صفحات مختارة

تقرير فينوغراد

null


التقرير النهائي للجنة فينوغراد حول عدوان تموز 2006 على لبنان

ننشر في ما يلي، مقتطفات من التقرير النهائي للجنة فينوغراد، الذي أكد تحمل المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل مسؤولية حرب لبنان الثانية، التي «لم ننتصر» فيها، وحيث «نجحت مجموعة من آلاف المقاتلين في الصمود لأسابيع طويلة أمام الجيش الأقوى في الشرق الأوسط» في خطوة ولّدت «شعوراً قوياً لدى الجمهور (الإسرائيلي) بالانكسار والخيبة». كما جدد التقرير، الذي نشر أمس، تأكيد «فشل» الحرب، التي شابتها «عيوب خطيرة»، وأن «امتناعنا عن تحميل المسؤولية الشخصية، لا يعني أن مسؤولية كهذه غير قائمة».

الفصل الأول: المقدمة

ـــــ فقرة 9: الحرب المتواصلة التي بادرت إليها إسرائيل، انتهت من دون أن تنتصر من الناحية العسكرية… إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية استمر طوال الحرب، وحتى اللحظة الأخيرة فعلياً، وتوقف فقط بسبب وقف النار؛ نسيج الحياة في المنطقة (شمال إسرائيل) التي كانت تحت تهديد الصواريخ، تشوش بشكل جدي، وعدد كبير من السكان…. تركوا منازلهم؛ منظمة شبه عسكرية، تضم آلاف المقاتلين، نجحت في الصمود لأسابيع طويلة أمام الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، الذي يتمتع بتفوق جوي مطلق، ومزايا كبيرة من حيث الحجم والتكنولوجيا. وكان لذلك آثار بعيدة المدى بنظرنا، مثلما هو أيضا بنظر أعدائنا، وجيراننا وأصدقائنا في المنطقة والعالم.

ـــــ فقرة 22: اتضح خلال الحرب، وبشكل أساسي بعدها، أن الجيش، وبالتأكيد القوات البرية، لم يكن مستعداً من نواحٍ كثيرة للحرب التي نشبت، وأن مستوى استعدادات الجيش، وبشكل أساسي القوات البرية، كانت مشوبة بالعيوب. على الرغم من ذلك، لم يكن الأمر مقدراً على هذا النحو من قادة الجيش، والأمر لم يُطرح أمام المستوى السياسي.

ـــــ فقرة 27: الجبهة الداخلية كانت مشاركة في الحرب رغماً عنها. والواقع أن شمال الجليل عرف في الماضي إطلاق صواريخ الكاتيوشا، لكن هذه الحرب كانت الأولى التي تتعرض فيها الجبهة الداخلية الشمالية (من خط الخضيرة وشمالاً) لهجوم بالصواريخ البعيدة والقصيرة المدى، لم تشهد مثله حتى ذلك الحين، طوال الـ34 يوماً، إلى حين وقف النار. وكان لهذه الحقائق دلالة كبيرة، سواء تجاه تقدير تخطيط الحرب، أو تجاه تقدير نتائجها، أو في ما يتعلق بالحاجة المستعجلة إلى دراسة نقدية وإجراء الإصلاحات.

ـــــ فقرة 32: تم تعيين اللجنة بسبب شعور قوي في الجمهور بالانكسار والخيبة من نتائج الحرب وأسلوب إدارتها وأيضاً بسبب رغبة الحكومة، والمؤسسة الأمنية والجيش في استخلاص العبر

ـــــ فقرة 34: …. من الجدير التأكيد على أن امتناعنا عن تحميل المسؤولية الشخصية، لا يعني أن مسؤولية كهذه غير قائمة

ـــــ فقرة 40: كما فعلنا في التقرير الأولي، أيضاً نكتب هنا أموراً قاسية. في التقرير النهائي فحصنا الفترة الممتدة بين 18 تموز و14 آب 2006 واكتشفنا مراراً، نتائج مقلقة:

وجدنا مواضع فشل وعيوباً خطيرة في مسارات اتخاذ القرارات وفي العمل الأركاني للمستوى السياسي والمستوى العسكري وفي العلاقة بينهما.

وجدنا مواضع فشل وعيوباً جدية في نوعية الاستعدادات، والجهوزية، والإدارة وتنفيذ قرارات القيادة العليا في الجيش، وبشكل أساسي في القوات البرية.

وجدنا مواضع فشل وعيوباً خطيرة في الاستناد إلى التفكير والتخطيط الاستراتيجي، سواء في المستوى السياسي أو المستوى العسكري.

وجدنا مواضع فشل وعيوباً خطيرة تتعلق بالدفاع عن الجبهة الداخلية وبمواجهة استهدافها.

ـــــ فقرة 41: نؤكد أنه عندما نلقي المسؤولية على مؤسسة أو وحدة كاملة لهذا المستوى أو ذاك، ليس بنيتنا الإشارة فقط، أو بشكل أساسي، إلى الذين يترأسونها. المستوى السياسي بنظرنا رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزيرة الخارجية، وأيضاً وزراء آخرون في مجالات مسؤوليتهم، وأيضاً منتدى الوزراء السبعة، ولجنة الوزراء لشؤون الأمن القومي (المجلس الوزاري المصغر)، تمام الحكومة والكنيست ولجانه. ويشمل المستوى العسكري، بنظرنا، القادة، بدءاً من رئيس الأركان وهيئة الأركان العامة، إلى مستوى قادة الألوية، وحتى قادة الكتائب. بالإضافة إلى ذلك، يلقى أيضاً جزء من المسؤولية في مواضع الفشل والعيوب التي وجدناها على من كانوا مسؤولين عن الجهوزية والاستعدادات في سنوات ما قبل الحرب.

فقرة 43: صورة الحرب كانت نتيجة متشابكة من الإدارة المشوبة بالعيوب على المستوى السياسي والمستوى العسكري والعلاقة بينهما، ومن التنفيذ المشوب بعيوب الجيش، وبشكل أساسي القوات البرية، ومن ظروف مشوبة بالخلل على مستوى الاستعدادات في إسرائيل.

فقرة 44: المسؤول الأساسي عن إدارة الحرب نفسها، وعن تنفيذ العمليات العسكرية خلالها، هو من أدارها وقادها من المستوى السياسي والعسكري الرفيع وفي العلاقة بينهما. وكان للعيوب على مستوى الاستعداد والجهوزية مساهمة هامة في نتائج الحرب، والمسؤولون هم الذين أدوا أدواراً مفتاحية على المستوى العسكري والسياسي في سنوات ما قبل الحرب.

ـــــ فقرة 45: … نحن نعلم أن مقولات كهذه ستُفرح أعداءً، وستحزن أصدقاء، ومن الممكن أن تثير خوفاً ويأساً. وعلى الرغم من ذلك لن نقلل في قيمة حالات الفشل والعيوب التي كانت، وخاصة أن الكلام الصحيح والواضح على العيوب يسمح بإجراء التغييرات العميقة المطلوبة.

الفصل الثالث: استبعاد الخلاصات الشخصية

ـــــ فقرة 11: لقد اتخذنا، لاعتبارات عديدة، قراراً بألا يشمل التقرير النهائي خلاصات شخصية. ونحن نعتقد أن من غير الممكن أن نصف وأن نشرح، بشكل صحيح، الخلاصات تجاه قرارات الخروج للحرب في لبنان من دون أن نحدد المسؤولية الشخصية الجزئية لـ«القادة» الثلاثة ـــــ رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان ـــــ عن مواضع الفشل والعيوب التي وجدناها. وعلى الرغم من ذلك، فإن العيوب التي وجدناها خلال الحرب، بما فيها عملية الجيش، كانت في جزء منها خطيرة ونعتقد أن من الصحيح أن نتصرف هكذا أيضاً في التقرير النهائي.

ـــــ فقرة 12: … لم نحدد، ولا نحدد، أن قرار الخروج للحرب في أعقاب عملية الخطف كان مبرراً. غير أنه حددنا أن قرار الخروج للحرب، أو الخروج لعملية كان من الممكن في سيناريوات معقولة ومتوقعة أن يتدهور إلى حرب، كان قراراً مصيرياً. وفي ضوء حقيقة أن هناك من قرر الخروج للحرب وتحمل شخصياً مسؤولية معنى قرار كهذا والطريقة التي اتخذ بها، نعتقد أن من الملائم أن نؤكد:

أننا لم نأت لإيجاد وضع يفضل فيه قادة سياسيون وعسكريون في إسرائيل الامتناع عن رد عسكري شديد، بسبب الخشية من الفشل أو من لجنة تحقيق. وأيضاً التردد والخشية الزائدة يمكن أن يكونا أخطر بكثير على دولة إسرائيل في الواقع الذي تعيش فيه. ومع ذلك، نعتقد أن من قرر القيام بعملية عسكرية فعلية، كان ينبغي له أن يدرس بشكل جيد، ولو وفق قرار متسرع، ظروف الساحة، وأهداف المعركة التي يمكن أن تتحقق، والكتلة الحاسمة للعملية العسكرية والسياسية المطلوبة، ومجمل الطرق التي هناك حاجة لاستخدامها، من أجل إنتاج أمل معقول بتحقيق معظم الأهداف مع «الأثمان» الموازية ومن دون فقدان السيطرة.

الفصل الخامس: رؤية عامة حول أداء الجيش

ـــــ فقرة 33: إننا نعتقد أن قوات البر، وتالياً الجيش كله، لم تنفذ، وفقاً لكل المعايير والتوقعات الواقعية، المهام التي أوكلت اليها في حرب لبنان الثانية. على الرغم من الإنجازات الهامة في عدد من المجالات، والأهم من بينها كان العملية الجوية الأولى في حرب تصفية منظومة الصواريخ أرض ـــ أرض المتوسطة والثقيلة لدى حزب الله، فإنه في غالبية الحالات والمجالات أظهر الجيش، في عمليات القوات البرية، عجزاً عن التصدي لحزب الله.

ـــــ فقرة 35: أهم خصائص الأداء العسكري:

خرج الجيش الإسرائيلي في عملية عسكرية واسعة، بحسب خططه وتقديراته، كان من شأنها أن تتدهور إلى حرب، من دون خطط عملانية مصادق عليها ومن دون أن يتدرب عليها، تمنح رداً عملانياً يتناسب مع الضغوط السياسية والعسكرية على الحلبة، ومن دون تفكير مناسب في مسار العملية العسكرية.

في معظم أيام الحرب، تصرف الجيش الإسرائيلي على طريقة الأمن الجاري المكثف.

لم يطرح الجيش الإسرائيلي أمام نفسه ولا أمام المستوى السياسي، بالحدية المطلوبة، الحاجة إلى الحسم السريع بين وقف القتال بعد أيام من «جبي الثمن»، والعملية العسكرية التي تهدف إلى تغيير الواقع في جنوب لبنان، والتي تطلبت عملية برية واسعة.

كما سيبدو لاحقاً، كانت هناك مواضع خلل قاسية في سلوك القيادة العليا على مستوى هيئة الأركان والقيادة، وفي طريقة إصدار أوامرها.

أكثر القيم أساسيةً لدى الجيش الإسرائيلي «فُرمت» خلال الحرب… نشير هنا فقط إلى القيم الأكثر أهمية التي كانت العملية بموجبها مشوبة بالخلل في حالات كثيرة: التمسك بالهدف؛ التصميم في تنفيذ المهمة؛ الانصياع العملاني الصارم؛ قيادة حربية ومثيرة للقادة في المعركة؛ الامتناع عن تحمل مسؤولية شخصية والاستعداد للطاعة

بقدر كبير من الألم والحذر، نضيف ونشير إلى أن الجيش الإسرائيلي تصرف في الحرب كمن خشي من وقوع الإصابات في صفوف جنوده، وأن هذه الخشية كانت عنصراً مركزياً في سيرورات التخطيط والاعتبارات العملانية. ومع كل الحساسية التي يتعين التطرق من خلالها إلى حياة الجنود، والحاجة إلى أخذ هذا العامل من ضمن الاعتبارات الموجهة، إلا أن من الصعب القبول بالتأثير الاستثنائي الذي أداه هذا الاعتبار عند قرارات القادة الكبار (وعند متخذي القرارات في المستوى السياسي).

وثمة قضية مركزية كانت مرتبطة بأداء الجيش الإسرائيلي في مهمة الدفاع عن الجبهة الداخلية المدنية. ونشير إلى أن أحد العناصر الأساسية في التصور الأمني لدولة إسرائيل هو أداء الجيش في حماية المدنيين، وقدرتهم على أن يديروا حياتهم بشكل طبيعي. أحد تأثيرات هذا التصور هو مبدأ نقل القتال بسرعة إلى أرض العدو، بهدف تقليص المس بالجبهة الداخلية إلى الحد الأدنى الممكن. هذا المبدأ كان يجب أن يسري على حرب لبنان الثانية، حتى لو كان ثمة حاجة إلى ملاءمة تأثيراته مع طبيعة الجبهة وحتى لو كان يستحيل الوقف التام للمس بالجبهة الداخلية أيضاً عن طريق عملية برية واسعة.

التصور العملاني الذي قاده رئيس الأركان ـــــ هجوم مكثف بالنار بواسطة سلاح الجو ـــــ اتضح أنه غير مناسب بشكل كاف مع الظروف، العدو والحلبة. فالجيش الإسرائيلي وقادته احتاجوا إلى الكثير من الوقت لاستيعاب هذه الحقيقة ومحاولة إيجاد تصور عملاني بديل، بما يتناسب مع الضغوط. وعندما أُنشئ هذا التصور وبُلور، لم يعد ذا شأن.

قوة الجيش الإسرائيلي وعظمته لم يُعبّر عنهما في هذه الحرب.

الانصياع العملاني بدا أنه أكثر المجالات خللاً، منذ عملية الأسر في 12 تموز مروراً بكل أيام الحرب.

الفصل الحادي عشر: خلاصات واستنتاجات حول أداء الجيش

ـ فقرة 8: .. حتى لو أخذنا بالحسبان كل النجاحات والإنجازات الدراماتيكية، وبشكل أساسي الاستخبارات وسلاح الجو، ينبغي أن نعترف بأن الجيش فشل في جهوده في تحقيق الإنجاز العسكري المطلوب والممكن، في ضوء ظروف الحرب وموازين القوى. والأمر نفسه، سواء تجاه الإنجاز العسكري المطلوب في مقابل حزب الله، أو في ما يتعلق بالمكانة الاقليمية والعالمية لإسرائيل، أو تجاه قدرتها في الدفاع عن الجبهة الداخلية الاسرائيلية من استمرار إطلاق الصواريخ. من هذه الناحية، يمكن أن نقدر أن نتائج الحرب كانت «تفويتاً خطيراً» (للفرصة).فينوغراد يسلّم أولمرت التقرير في القدس المحتلّة أمس (آفي أوهايون – إي بي أي)فينوغراد يسلّم أولمرت التقرير في القدس المحتلّة أمس (آفي أوهايون – إي بي أي)

ـ فقرة 19: خيار إسرائيل كان محدداً بين الرد على الخطف «بما دون التصعيد» أو البدء بعملية يمكن أن تتدهور الى حرب. واختارت إسرائيل المبادرة بالخروج الى عملية هدفها ضرب حزب الله بشكل نوعي وتغيير قواعد اللعبة على الجبهة اللبنانية. وطلبت إسرائيل وقتاً من أجل ضرب حزب الله بشدة. في نهاية الـ34 يوماً من القتال، لم يكن هناك حسم لمصلحة الجيش ولا حتى «بالنقاط». استمرار إطلاق صواريخ حزب الله على الجبهة الداخلية توقف فقط بسبب وقف النار. إسرائيل لم تنتصر بوضوح في هذه الحرب. أعداؤها في الخارج، وجزء من منتقديها في الداخل، وصفوا الحرب بأنها هزيمة إسرائيلية.

نحن لسنا شركاء في وصف الحرب ونتائجها بأنها هزيمة. فقد كان لإسرائيل، في الحرب، إنجازات عسكرية مثيرة للانطباع وأيضاً استثنائية. ولكن مع ذلك، عندما يخرج الجيش الاقوى في الشرق الاوسط لقتال حزب الله ولا ينتصر بوضوح، فإن لذلك آثاراً بعيدة المدى على مكانة إسرائيل. وكان ينبغي على إسرائيل أن تمتنع عن نتيجة كهذه، إما بالامتناع عن الخروج لحرب متواصلة (بما فيها إمكانية رد شديد أو قصير) أو عن طريق الاستعداد للعمل بطريقة تؤدي الى النصر، على الرغم من أثمانها (حتى لو كانت هناك حاجة لملاءمة مفهوم النصر والحسم مع نوع المواجهة).

الفصل السابع عشر: خلاصات منظوماتية

ـ فقرة 9: … حققت إسرائيل في الحرب إنجازات غير قليلة (مثل قرار مجلس الأمن 1701، ووقوف المجتمع الدولي الى جانب إسرائيل، وتجسيد عدد من القدرات الإسرائيلية الجلية في مجالات مختلفة ومهمة)، الى جانب الإخفاقات والعيوب التي ظهرت في الحرب. ومع ذلك، اعتقدنا أيضاً أن محاولة تقديم الحرب على أنها «انتصار» هي محاولة غير مناسبة

ـ فقرة 12: … إن غياب الحسم الذي استمر في بداية الحرب، وحتى في منتصفها… كان فشلاً خطيراً. ويرتبط ذلك بحقيقة أنه طوال الحرب، ولا سيما في بدايتها، لم يكن هناك تفكير بمسار الخروج منها.

ـ فقرة 13: هذا الفشل صبغ الحرب كلها وأثر سلباً بصورة بارزة، سواء على نتائجها، أو على شعور الجمهور تجاهها: العملية العسكرية لم تحقق أهدافها المعلنة، والجيش لم يقف بالقدر المطلوب، ولفترة طويلة، لتحقيق واحدة من مهامه الأساسية ـ حماية مواطني الدولة من مغبّة تعرّضها للمس على يد عدو خارجي.

ـ فقرة 14: في قسم كبير من العمليات العسكرية، ولا سيما في استخدام القوات البرية، ظهرت عيوب خطيرة انضمّت بدورها الى الفشل.

ـ فقرة 15: صحيح أن الإنجاز السياسي للحرب ـــــ القرار 1701 ـــــ كان ذا مغزى، لكن فحصه لم يُظهر أنه تحقق بواسطة سلوك ارتكز على تحليل مناسب للطرق الفعالة الآيلة للوصول الى الأهداف السياسية، ولم نجد علاقة سببية ضرورية، ومباشرة وبارزة وناجعة بين العملية العسكرية وبين الإنجاز السياسي.

فقرة 19: أحد الخصائص التي ميزت حرب لبنان الثانية كان غياب الانشغال منذ البداية بمسار الخروج من الحرب، وكذلك غياب الحسم بين الخيارين الرئيسيين. الأول: استعداد فوري لخطوة برية واسعة وتنفيذها بهدف السيطرة على اراض وتقليص اطلاق النار على الداخل الإسرائيلي، والوصول الى انجازات عسكرية تتيح وقفا للنار بشروط جيدة. والثاني: الاستعداد لوقف سريع قدر الامكان للقتال، وبشكل خاص بعد انجازات الأيام الأولى.

ـ فقرة 21: إن الامتناع الواضح عن الحسم المدروس جيداً بين البدائل في هذا الموضوع الحيوي، وحتى قبل ذلك… كان فشلاً خطيراً.

ـ فقرة 22: إن استمرار حال المراوحة، من دون حسم واضح، بينما كان شمال البلاد يرزح تحت إطلاق مكثف ومتواصل للصواريخ، كان إحدى الخصائص والمميزات الأساسية والخطيرة جداً لحرب لبنان. حتى وإن أمكن تفهمه، فإنه عكس فشلاً أساسياً وخطيراً في إدارة الحرب. وهو اسهم مباشرة بفقدان وقت حيوي وثمين، في عدم بلورة رد سريع وفعال على إطلاق النار تجاه الجبهة الداخلية، وفي عدم اتخاذ خطوات لتقليص فترة الحرب، ولاستمرار إسرائيل في إدارة حرب محدودة، من دون أن تكون مستعدة لخطوة برية قبل نهاية الاسبوع الأول من آب. ففي هذا الموعد، لم تكن الظروف مناسبة لاستنفاد إنجاز عسكري، كان من شأنه أن يُفضي الى تحسين الإنجاز السياسي الفوري (شرط وقف النار)، وتعزيز قوة الردع وصورة القوة لإسرائيل في المنطقة والعالم، ولدى حلفائها وأعدائها على حد سواء.

ـ فقرة 31: الفشل مزدوج ـــــ الامتناع عن إجراء نقاش وعن حسم موضوع مسار العملية والامتناع عن حسم سريع إزاء الاستعداد لعملية برية واسعة كخيار مستقبلي ـــــ تجاه الحرب كلها. وهذا الفشل كان نتيجة عمليات، وخاصة نتيجة إخفاقات، في المستوى السياسي، وفي المستوى العسكري، وفي العلاقة بينهما.

ـ فقرة 32: إن المسؤولية العليا عن القرارات وعن الامتناعات هذه ملقاة على المستوى السياسي… المستوى السياسي لا يمكنه أن يعفي نفسه من المسؤولية فقط لأن الاقتراحات والتوصيات لم تُعرض أمامه.

ـ فقرة 33: على الرغم من ذلك، المسؤولية الأولية عن الفشل المزدوج تقع على كاهل الجيش الإسرائيلي وعلى المحافل المهنية.

ـ فقرة 37: إن الفشل المتمثل في غياب المداولات العسكرية والسياسية المشتركة، لطريقتي العمل وضرورة الحسم بينهما، كان مرتبطاً أيضاً بطرق المداولات واتخاذ القرارات التي وجدناها في المستوى السياسي، وفي المستوى العسكري، وفي العلاقة بينهما.

ـ فقرة 39: نحن نُقر ونحدد أن الصور التي ظهرت أمام أعيننا تجاه أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب كانت قاسية ومثيرة للقلق.

ـ فقرة 40: الجيش بعمومه، ولا سيما بواسطة القيادات العليا وقوات البر، فشل في تقديم جواب عسكري كاف على التحدي الذي واجهه في إدارة الحرب في لبنان، ولم يوفر للمستوى السياسي أساساً عسكرياً مناسباً لعملية سياسية.

الأهداف السياسية والإنجازات العسكرية

ـ فقرة 70: في 12 تموز، نشأت الصلة المعلنة بين العمليات العسكرية وتنفيذ القرار 1559. لأيام، تحول تنفيذ القرار 1559 الى أحد الشروط الرئيسية لوقف النار من قبل إسرائيل. بيد أن حقيقة عدم تنفيذ القرار 1559 قبل الحرب، لم تكن مرتبطة مباشرة بالعلاقات بين إسرائيل ولبنان. والدليل على ذلك يكمن في حقيقة أن القرار 1680، الذي كان من أهدافه تعزيز المنظومة لتنفيذ 1559، اتُخذ في مجلس الأمن في أيار 2006، أي قبل الحرب، ومن دون أي صلة بالوضع بين لبنان وإسرائيل.

ـ فقرة 71: كان لاختيار تنفيذ القرار 1559 هدفاً سياسياً، مزايا من ناحية مشروعية العملية الإسرائيلية في البلاد والعالم. فالمطالبة بتنفيذ القرار المتفق عليه من قبل مجلس الأمن أسهل من تحقيق مصلحة أو هدف سياسي إسرائيلي، من البديهي أن يكون أكثر عرضة للخلاف. بيد أنه تبيّن منذ المراحل الأولى وجود خلاف على مسألة ما إذا كان الهدف قابلاً للتحقق، وما هو المغزى العملي للتطلع نحو مثل هذا التنفيذ إزاء الخطوة العسكرية الإسرائيلية.

621 صفحة من الخلاصات

يقع التقرير في 621 صفحة من القطع المتوسط، موزعة على جزءين وخمسة أبواب و18 فصلاً. وبعد المقدمة في الجزء الأول، تطرق إلى أسس المسؤولية ومعطيات التقرير واستنتاجاته وتوصياته، لينتقل بعدها إلى القرار المتعلق بالاستخلاصات والتوصيات الشخصية. أما الفصل الرابع، وهو الأكبر من بين فصول التقرير، فتضمّن أحداث الحرب، في كل يوم، من الثاني عشر من تموز حتى الرابع عشر من آب.

في الجزء الثاني، استعرض التقرير دور الاستخبارات العسكرية خلال الحرب واستعداداتها العسكرية منذ عام 2000 حتى اندلاع الحرب. وانتقل في الفصل السابع إلى الخطط والاستعدادات عشية الحرب، ثم التطلعات العسكرية في إدارة الحرب.

وفنّد التقرير في فصله التاسع دور الأذرع العسكرية وعمليات مساندة القتال والعمليات الخاصة ودور أسلحة الجو والبحر والبر، والأقسام اللوجستية، وعمليات تجنيد الاحتياط، واستعدادات الاحتياط وإدارتهم، وعمليات صيانة القوى، والوضع الميداني، إضافة إلى سلاح الطب.

وفي الفصل العاشر، تحدّث التقرير عن عمليات بنت جبيل، ليقدّم بعدها «تلخيص الجيش واستنتاجاته»، إضافة إلى توصيات في الفصل الثاني عشر. وفي الفصل التالي، تطرق التقرير إلى أمن المعلومات في زمني السلم والحرب، ولا سيما «حرب لبنان الثانية»، ليقدّم بعدها توصيات واستخلاصات.

وفي الفصل الرابع عشر، تحدّث التقرير عن تصرف إسرائيل في ضوء القضاء الدولي، وعن الاختطاف كتهديد استراتيجي، ليقدّم في الفصول التالية تحليلاً وتوصيات واستخلاصات حيال الأجهزة والمؤسسات.

بطاقة تعريف باللجنة

ــ الاسم الرسمي: اللجنة لفحص أحداث المعركة في لبنان 2006.

ــ تاريخ التعيين: 17 أيلول 2006.

ــ أعضاء اللجنة: د. إلياهو فينوغراد (رئيس اللجنة)، بروفيسور روت غبيزون، بروفيسور يحزقيل درور، العميد (احتياط) د. حاييم ندل، العميد (احتياط) مناحيم عينان.

ــ التفويض: الفحص والتوصل إلى توصيات واستنتاجات على المستوى السياسي والمستوى العسكري في كل ما يخصّ المعركة في الشمال التي اندلعت في 12 تموز 2006.

ــ تاريخ إصدار التقرير الجزئي: 30 نيسان 2007.

ــ تكلفة اللجنة: المعاش الشهري لكل عضو: 38,400 شيكل.

رواتب أعضاء اللجنة منذ إنشائها: 4.55 ملايين شيكل.

أجور لمختصين: 4.84 مليون شيكل. مصاريف أمن وحماية: 1.03 مليون شيكل.

مصاريف سفريات وسيارات: 963 ألف شيكل.

إيجار مبنى: 500 ألف شيكل.

مصاريف تنصيص وتنضيد: 1.85 مليون شيكل.

ــ انتهاء عمل اللجنة: بعد تقديم تقريرها الرسمي، انتهى وجود اللجنة كجسم قضائي وفق القانون، وعليه فلا يمكن أحداً تقديم دعوى ضد أعضاء اللجنة أو تقريرها، بشكل مباشر.

بضعـة آلاف مـن المقاتلـين صمـدوا في وجـه الجيـش الأقـوى في الشـرق الأوسـط

تقرير فينوغراد: إسرائيل تقرّ بهزيمتها الكاملة في لبنان

حلمي موسى

وأخيرا نشرت لجنة فينوغراد تقريرها النهائي عن حرب لبنان الثانية وأجمله رئيسها القاضي إلياهو فينوغراد بالإعلان أن الحرب كانت «خيبة كبيرة وخطيرة، يتحمل مسؤوليتها أساسا الجيش، ولكن شارك فيها أيضا الضعف الذي أبداه المستوى السياسي».

وبرغم ذلك، فإن التقرير الذي وصفه البعض بأنه «هزة أرضية متوسطة القوة»، لم يغير في مواقف الأطراف شيئا. فالداعون لإسقاط رئيس الوزراء ايهود أولمرت وجدوا في توصيفات الإخفاق والفشل المنظومي، تأكيدا لدعوتهم، والمؤيدون لبقائه وجدوا في تبرئته من شبهة الغرض الشخصي أو الحزبي في قرارات الحرب، ترسيخا لأحقيته في البقاء.

وأوحى المقربون من أولمرت بأنه تنفس الصعداء يوم أمس، وشرع رجاله بأوسع حملة إعلامية لترسيخ براءته في الذهن العام. وقال عدد من المقربين منه إنه بات يستحق، بعد تقرير فينوغراد، اعتذارا عاما من كل الذين أباحوا دمه بانتقاداتهم. غير أن المعارضين لأولمرت أكدوا أن التقرير يشكل إدانة دامغة له، مشددين على أنهم سيواصلون حملتهم لإسقاطه.

وبقي موقف حزب «العمل» اللغز المبهم في معادلة السياسة في إسرائيل، بعدما رمت اللجنة بأمر المسؤولية الشخصية في ملعب كل من الشعب والحلبة السياسية. وقال رئيس اللجنة القاضي الياهو فينوغراد إن عدم الإشارة إلى مسؤوليات شخصية، لا يعني عدم وجود أشخاص ينبغي أن يتحملوا المسؤولية الشخصية عن هذه الإخفاقات التي وصفها بالخطيرة. تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا شلت يد لجنة فينوغراد، عندما أمرتها بعدم الإشارة للمسؤوليات الشخصية خشية الغرق في متاهات قضائية.

ويبدو أن الأسبوع المقبل سيكون حاسما على صعيد الجهات المتصارعة حول فينوغراد في إسرائيل، سواء أجبرت التحركات الشعبية المقررة الأحزاب، وخصوصا حزب «العمل»، على تغيير مواقفها أو جعلت تقرير فينوغراد من الماضي.

وبرغم ذلك، فإن استطلاعا للرأي بعد تقرير فينوغراد أظهر أن 56 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الإطاحة بأولمرت وأن 45 في المئة يؤيدون انسحاب وزير الدفاع ايهود باراك من الحكومة.

ومع ذلك فإن أبرز ما شدد عليه فينوغراد في تقريره هو خيبة الشعب الإسرائيلي من نتائج هذه الحرب. وقال إن الجيش واجه «تنظيما شبه عسكري مكوناً من بضعة آلاف من المقاتلين صمد في وجه الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، والذي يحظى بتفوق جوي مطلق ومزايا في الحجم والتكنولوجيا»، ولكنه «لم يوفر ردا فعالا لإطلاق الصواريخ، الذي تواصل كل أيام الحرب، حين ترك الكثير من السكان بيوتهم أو أقاموا في الملاجئ. لقد خرجت إسرائيل إلى حرب طويلة بادرت هي إليها، وانتهت من دون أن تنتصر بها إسرائيل بشكل واضح من الناحية العسكرية».

غير أن فينوغراد أشار إلى أنه «تحققت في هذه الحرب إنجازات فعلية أيضا»، لكن إسرائيل «لم تحظ بالإنجاز السياسي على أرضية إنجاز عسكري. فقد استندت إلى تسوية سياسية، كانت فيها حقا مزايا إيجابية، إذ كانت هذه تسوية أتاحت وقف القتال برغم أنه لم يتم حسم المعركة».

وأشار التقرير، إلى أنه كانت «لحرب لبنان الثانية إنجازات سياسية فعلية: قرار مجلس الأمن ,1701 الذي اتخذ بالإجماع، يشكل إنجازا لدولة إسرائيل». وأوضحت اللجنة أنه «من ناحية رئيس الحكومة ووزير الدفاع (آنذاك عمير بيرتس)، فإن اتخاذ القرار 1701 لم يكن مجرد قرار سياسي في إطار صلاحياتهما، بل إن اتخاذه شكل استمرارا مطلوبا لعملهما طوال الحرب كلها».

وعاد أعضاء اللجنة وأوضحوا في التقرير أنهم ليسوا شركاء في التقدير بأن إسرائيل خسرت الحرب، برغم أنهم كانوا أيضا ضد محاولة عرض الحرب كانتصار وأنه لم تكن فيها إنجازات مهمة. وقال هؤلاء إن محاولة اعتبار الحرب انتصارا غير مجدية «لأن مثل هذا التقليل من القصورات والعيوب يجرم في حق الحقيقة». وقررت اللجنة أن استمرار تعرض البلدات الإسرائيلية للقصف الصاروخي «عبر عن فشل أساسي وخطير في إدارة الحرب» التي لم يتقرر لها سلفا عند اتخاذ القرار بشنها، خطة للخروج منها.

وجاء في تقرير فينوغراد أن الجيش فشل بشكل قاطع وأنه تصرف في لبنان كجيش يخاف من وقوع خسائر في صفوفه. وأشار التقرير إلى أن «أهداف الخطوة العسكرية كانت مشروعة ولم يتم استنفادها، في محاولة تسريع التسوية السياسية أو تحسينها. لم يكن هناك فشل في القرار نفسه برغم محدودية إنجازاته ورغم ثمنه المؤلم» موضحا «فأهداف الخطوة البرية كانت مشروعة. لم يكن هناك فشل في قرار الخروج لهذه العملية ذاتها». وقالت اللجنة عن قرار العملية البرية إنها «وفرت لحكومة إسرائيل مرونة عسكرية وسياسية ضرورية. فقرار تحريك الخطوة البرية كان في إطار التقدير السياسي والمهني لمتخذيه، على أساس المعطيات التي كانت لديهم وقت اتخاذه».

وأشار فينوغراد إلى «أننا وجدنا إخفاقات وعيوبا خطيرة في عمليات اتخاذ القرار وفي العمل الأركاني، سواء لدى المستوى السياسي أو المستوى العسكري أو هامش الوصل بينهما. لقد وجدنا إخفاقات وعيوبا جدية في المستوى القيادي الأعلى في الجيش الإسرائيلي، وخصوصا في القوات البرية، في نوعية الاستعداد، في الجاهزية، في السلوك وفي تنفيذ القرارات والأوامر. ووجدنا إخفاقات وعيوبا خطيرة في المستوى السياسي والمستوى العسكري على حد سواء، بغياب التفكير والتخطيط الاستراتيجي. بل إننا وجدنا إخفاقات وعيوبا خطيرة في كل ما يتعلق بالدفاع عن الجبهة الداخلية وفي التعامل مع المساس بها». وشدد فينوغراد على المشاكل التي واجهت عملية اتخاذ القرار. «ومن كانت تقع على كاهله المسؤولية الصعبة باتخاذ القرار في هذه الأمور كان المستوى السياسي. واختبار مثل هذه القرارات هو فقط الاختبار الشعبي والحزبي. ومع ذلك، من الواجب الإشارة أيضا إلى أننا لم نجد تعاملا جديا في مداولات المستوى السياسي، المستوى العسكري والهامش الواصل بينهما مع السؤال: هل كان منطقيا توقع أنه في إطار الساعات الستين ستتحقق إنجازات تكون لها آثار، أيا كانت، على أي من أهداف العملية البرية؟».

وقال فينوغراد إن «حرب لبنان الثانية أثارت مرة أخرى للتفكير والنقاش قضايا آثر المجتمع الإسرائيلي تجاهلها. فليس بوسع إسرائيل البقاء في هذه المنطقة ولا يمكنها الوجود فيها بسلام أو بهدوء، من دون أن يؤمن فيها وفي محيطها بأن لإسرائيل زعامات سياسية وعسكرية، قدرات عسكرية ومنعة اجتماعية، تتيح لها ردع جيرانها الراغبين بالمساس بها ومنعهم ولو بالقوة من تحقيق هدفهم… إن محاولات تحقيق الســـلام أو التسوية يجب أن تتم من موقع قوة عســـكرية ومنعة اجتماعية وسياسية ومن منطــلق القدرة والاستعداد للمحــاربة من أجل الدولة، من أجل قيمها وأمن سكانها».

اعتراف اسرائيلي رسمي بالهزيمة

عبد الباري عطوان

النقطة الاهم في تقرير لجنة التحقيق الاسرائيلية حول حرب لبنان الاخيرة، هي الاعتراف، ودون اي لف او دوران، بان هذه الحرب شكلت اخفاقا كبيرا وخطيرا ولم تحقق من ورائها الحكومة الاسرائيلية اي مكاسب او انجازات.

هذا الاعتراف الصريح بالهزيمة، ومن قبل لجنة يرأسها القاضي (فينوغراد) وتضم في عضويتها خبراء عسكريين وامنيين، ونوابا، هو الرد علي الكثيرين، ومن العرب للأسف، كتابا ومسؤولين، الذين حاولوا التقليل من الانتصار الكبير الذي حققه رجال المقاومة التابعون لحزب الله عندما صمدوا لاكثر من اربعة وثلاثين يوما في وجه الجيش الاقوي في المنطقة، واستطاعوا ان يلحقوا خسائر كبيرة في صفوفه.

الكراهية العمياء للمقاومة الاسلامية، حجبت الحقائق عمدا عن الكثير من الكتاب و المحللين لدرجة الانحياز الي اسرائيل، والسخرية من انجاز عظيم لم تحقق مثله الأمة منذ قيام هذه الدولة علي ارض فلسطين قبل ستين عاما.

تقرير فينوغراد هذا تحدث عن الاخفاقات العسكرية، ولكنه لم يتحدث عن الآثار المدمرة، النفسية منها علي وجه الخصوص، علي المجتمع الاسرائيلي، فهذه هي المرة الاولي، ومنذ ستين عاما تنهمر الصواريخ بالآلاف (اربعة آلاف صاروخ في المجموع) علي المستوطنات والمدن في شمال فلسطين، في حيفا وطبرية وصفد والحولة، وتدفع اكثر من مليون اسرائيلي الي الهروب جنوبا للنجاة بأرواحهم.

انتصاران حققهما العرب في العامين الماضيين، الاول في جنوب لبنان، والثاني في غزة جنوب فلسطين، خففا من ضخامة الرصيد الكبير من هزائم النظام الرسمي العربي، وعززا من امكانية قلب معادلات القوة التي كانت تميل دائما لمصلحة الاسرائيليين.

انتصار لبنان انهي مرحلة كانت تدخل فيها الجيوش الاسرائيلية في اراضي العرب، وتلحق بهم هزائم قاصمة وسريعة في ايام معدودة، وانتصار غزة اثبت ان الارادة الشعبية اقوي من الحصار والصمت العربي الرسمي، اثبت ان هذه الارادة لا تقهر، وان من استطاع التفوق علي جوعه وقهره بتحطيم الحواجز في رفح، يستطيع في يوم ما، ولعله قريب، ان يقتحم حاجز ايريز والمستوطنات، والجدار العنصري، وكل رموز الاحتلال غير الشرعية علي الاراضي الفلسطينية.

المشكلة التي نواجهها هذه الايام تتلخص في ان مؤشرات الضعف وبداية الهزائم الاسرائيلية لا يقابلها صعود في مؤشرات القوة العربية، فما زالت الانظمة العربية مستكينة مستسلمة، ترضخ للاملاءات الامريكية، وتحرص علي عدم اغضاب الدولة الاسرائيلية.

ہپہپہ

الدول المحترمة ذات السيادة تستفيد من انتصاراتها، وتعرف كيف توظف هزائم الاعداء لتحقيق مكاسب سياسية، وتغيير معادلات، بل واتفاقات اقليمية، الا دولنا العربية، فقد عجزت عجزا تاما عن الاستفادة من انتصار المقاومة في جنوب لبنان، والاخطر من ذلك كانت الذراع الاعلامية للتقليل من حجم هذا الانتصار وتشويهه في اطار استراتيجية مدروسة بعناية تهدف الي تهشيم المقاومة بكل اشكالها، سواء كانت شيعية في لبنان، او سنية في فلسطين.

النظام الرسمي العربي اعاد استنساخ مبادرة السلام العربية في صيغتها القديمة، ومستجديا المسؤولين الاسرائيليين قبولها، وارسل الموفدين عن الجامعة العربية الي القدس المحتلة كرسل سلام تحت ذريعة شرحها، بينما الحقيقة كانت خطوة تطبيعية جاءت استجابة لشروط ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي، وتأكدت هذه الخطوة في الذهاب الي مؤتمر انابوليس الذي دعا الي عقده الرئيس الامريكي جورج بوش بعد اسقاط كل الشروط العربية الواحد تلو الآخر.

حكومة اولمرت ربما تكون قد نجت من الاستقالة، ولكن الزلزال الذي احدثته الهزيمة في لبنان في المجتمع الاسرائيلي ستبقي آثاره مستمرة لعقود طويلة، هذا اذا استمرت اسرائيل علي صورتها الحالية، فالاحتفال بالذكري الستين لقيام اسرائيل، الذي ستنطلق فعالياته بعد اشهر من الآن، سيكون ممزوجا بالمرارة والخوف والقلق، فالجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر، لم يعد كذلك، والجندي الاسرائيلي الذي كان فخر المؤسسة العسكرية الاسرائيلية هرب من غزة مكسورا، وتعرض للإذلال في لبنان مرتين، في الاولي عندما انسحب في عام الفين معترفا بعدم جدوي بقائه في الحزام الامني ، وفي الثانية عندما عجز عن التقدم كيلومترات معدودة في جنوب لبنان وانهاء المقاومة بالتالي.

ہپہپہ

حروب اسرائيل لم تعد ضد جيوش عربية تمثل انظمة ديكتاتورية قمعية فاسدة، تنفق مئات المليارات في صفقات اسلحة من اجل العمولات ولإنقاذ الصناعة العسكرية والاقتصاديات الغربية من الانهيار، وهذه هي نقطة التحول الرئيسية التي طرأت علي المنطقة، وكان من ابرز ثمارها تحطيم اسطورة دبابات الميركافا الاسرائيلية.

امن اسرائيل بات مهددا للمرة الاولي منذ قيامها قبل ستين عاما، والجيش الاسطوري لم يعد ضمانة لتحقيقه، ولا كل الممارسات الاخري من احتلال واستيطان وعقوبات جماعية، امن اسرائيل لا يمكن ان يتحقق الا بالسلام الحقيقي، وللأسف لا نري اي ارهاصات تنبيء به في وقتنا الحاضر.

هذا الاعتراف الكبير بالهزيمة يجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا، ونحن نري تعاظم المؤامرات علي المقاومة في لبنان، والمحاولات الدؤوبة لجرها الي مصيدة حروب اهلية استنزافية فما حدث اخيرا من اطلاق نار علي المتظاهرين في الضاحية الجنوبية هو أحد فصول هذه المؤامرات.

نخشي ان يستخدم لبنان كمصيدة لتوريط المقاومة في حرب جديدة، تكون الذريعة للهجوم الامريكي ـ الاسرائيلي علي ايران وسورية، بالطريقة نفسها التي استخدمت فيها الكويت، وربما بحسن نية، من اجل اصطياد العراق، وافراغ معاني صموده في الحرب مع ايران، وتدمير قدراته العسكرية.

اسرائيل اليوم، وبعد هزيمتي لبنان وغزة، مع الفارق طبعا، هي غير اسرائيل قبلهما، وقد تحتفل في ايار (مايو) القادم بالذكري الستين لتأسيسها علي حساب الكرامة العربية والاسلامية في فلسطين، ولكننا نشك في انها ستحتفل بمئة عام علي قيامها اذا استمرت علي النهج نفسه، نهج الغطرسة والاستكبار والعقوبات الجماعية واحتلال ارض الغير

2008 الخميس 31 يناير

القدس العربي اللندنية

فينوغراد(نا)

حسام عيتاني

يكشف تقرير فينوغراد قصورا إضافيا في السياسة اللبنانية: لا وجود لجدول أعمال يعالج آثار حرب تموز 2006 من أي زاوية كانت. ما من جهة معنية بدراسة تلك الحرب وتقييم نتائجها، بالحد الادنى من الموضوعية، وتأثيراتها التي ما زالت قائمة بعد عام ونيف من وقف إطلاق النار.

ويكشف التقرير، في نظرة الى المرآة اللبنانية، أن السلوك العام هنا هو في السير على إيقاع جدول الأعمال الاسرائيلي المتعلق بتتبع عواقب الحرب.

وباستثناء إعلان حزب الله على لسان أمينه العام انه أنجز دراسة وقائع الحرب وما ظهر خلالها من نقاط ضعف أو قوة على بنيته العسكرية، فإن أحدا في الجمهورية اللبنانية لم يكلف نفسه عناء التدقيق في ما وقع من أحداث جسام طوال 33 يوما من الجحيم الذي لف البلاد من أقصاها الى أقصاها. ليس المقصود هنا المطالبة بكشفٍ بعدد الشهداء أو الجسور المدمرة أو المدارس التي استهدفها الطيران المعادي. بل ان أكثر ما يبرز في السياق هذا غياب معيب لأي منهجية في التعاطي مع كارثة أصابت لبنان، بغض النظر عن الوصف الذي أطلقه عليها قضاة لجنة التحقيق الاسرائيلية.

ويصبح تافهاً ذلك السجال حول طبيعة النتيجة التي تمخضت الحرب عنها، أهي انتصار أم هزيمة، حيث لم يحدد لبنان اية أهداف لتحقيقها عند اندلاع القتال ليصح بعدها تقييم الحرب عبر النظر في النتائج. هذا الى جانب غياب أي جهة سواء في المجتمع المدني أو في مؤسسات الدولة، يمحضها اللبنانيون ثقتهم للوصول الى تشخيص دقيق لما أسفرت الحرب عنه على دولتهم وعلى أمنهم.

ومن غرائب الدهر أن يحتفل لبنانيون بالانتقادات الموجهة في تقرير اللجنة الى الجيش الاسرائيلي من دون أن ينتبهوا الى أن جيشهم لم يتقدم خطوة واحدة منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم على طريق تولي مسؤولياته في الدفاع عنهم، أكان لناحية التخطيط أو التجهيز أو البنية اللوجستية. الانتشار العسكري اللبناني في الخطوط الامامية قرب الحدود يبقى رمزيا جدا في ضآلة الادوات الكفيلة بجعله عملا عسكريا، بمعنى الاستعداد للتصدي لعدوان خارجي، وليس عملا بوليسيا أو «مكافحا للارهاب».

وتبدو مدهشة التصريحات التي أطلقها مسؤولون لبنانيون أشاروا الى نقاط نقص في التقرير الاسرائيلي الذي أغفل الحديث عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي أثناء الحرب. واذا كانت اللهجة العامة التي حكمت التقرير تمثل توجيها «إصلاحيا» يبتغي تصحيح الأخطاء في الحروب المقبلة وعدم استعداد المجتمع والمؤسسة السياسية الاسرائيلية لتحمل عبء حرب جديدة لا تنتهي بانتصار حاسم وواضح النتائج، فمن باب أولى أن تُهمل اللهجة ذاتها أي إشارة تحمل إشارة الى ممارسات تقع في إطار جرائم الحرب ارتكبها الجنود والضباط الذين نالوا تقريظا ومديحا من اللجنة يعادل اللوم والتقريع اللذين أصابا المستويات الأعلى من القيادتين العسكرية والسياسية. بهذا المعنى، لا يحمل التقرير درسا في التزام القيم الاخلاقية عند خوض القتال، بل درسا مختلفا تماما عن كيفية إدارة الحروب المقبلة والانتصار فيها.

كل هذا يبقى ضمن قدرة لبنان على الاحتمال مقارنة بما كشفته الحرب من رثاثة القوى السياسية المختلفة التي يصح القول انها أضاعت فرصة تاريخية، في أعقاب الحرب لإعادة تشكيل الانتظام السياسي اللبناني. وهي ثاني فرصة من الوزن ذاته يخسرها لبنان في أقل من عامين. فبعد تظاهرة 14 آذار ,2005 ظهرت بوادر تشكل وطنية لبنانية تقوم على تقديم مفاهيم الدولة والاستقلال والحرية والالتزام في الوقت ذاته بالدور اللبناني في القضايا العربية. عوامل عديدة أضاعت الفرصة هذه. وفي نهاية صيف 2006 كان من المعقول الحديث عن مناخ مؤات للقاء وطني جديد يحمل قيما مشابهة.

غير أن «الثورة» في 14 آذار و«الانتصار» في 14 آب اندغما لتأكيد عجز أصيل عن استثمار مناسبات يدفع اللبنانيون أثمانا باهظة للوصول اليها، لكنهم يسارعون الى إضاعتها بلا تبصر. فلا سياسة بين «الأهل» بل عصبية وتناحر وهويات متــورمــة تلقــي بالــسياسة والاختلاف البديهي الذي تتضمنه وتسعى الى إدارته الى خارج سياق العلاقات الاهلية.

ربما كانت قوى 14 آذار تحمل مسؤولية كبيرة في إضاعة الفرصة التي شكلتها حرب تموز. ولعله من سوء الطالع أن يعادل سخف البيان الذي أصدرته 14 آذار في أعقاب التوصل الى وقف لإطلاق النار في حرب صيف ,2006 غباء البيان الذي صدر مساء الاحد للتعليق على أحداث الشياح ـ مار مخايل، من دون أن يعفي ذلك قوى اخرى من تبعات أدوار أدّتها وخطوات اتخذتها كان في الوسع تفاديها أو تدارك أهوالها.

قراءة “لبنانية” أولية للهزيمة الإسرائيلية في الحرب

طلال سلمان

لن تكون لتقرير لجنة فينوغراد عن الحرب الإسرائيلية على لبنان (12/7 ـ 2006814) قراءة موحدة في هذا الوطن الصغير، وقد كان خلالها الضحية والذي تجيئه الآن «الشهادة» بأنه قد خرج منها منتصراً

سيظهر بين محترفي السياسة والمتعيّشين على الإثارة الطائفية والمذهبية من هو أكثر تعصباً لرئيس حكومة «العدو» الإسرائيلي ووزير دفاعه ذي المنظار المسدود الفتحتين، من أهل بيتيهما، فضلاً عن محازبيهما والأنصار. وقد تتبدى في تعليقات بعض الذين دخلوا السياسة من بوابة الحروب الأهلية نبرة غضب، من هذه التزكية المعنوية العلنية لكفاءة قيادة المقاومة في لبنان، ولصدقها، ولقدرات مقاتليها الذين جاهدوا وصمدوا ببسالة حتى أفشلوا الحرب الإسرائيلية بعد ثلاثة وثلاثين يوماً بلياليها الدموية الطويلة. يحتاج التقرير، بطبيعة الحال، قراءة متأنية في العرض الموسع الذي قدمه للقرار بالحرب ثم للنتائج التي انتهت إليها… لكن ما يمكن الإشارة إليه بسرعة هنا: 1 ـ إن الحكومة الإسرائيلية قررت الحرب لأنها تتلاءم مع أغراضها السياسية. 2 ـ كان هناك فشل، منذ القرار الأوّلي وحتى نهاية الحرب، واستمر التخبط، ولم تكن هناك مداولات، وكان ثمة تأخير في اتخاذ القرار بالعملية البرية الواسعة. 3 ـ كان هناك خلل كبير في الجيش بمختلف أجنحته. 4 ـ فشل في الإدارة تتحمله القيادة السياسية والعسكرية ونقاط التماس بين القيادتين. 5 ـ لم يكن للرؤساء سيطرة في حرب بادرت إليها إسرائيل بنفسها ولم تنتصر فيها. 6 ـ إن مقاتلي «حزب الله» قد صمدوا أسابيع عدة أمام أقوى قوة في المنطقة، واستمروا في إطلاق صواريخهم ضد أهداف في فلسطين المحتلة دون أن توفر إسرائيل رداً فعالاً عليها. 7 ـ وجدت اللجنة فشلاً وتقصيراً على المستوى السياسي كما على المستوى العسكري. 8 ـ لم يتوفر عمل قيادي موحد، وبالتالي لم تؤمن حماية السكان من الصواريخ. 9 ـ لم تحقق العملية البرية أهدافها، ولم توقف إطلاق الصواريخ، برغم الكلفة الهائلة التي تكبدها الجيش. 10 ـ لم يكن ثمة عمل قيادي منظم، ولم تحظ إسرائيل بأية إنجازات سياسية أو عسكرية خلال الحرب. 11 ـ ضرب المدمرة الإسرائيلية في البحر، قبالة شواطئ بيروت ألقى ظلاله السوداء على سلاح البحر بكامله. 12 ـ كانت لدى القيادة أضغاث أحلام، والإنجازات تآكلت جميعاً بسبب الفشل. هذا يعني أن كل ما قالته قيادة «حزب الله» منذ الساعة الأولى وحتى الطلقة الأخيرة في هذه الحرب الإسرائيلية كان صحيحاً: القرار فيها كان إسرائيلياً مئة في المئة (من المفيد الإشارة إلى أن التقرير لم يتوقف كثيراً عند خطف الجنديين، وهي الذريعة التي استخدمتها إسرائيل، واستخدمها بعض المسؤولين العرب، أكثر، لتبرير الحرب..). وهذا يعني أن قرار الحرب، إسرائيلياً، كان جاهزاً، وبالتالي كان بالإمكان استخدام أية ذريعة أخرى غير خطف الجنديين، لشنّها. ولقد «اختارت الحكومة الإسرائيلية ما يلائم أغراضها السياسية» برغم أنه كان ممكناً «توجيه ضربة سريعة غير متوقعة أو عملية عسكرية واسعة في الجنوب».. اللافت بعد العرض التفصيلي لمجريات الحرب والأخطاء السياسية والعسكرية فيها، أن اللجنة تتوقف أمام القرار 1701 (الذي أصدره مجلس الأمن الدولي) على أنه إنجاز خطير لدولة إسرائيل! [ [ [ لقد أضاع محترفو السياسة، بمعناها المبتذل، على اللبنانيين أن يعيشوا نشوة هذا الانتصار التاريخي، ولو من خلال صورته على «المجتمع الإسرائيلي» الذي ما زال يعاني من ارتجاجات سياسية وعسكرية مؤثرة جداً على قدراته، وعلى قوة الجذب التي يتمتع بها لاستدراج مستعمرين جدد إلى الأرض الفلسطينية المحتلة… وهم سيكونون جنوداً في أية حرب إسرائيلية جديدة ضد لبنان أو أي بلد عربي آخر. كما أضاع المرعوبون من قوة إسرائيل الأسطورية، على مستوى القيادة العربية، فرصة الإفادة من هذا النصر الاستراتيجي لتحسين شروط «التسوية» عموماً، واستنقاذ بعض الحقوق الوطنية لشعب فلسطين في أرضه. وهكذا فقد حوّل التحالف الجهنمي بين الخائفين من النصر، في الداخل وفي المحيط العربي، هذا الإنجاز التاريخي لقيادة «حزب الله» ومجاهديه إلى «تهمة» بل إلى «جناية» لا بد من التبرؤ من «مرتكبيها» حتى لا يعاقبنا السيد الأميركي الذي سرعان ما تصرف دون ورع أو خوف من افتضاح أمره، على أنه هو صاحب القرار بالحرب… ولعل هذه الحقيقة بين ما يفسر اكتفاء لجنة فينوغراد بتوصيف الموقف وتحديد مواقع الأخطاء والارتباك والارتكاب الفاحش للأغلاط العسكرية.. فلو أعلنت الحقيقة كاملة لتوجبت محاسبة الإدارة الأميركية قبل محاسبة حكومة أولمرت الإسرائيلية: أفلم تعلن كوندليسا رايس من القدس المحتلة أن الحرب ستستمر، برغم المذبحة (مجدداً) في قانا، والتي ذهب ضحيتها عشرات الأطفال والنســاء، مما دفع بالمسؤولين في لبنان إلى الطلب إليها إلغاء قدومها إلى بيروت، لأن أحداً لن يجرؤ على استقبالها؟! … ولأنها حرب أميركية فهي قد استمرت، في لبنان، بوسائل أخرى: إذ صار التركيز على زيادة الانشقاق داخل السلطة، مما أدى إلى خروج «أهل الانتصار» من الحكومة، تمهيداً لأن تبدأ على المنتصرين حملة شعواء لم تتعفف عن استخدام أي سلاح، بما في ذلك الطائفية والمذهبية، لتشويه الانتصار وتسخيفه، وتقديم الصراع على السلطة عليه بعد إلباسها رداءً طائفياً يستنفر تجــار المذهبية في المنطقة عموماً ضد مبدأ المقاومة، دون تخــوّف مــن أن يؤخذوا بشـبهة مناصرة العدو الإسرائيلي… ولولا هذا الحَوَل السياسي لما كانت الأزمة في لبنان قد استمرت طوال هذا الوقت، ولما كانت الحلول قد تعقدت، ولما كان «الشارع» يعيش حالة الاحتقان التي تسببت وسوف تتسبب في تفجرات دموية تصيب الجيش بقدر ما تصيب «جمهور المقاومة» الـذي يحفظ للجيش وقيادته التقدير العالي لموقفه من الحرب الإسرائيلية، لا سيما أنه قد دفع عشرات الشهداء فيها. في أي حال، فلن تتأخر ردود الفعل على هذا التقرير الإسرائيلي، طويلاً، وهي لن تكون إسرائيلية فحسب، بل ستكون ثمة ردود فعل عربية بالتأكيد، ربما تأخرت عن موعدها، وربما جاءتها ـ مع هذا التقرير ـ اللحظة المناسبة لرفع الصوت بالموقف الصحيح الذي تعذر إعلانه من قبل.

*نقلاً عن صحيفة “السفير” اللبنانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى