن الخمس الدائمة العضوية وألمانيا)، وفي أعقاب الزيارة التي قام بها إلى طهران الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وصرح خلالها بأنه «ليس هناك دليل ملموس على سعي إيران لتصنيع أسلحة نووية»، وأن علاقات إيران مع الغرب «تتحرك من التآمر إلى التعاون»، وأن النزاع النووي «يمكن حله عبر الدبلوماسية».
قد تكون الإجابة الأولية لهذا السؤال هي ما جاء على لسان الدكتور البرادعي بأن العلاقات الإيرانية – الأميركية تتجه من التآمر إلى التعاون، لكن فرص العودة إلى سياسة التآمر لازالت ممكنة في ظل تطورات تحدث على الجانب الآخر الأميركي- الإسرائيلي من شأنها أن تحتوي فرص التعاون المحتمل بين طهران وواشنطن وتستعيد أجواء الصراع مجدداً.
فالضغوط الإسرائيلية المكثفة على الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته، وهي الضغوط التي تدعمت بضغوط أخرى من المنظمات الصهيونية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، ومن أعضاء بارزين في الكونغرس لإفشال فرص الحوار الأميركي – الإيراني نجحت في أن تفرض على الرئيس الأميركي أن يتجه إلى التشدد مع إيران، وبخاصة بعد الكشف عن إقامة إيران منشأة نووية جديدة بالقرب من مدينة «قم» المقدسة، ويعلن للمرة الأولى عدم استبعاد الخيار العسكري من بين الخيارات المطروحة للتعامل مع إيران في حالة فشل الحوار معها، وتعود وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إلى اتباع الأسلوب الأميركي التقليدي للتعامل مع خصوم واشنطن وتعنى به أسلوب «إما.. أو»، أي «إما» أن تستجيب إيران لمطالب ما تصفه الوزيرة كلينتون بـ «المجتمع الدولي» «أو» تتعرض للعقوبات، ملوحة «بسلاح الوقت» والتأكيد على أن الحوار مع طهران لن يبقى مفتوحاً إلى الأبد، ولكن سيكون مشروطاً ومحدداً بوقت محدد، ينتقل بعدها «المجتمع الدولي» إلى تقرير ما يراه من «عقوبات» لازمة ضد إيران في حالة الإعلان عن فشل الحوار، ولعل هذا ما دفع بالوزيرة كلينتون إلى الذهاب إلى موسكو لإقناع الحكومة الروسية بقبول سياسة تشديد العقوبات ضد إيران في حالة فشل الحوار معها، في خطوة استباقية للضغط على المفاوضين الإيرانيين.
لكن التطور الأهم في هذا الاتجاه (الانحياز الأميركي للموقف الإسرائيلى) كشفته صحيفة «واشنطن تايمز» بإعلانها أن الرئيس الأميركي باراك أوباما جدد، خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن (مايو الماضي) تعهداً سرياً أميركياً لإسرائيل بتغطية برنامجها النووي وحمايته من التفتيش الدولي، وهو التعهد الذي قدمه الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون لرئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير عام 1969 وهذاالأمر ألمح إليه نتنياهو لاحقاً في تصريحات للتفزيون الإسرائيلي.
انحياز أميركي للخيارات الإسرائيلية
الانحياز الأميركي للموقف الإسرائيلي من إيران، وهو الموقف الذي يرمي إلى استئصال الخطر النووي الإيراني نهائياً، أياً كانت الوسائل دبلوماسية أم عقوبات أم الحرب، لم يتوقف عند حدود تجديد التعهد بحماية القدرات النووية الإسرائيلية، بما يحول دون فرض أى ضغوط على إسرائيل لإجبارها على التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وفتح منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنه امتد أيضاً إلى زيادة التنسيق في قضية الأمن النووي على النحو الذى كشفه المحلل الاستراتيجي لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يوسي ميلمان الذي أعلن أن اتفاقاً بهذا الخصوص جرى التوقيع عليه، وأنه سيطور وسيوسع الاتفاقيات السابقة بين الدولتين التي وقعت في العقدين الماضيين، حيث سيتيح للوكالة النووية الإسرائيلية الاطلاع على معظم المعلومات والترتيبات والتكنولوجيا الأكثر تطوراً في الولايات المتحدة في مجال الحفاظ على الأسلحة النووية.
أهمية هذا الاتفاق تتضاعف في ظل التعاون الأميركي – الإسرائيلى في مجال الدفاع الجوي الذي يجعل الدفاع الجوي عن إسرائيل ضمن مسؤوليات الدفاع الجوى الأميركية، وهي المهمة التي سوف تتطور أكثر في حالة نقل الدرع الصاروخية الأميركية التي كان من المفترض إقامتها في تشيكيا وبولندا إلى إسرائيل وشرق البحر المتوسط، الأمر الذي يوفر الحماية الكاملة لإسرائيل من أية عملية رد صاروخية إيرانية في حالة قيام إسرائيل بشن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية.
هذه التطورات أربكت قدرة دول المنطقة على تقديم إجابة واضحة وصريحة لسؤال إلى أين تتجه العلاقات الأميركية – الإيرانية، لكن هذه الدول أدركت أن الدعم الأميركي للقدرات النووية الإسرائيلية وحمايتها يجيء في الاتجاه العكسي لرغبتها وحرصها على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، وأن إسرائيل ستبقى قوة نووية رغم أنف هذه الدول وتحت الحماية والرعاية الأميركية المباشرة في الوقت الذي تسعى فيه كل من إسرائيل وواشنطن لمنع إيران من امتلاك برنامج نووي سلمي لم تثبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولم تقدم أي دليل على أنه برنامج نووي عسكري حتى الآن.
وزاد حرج هذه الدول في علاقاتها مع الولايات المتحدة بعدما حالت الولايات المتحدة دون مناقشة مجلس الأمن لتقرير القاضي الدولي ريتشارد غولدستون بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة بطلب من المندوب الليبي، وبعد أن رفضت طلب السلطة الفلسطينية التدخل لدى إسرائيل لوقف الاستفزازات ومحاولة البناء غير الشرعي في القدس الشرقية ومحيط الحرم القدسي الشريف، في وقت تضاعفت فيه اقتحامات قوات الأمن الإسرائيلية للحرم القدسي والاعتداء على المصلين، وتمكين المتطرفين اليهود من الدخول إلى المسجد والصلاة فيه توطئة لتقسيمه ثم تهويده على نحو ما جرى للحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الذى جرى تهويد أكثر من 90 % من مساحته ولم يترك للمسلمين غير أقل من 10 % من مساحة المسجد.
وإذا كانت هذه السياسات الأميركية المنحازة لإسرائيل تتعارض مع مصالح دول المنطقة (الدول العربية وتركيا) فإن محاولات التقارب الأميركية من إيران فاقمت هي الأخرى من إدراك هذه الدول لخطر هذه السياسة المنحازة، وهو التعاون الذي سيقرره ما سوف تتوصل إليه الدولتان من إطار حاكم له، هل سيكون خاضعاً للسياسة الإيرانية الحريصة على الربط بين الملفات أى الملف النووي والملفات الإقليمية (العراق، أفغانستان، الخليج، فلسطين، لبنان) أم سيكون خاضعاً للسياسة الأميركية الحريصة على تفكيك أي ربط بين الملفات والحصول على الدعم الإيراني للسياسات الأميركية في العراق وأفغانستان دون أن يستتبع ذلك تنازلات أميركية لإيران في ملفها النووي.
حاجة أميركية لإيران
فإيران التي تدرك أنها باتت أقرب إلى أن تكون «المنقذ» للسياسة الأميركية المرتبكة في العراق (حسابات ما بعد الانسحاب العسكري) وفي أفغانستان التي أضحت أقرب إلى الفشل منها إلى الانتصار، تريد أن تحصل على تنازلات أميركية في ملفها النووي مقابل تقديم المساعدات المطلوبة للأميركيين في الملفات الإقليمية المعقدة.
تأكيدات الرئيس العراقي جلال طالباني في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بأنه «لا يرى مواجهة سياسية بين واشنطن وطهران في العراق، بل توافقاً غير معلن على ضرورة تثبيت الوضع العراقي وتطويره وليس تغييره»، ثم تأكيده أن العراق لن يسمح لإسرائيل، أو أي دولة باستخدام مجاله الجوي لتنفيذ هجمات ضد المنشآت النووية الإيرانية، ورفضه سياسة العقوبات ضد إيران، ثم دعوة إياد السامرائي رئيس البرلمان العراقي من طهران إلى إقامة مشروع للتعاون الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والأمني بين دول المنطقة، وتحبيذ علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) لهذه الفكرة، كل ذلك يمثل تطورات تؤكد أولاً أن هناك فرصاً لتفاهمات أميركية – إيرانية في ملفات إقليمية مهمة، كما تكشف ثانياً حرصاً عراقياً على العلاقات الخاصة مع إيران.
وهكذا لم يعد السؤال المهم ما إذا كانت العلاقات الأميركية – الإيرانية تتجه إلى التعاون أم إلى الصراع، بل ما هو تأثير هذه العلاقات على مصالح دول المنطقة؟.
السؤال اكتسب أهميته في ظل تطورين مهمين: أولهما، قرار تركيا بإلغاء مشاركة إسرائيل في مناورة عسكرية مهمة تجريها القوات التركية، وإعلان وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أن هذه الخطوة جاءت رداً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وثانيهما، وصول علاقات الشراكة الإستراتيجية بين تركيا وسورية إلى مستوى له أهميته الإقليمية بعد قرار إلغاء تأشيرة دخول المواطنين بين البلدين.
تطور الدور الإقليمي لتركيا وتمايزه، وضع الدول العربية أمام خريطة مرتبكة لتوازن القوى الإقليمي تتنافس فيها الأدوار الإيرانية والإسرائيلية والتركية على مساحة جغرافية هي الوطن العربي دون أدوار عربية بارزة قادرة على فرض حضور عربي حقيقي قادر على موازنة أدوار تلك القوى الإقليمية، ودون قدرات عربية في إمكانها المحافظة على المصالح العربية، في وقت تزداد فيه العلاقات العربية تعقداً مع السياسات الأميركية في المنطقة، وتتفاقم فيه التهديدات والتجاوزات الإسرائيلية سواء على صعيد القدرات النووية الإسرائيلية أو على صعيد القضية الفلسطينية التي أربكت خيارات دول الاعتدال العربية التي عملت إسرائيل على أن تخلق معها علاقة شراكة استراتيجية لمواجهة ما تسميه بـ «الخطر الإيراني».
ربما يمكن أن تكون السياسة السورية استثناءً، ولو جزئياً، من هذا الارتباك في ظل علاقات سورية المميزة مع إيران وتركيا، ولعل هذا ما حفز التقارب السعودي مع سورية الذي تدعم بزيارة الرئيس السوري للمملكة، ثم زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لدمشق، وهي الزيارة التي اعتبرها البعض بداية لمراجعة دول الاعتدال العربية لتفاعلاتها الإقليمية تحسباً لما يمكن أن يحدث من تطورات جديدة خصوصاً بين الولايات المتحدة وإيران، سلماً أو حرباً، يمكن أن تقلب موازين القوى الإقليمية رأساً على عقب.

كاتب من مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى