لبنان يتراجع عن حافة الحرب
باتريك سيل الحياة – 16/05/08
بعد حوالي اسبوعين من الاشتباكات البشعة في لبنان التي أدت الى مقتل حوالي مئة شخص، قدمت حكومة فؤاد السنيورة تنازلات مهمة للمعارضة. وفتحت هذه التنازلات الباب امام حوار وطني، ساعدت عليه الوساطة الفاعلة التي يقوم بها وفد الجامعة العربية.
وقد ردت المعارضة، بقيادة «حزب الله»، بايجابية على ذلك ويتوقع أن تعيد فتح الطريق الى مطار بيروت الدولي. غير ان النزاع الداخلي ما زال بعيداً عن الحل، ولا يزال لبنان اسير الصراع الاوسع على الهيمنة الاقليمية بين الولايات المتحدة واسرائيل من جهة وايران وسورية من جهة اخرى.
وخلال الأسبوع الماضي، صبّ الرئيس الأميركي جورج بوش الزيت على النار حين أدلى بتصريح تميز بحدته قال فيه: «لن يسمح المجتمع الدولي للنظامين الإيراني والسوري بأن يعيدا لبنان من خلال عملائهما، إلى الهيمنة والسيطرة الأجنبية».
وجاء هذا الخطاب على لسان رئيس أميركي دعم بشكل فاعل حرب إسرائيل ضد لبنان التي دامت ثلاثة وثلاثين يوما في شهر تموز (يوليو) 2006، وأعطى إيران نفوذا لا نظير له بفضل تدميره العراق بشكل عابث، وأطلق في أنحاء المنطقة الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة.
لبنان ضحية مأسوية لأخطاء أميركا الفادحة ولعدوان إسرائيل وللصراعات الإقليمية. ويكمن أمله الوحيد في العودة إلى الهدوء في تعزيز دور الجيش اللبناني، الذي يبدو أن دور الحكم الذي يؤديه في النزاعات الداخلية مقبول من الجميع. بقي الجيش موحدا وحياديا نسبيا خلال الأزمة الحالية، وتعهد بنزع سلاح كل الذين يصممون على استكمال القتال.
اندلعت الأزمة في 7 أيار (مايو)، بعدما هددت حكومة فؤاد السنيورة المدعومة من الولايات المتحدة، وفي إطار تحرك سريع تأثّر بأحد أكثر أعضائها حدة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، بإلغاء شبكة الاتصالات السرية التابعة لـ «حزب الله»، وهي عنصر اساسي ساهم في قدرة الحزب على القيادة والسيطرة في وجه هجوم إسرائيل الضاري قبل سنتين. كما أقالت الحكومة العميد وفيق شقير، رئيس جهاز أمن مطار بيروت، زاعمة أنه موال لـ «حزب الله».
قد يكون الحافز السياسي الذي يقف خلف هذه الأعمال الاستفزازية هو محاولة زرع فتيل الخلاف بين «حزب الله» وحلفائه المسيحيين، أي المجموعة التي على رأسها قائد الجيش الأسبق العماد ميشال عون. والحال ان هذه المحاولة أعطت عكس النتائج المرجوة، وعلى نحو خطير.
أدان «حزب الله» قرارات الحكومة واصفاً إياها بـ «إعلان حرب». وفي عملية سريعة، هزم الحزب معارضيه السنة واحتل بيروت الغربية، منطقة نفوذ الزعيم السني سعد الحريري، وأجبر قوات وليد جنبلاط على الخروج من بعض المناطق والقرى الأساسية في الشوف لوضع هذه المناطق فورا تحت إمرة الجيش اللبناني.
أظهر «حزب الله» أنه الأقوى بين الفصائل اللبنانية وهو واقع يعرفه الجميع جيدا. وفي الوقت نفسه، أوضح أنه لا يزمع السيطرة على الدولة. وأعلن زعيمه السيد حسن نصرالله ان من واجب حزبه أن يدافع عن سلاحه وعن شرعية المقاومة. وأضاف أنه لن يسمح بتحويل مطار بيروت إلى «قاعدة لمكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي ولوكالة الاستخبارات الأميركية أو الموساد الإسرائيلي».
وأضاف أن حل الأزمة يكمن في إلغاء «قراري الحكومة غير الشرعيين» – وقد وافقت الحكومة الآن على ذلك – وفي قبول دعوة حليف «حزب الله»، رئيس مجلس النواب وحركة «أمل» نبيه بري لعقد حوار وطني. ولفت نصرالله قائلاً: «لا نريد حربا مع أحد».
وفي الوقت نفسه، أبقى «حزب الله» على ضغطه لإسقاط حكومة السنيورة من خلال حملة «العصيان المدني» التي تضمنت قطع عدد من الطرق بما في ذلك الطريق الرئيسي المؤدي إلى المطار.
أدت الأزمة إلى عدد من التداعيات المهمة التي تجعل الحل يبدو أكثر صعوبة. لقد تمت إهانة السنة. وبما أن سعد الحريري بدا غير قادر على حمايتهم، قد يميل البعض إلى التحوّل إلى عناصر إسلامية متطرفة معروفة بأنها تختبئ في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وقد يلجأون إلى تنفيذ عدد من الاغتيالات السياسية أو أعمال عنف أخرى. بدوره، عانى وليد جنبلاط المتهوّر خسارة نكراء معيبة.
أما النتيجة الأخرى المهمة للأزمة فتمثلت بتوثيق التحالف الفعلي بين الجيش و «حزب الله»، اللذين اتحدا لمواجهة ضغوط إسرائيل وتعدياتها. وبفضل وقوف الحزب في وجه هجوم إسرائيل منذ سنتين، حصل على احترام واسع، بينما انتشر الجيش اللبناني في الجنوب ليراقب الحدود بمساعدة قوات حفظ السلام الدولية.
تسلّم العماد ميشال سليمان قيادة الجيش اللبناني في حقبة الوصاية السورية، عندما كانت قواتها متمركزة في لبنان. وساهم في إعادة بناء الجيش بمساعدة السوريين بعد انتهاء الحرب الأهلية التي امتدت بين العامين 1975 و1990 وعُرف عنه أنه رجل عسكري صادق ووطني، من غير المرجح أن يتحوّل إلى أداة في يد معارضي سورية. لكن، بما أنه بقي خارج النزاع، لا يعرف أحد الكثير عنه. فخبرته السياسية محدودة ولا أحد يعرف من هو الشخص الذي سيختاره مستشارا له في حال انتخب رئيسا للجمهورية.
يشكل التفاهم بين الجيش و «حزب الله» أحد تباينات الوضع الحالي، بما أن الجيش يستفيد من المساعدة التي تقدمها له الولايات المتحدة الأميركية. ويؤمل في أن ينخرط عناصر «حزب الله» في صفوف الجيش الوطني اذا تم التوصل الى اتفاقية سلام. لكن طالما أن إسرائيل لا تزال تهدد، يعمد «حزب الله» إلى البقاء على قدم الاستعداد للحرب ولن يسمح لأحد أن يتلاعب بقدرته الدفاعية.
أما النتيجة الثالثة للأزمة، فتتمثل في عمق الشرخ الطائفي بين السنة والشيعة والمسيحيين. يحظى المسيحيون حاليا، الذين يشكلون 30 في المئة من الشعب اللبناني (غالبيتهم من الموارنة) بـ50 في المئة من المقاعد النيابية. أما المسلمون، الذين يشكلون 60 في المئة من الشعب اللبناني، 30 في المئة منهم سنة و30 في المئة شيعة، فضلا عن الطائفة الدرزية، التي تشكل 6 في المئة، فيتقاسمون 50 في المئة من المقاعد النيابية المتبقية.
يحتاج التمثيل الكبير للمسيحيين في البرلمان إلى تصحيح في إطار أي إصلاح مستقبلي، وقد يحارب المسيحيون ذلك بضراوة لمنع حصوله. فالطائفية بلاء لبنان منذ نشوئه في العام 1920. ويتفق الجميع على أنه يجب إلغاؤها لمصلحة ولاء كل اللبنانيين للدولة على اختلاف انتماءاتهم الدينية. إلا أنه من المستبعد بلوغ هذا الاحتمال.
وفي هذه الغضون، تسعى الدول العربية الأكثر تأثيرا كالمملكة العربية السعودية ومصر فضلا عن قطر، الدولة الخليجية الفاعلة ديبلوماسيا، إلى مساعدة لبنان على استعادة توازنه. فهي تدعم جهود الوساطة التي تبذلها الجامعة العربية وتسعى إلى استخدام نفوذها الخاص للتأثير على الفصائل المتحاربة في لبنان.
غير أن سلوكها المتناقض يحول دون ذلك. ففيما تتمتع بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنها تعترض على عدد كبير من سياسات الرئيس الأميركي جورج بوش وبخاصة تحالفه غير الحكيم مع إسرائيل وتنديداته القاسية بإيران وسورية.
تشعر المملكة العربية السعودية ومصر بالقلق إزاء تأثير إيران الإقليمي المتزايد وتدخلاتها المتعددة في السياسات العربية وبخاصة في العراق ولبنان وغزة. وهما حذرتان حيال اعتماد سورية الواضح على إيران. إلا أنهما تعترفان أيضا بأن إيران قوة إقليمية وهما مجبرتان على التعايش معها.
من هذا المنطلق، تصدت هذه الدول لجهود بوش المضللة التي تهدف إلى حشد دول المنطقة ضد الجمهورية الإسلامية. فالدول الخليجية بشكل خاص تربطها بإيران علاقات تجارية لافتة كما تعيش فيها جالية إيرانية كبيرة. ولا ترغب هذه الدول في عزل إيران أو إضعاف اقتصادها، مثلما تريدها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أن تفعل.
ويبدو واضحا أن التفاهم والثقة بين المملكة العربية السعودية ومصر من جهة وبين إيران وسورية من جهة أخرى، بعيدا عن تدخل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، قد يؤديان إلى تسهيل طريق لبنان نحو السلام والأمن.
* كاتب بريطاني متخصّص في شؤون الشّرق الأوسط