فصل جديد
ساطع نور الدين
الاجماع الوطني، الوحيد ربما ، الذي تم التوصل اليه في اعقاب انتهاء الحملة الامنية لحزب الله والمعارضة على العاصمة بيروت، هو انها كانت مجرد جولة اولى فقط من حرب اهلية جديدة قد تستغرق اكثر من الاعوام الخمسة عشر التي استغرقتها الحرب الاهلية الاخيرة، وقد لا تنتهي بالضرورة الى خسارة الفريق الذي هزم في معركة الاسبوع الماضي، لانه لم يكن مسلحا بما فيه الكفاية، او مستعدا بما تقتضيه ظروف الصراع الداخلي الحاد.
وهو اجماع مبني على الحس الشعبي العفوي والبسيط الذي لم يخطئ يوما، والذي يشعر او ربما يأمل بان تكون آخر الحروب الاهلية المتلاحقة التي شهدها هذا الوطن الصغير طوال القرنين الماضيين.. بعدها سينضج اللبنانيون، او من سيبقى منهم، ويقررون بالفعل لا بالقول تشكيل مجتمع موحد ودولة عصرية، وبلد هادئ، حتى ولو كان محيطه مشتعلا او حتى مضطربا.
الاسئلة عن موعد الجولة المقبلة تسابق الاسئلة عن التسوية المؤقتة التي يمكن ان يتوصل اليها الوفد العربي، الذي اعاد الى اذهان اللبنانيين صور لجان الوساطة العربية تتنقل بين امراء الحرب الاهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وتتعثر بالمطالب والاتهامات، والخروقات المتكررة لوقف اطلاق النار، من قبل العناصر غير المنضبطة، التي تبين في ما بعد انها كانت الاكثر انضباطا وتنظيما، والاشد تأثيرا في التوصل الى اتفاقات الهدنة، وآخرها اتفاق الطائف الشهير.
الاجوبة لا تحتاج الى شرح وتفصيل: في الداخل شرخ عميق لا يمكن رأبه بعد الان الا بقوة السلاح، وفي الخارج هوة سحيقة لا يمكن ردمها الا بالحسم العسكري او بالتغيير السياسي الجذري. والانفجار المدوي الذي حصل في بيروت الاسبوع الماضي لم يكن سوى محصلة طبيعية لانسداد الافق السلمي بين اللبنانيين، ولاقفال الابواب امام الحوارات والمصالحات العربية العربية، وللمأزق الذي وصلته مختلف ازمات الاقليم من ايران الى مصر مرورا بالعراق وفلسطين.
لم يكن صدفة ان يقع الاختيار على لبنان لكي يكون المتنفس، لان اللبنانيين هم اشد اهل الاقليم تعلقا بالاوهام، سواء تلك المتصلة بقوة المجتمع الدولي ونفوذه وتأثيره، واكتراثه بلبنان، او تلك المستندة الى فكرة المقاومة.. بعدما ألقت فلسطين سلاحها او حرفته عن هدفه، وبعدما اسلم العراق وحدته وهويته الوطنية، وبعدما قررت ايران ان تهادن وتساوم على طموحاتها، وبعدما ألحت سوريا في التعبير عن رغبتها في ان تصالح.
كان الانفجار اللبناني حتميا، كما في العام 1975 عندما اجتاحت قوة الثورة الفلسطينية المجتمع والدولة والمؤسسات، وقلبت موازين القوى بين اللبنانيين، وجزمت في ان لبنان ارض نصرة وجهاد وجبهة مفتوحة حتى النصر، واستمدت من العالم العربي التشجيع او على الاقل التقدير، ومن المجتمع الدولي التحذير الذي مهد لحروب اسرائيلية متتالية، كانت كلها تستهدف تأجيج الصراع الداخلي، اكثر مما تستهدف تهدئة التوتر الحدودي.
عود على بدء فصل جديد من التاريخ الذي لا يرحم.