المشروع المقبل
ساطع نور الدين
قبل السابع من أيار الحالي كان المشروع الاميركي والإسرائيلي في لبنان اقرب الى الوهم منه الى الحقيقة، وكان العثور على أدلة تؤكد وجوده يحتاج الى الكثير من الجهد والعناء، والقراءة المتأنية في نصوص المواقف الصادرة من الدولتين وبنود قرارات مجلس الامن الدولي وبياناته الرئاسية التي حطمت رقما قياسيا يثير حسد بقية الدول التي تعاني من حروب وأزمات.
بعد ذلك التاريخ، لم يعد من الصعب ملاحظة الاشارات الاولى على ان الاميركيين والاسرائيليين قرروا التركيز فعلا على تلك الجبهة الهامشية التي فتحت الاسبوع الماضي على تحول استراتيجي وفق المعايير الاقليمية، وأسفرت عن خلل فعلي في موازين القوى مع حزب الله وسوريا وإيران، وعن هزيمة جدية لا لبس فيها لجدول الاعمال الاميركي في الشرق الاوسط الكبير.. تتعارض مع المكاسب التي يحققها هذا المشروع على الجبهات العراقية والفلسطينية والسورية وحتى الإيرانية ايضا.
قبل اجتياح حزب الله لبيروت والجبل في ذلك اليوم المشؤوم، كان البرنامج الاميركي والاسرائيلي للبنان، والذي لا يرقى الى مستوى المشروع او الخطة، يسير على خطين متوازيين: الاول يقضي بمساعدة الغالبية اللبنانية في محاولاتها المتعثرة لاحياء الدولة ومؤسساتها وذلك من اجل احتواء الحزب وحلفائه في داخلها من دون منحهم حق النقض، والثاني يرتكز على متابعة حملة الانتقام الامنية من قيادة المقاومة على حرب تموز العام ,2006 التي قادها الاميركيون ولم يتمكنوا من بلوغ اي من اهدافها.
حتى السابع من ايار، كان لبنان مجرد ساحة خلفية، يسودها الفراغ السياسي والفوضى الامنية، لكنها تخضع لقواعد لعبة خارجية حددها قرار مجلس الامن الدولي الرقم ,1701 وانضبط فيها الجميع، طوال العامين الماضيين، من اجل تفادي اشعال حرب اقليمية كبرى لا يريدها احد ولا تخدم مصلحة احد.. وثمة بديل مناسب لها هو العمليات الخاصة مثل الغارة على دير الزور في ايلول الماضي، واغتيال القائد عماد مغنية في شباط الماضي.
اما من الآن فصاعدا، فإنه ومهما بذل حزب الله من جهد استثنائي للتوضيح ان عمليته العسكرية ضد بيروت والجبل كانت مجرد عملية وقائية موضعية مؤقتة، ومحدودة في الداخل اللبناني، فإنه لن يستطيع ان يقنع الاميركيين والاسرائيليين وبعض العرب، بأن ما جرى لم يكن اختراقا ايرانيا وانقلابا سوريا على تلك القواعد التي ارسيت في اعقاب حرب تموز العام ,.2006 برغم ان طهران ودمشق سارعتا الى نفي تورطهما في تلك العملية الخطرة، وأرسلتا اكثر من اشارة تنصل منها، وأكثر من علامة على عدم رغبتهما في استثمار نتائجها.
سيثبت التاريخ، ان تلك العملية كانت الذريعة لمشروع اميركي اسرائيلي فعلي هذه المرة، يعتبر لبنان جبهة امامية متقدمة من جبهات المواجهة، لا تقتصر المعارك فيها على اصدار قرارات في مجلس الامن الدولي او اطلاق وساطات من قبل الجامعة العربية.. ولا تكترث للحريق الهائل الذي يمكن ان يشتعل في البلد ويتخطى حدوده !