نكات العراقيين
محمد عارف
تقول نكتة عراقية إن أحدهم سأل صديقه: “شنو أخبار الوالد؟”… ثم تذكر أن والد صديقه ميت، فاستدرك بسرعة: “بعده بنفس المقبرة”؟!.. هذه أخبار العيد في العراق، حيث تذكر بطاقات التهنئة المرسلة عبر الإنترنت: “كل عام وأنتم بخير… تهانينا بالديمقراطية الأميركية التي منحتنا انتخابات حرة نزيهة فازت فيها فرق الموت، وكتبنا دستوراً عظيماً سنته المرجعية الإيرانية، وتخلصنا من مليون مواطن زائدين عن الحاجة، وغادر البلد ثلاثة ملايين سايح في دول الجوار“!
ويقاوم العراقيون بالنكات والسلاح قوات الاحتلال، حيث تذكر نكتة عن سكان حي “الفضل”، وهو من أشرس مراكز المقاومة في بغداد، أن أحدهم اتصّل هاتفياً بالرئيس بوش، وقال له: أحب أبلغك بإعلاننا الحرب على أميركا. سأل بوش: ممكن أعرف حضرتكم؟ قال: “حضرتنا أبو جاسم، وأبو علوان، وأبو ناصر… وكل شباب مقهى الفضل، يعني أربعمائة شخص تقريباً”. علّق بوش ضاحكاً: “عيني أبو جاسم… عندي مليونا جندي ومرتزق أميركي وعراقي”!.. قال أبو جاسم: “هذه معلومة جديدة تحتاج مشاورات”. واتصّل في اليوم التالي ليخبر بوش: “الشباب قرروا إرجاء إعلان الحرب على أميركا”. سأله بوش بسخرية: “ها… خفتم”؟!.. أجاب: “لا، ما خفنا… بس ما عندنا مكان يوسع مليوني أسير“!
وتسخر نكات عدة من المتعاونين مع الاحتلال، منها نكتة يُقال إن راويها محمود عثمان، المشهور بالنكات، وهو عضو البرلمان عن التحالف الكردستاني. تذكر النكتة أن مسؤولاً حضر متأخراً عن الموعد المقرر لاجتماع في “المنطقة الخضراء”، ومنعه حرس شركة “بلاك ووتر” من الدخول، بدعوى أن الكلب الذي “يشمّ” المسؤولين نائم!.. وعندما طلب المسؤول أن يفتشه حرس “بلاك ووتر” بدلاً من الكلاب أخبره الحارس: “تفتيش المسؤولين من اختصاص الكلاب”!.. وتعلّق نكتة أخرى على تراجع الحكومة عن قرارها وقف عمليات شركة “بلاك ووتر” التي اغتال حرسها مئات العراقيين. تقول النكتة إن فأراً عراقياً كان يعلن متباهياً أمام جماعته: “كل القطط تحت حذائي”، فالتفت خلفه ورأى هراً أميركياً أسود فقال: “بس أبو سمره على رأسي“!
مؤلفو النكات مجهولون، لكنها تُعبِّر عن روح التسامح في المجتمع العراقي الذي تتعايش فيه وتتزاوج القوميات والمذاهب، وحتى الأديان المختلفة!
وتروي نكتة مضحكة مبكية عن عثور مراسل “الفضائية العراقية” على أربع جثث في الشارع، فصوّرها مع التعليق: “هذا أكبر رد على دعايات الإرهابيين المغرضة، فالدنيا أمان والناس ينامون بالشوارع”! وتتحدث نكتة أخرى عن إذاعة قوة الشرطة السيّارة: “تهنئة بالعيد من دوريات التنبيه الليلي… نأسف لإزعاجكم… وننصحكم بالسفر إلى الخارج تطبيقاً للشعار الجديد: “هذا الوطن نبيعه، وننهزم سنّة وشيعة”. وتذكر نكتة عن شبكة الهاتف الجوّال “عراقنا” أن رسالتها الجديدة: “الرقم المطلوب قد يكون مهاجراً أو داخل نطاق المقبرة، يرجى التأكد من الرقم وقراءة سورة الفاتحة“!
وتنقل نكتةٌ التصريح التالي عن مسؤول عالي المقام للصحفيين: “إن سبب سوء الأوضاع وجود العراقيين. بسْ يموتون… شوفوا الوضع شلون يتحسن”! وتنتقد نكتة أخرى الفساد العام، حيث تذكر أن فتاة شكت لأشقائها معمّماً من أدعياء الدين يتحرش بها عندما تذهب للمدرسة. وترّصده الأشقاء، وتأكدوا من صدق قولها، و”كسروا عظامه”. اعتقلتهم الشرطة، واعتقلت معهم سائق تاكسي انضّم إليهم في ضرب المُعمّم. وعند استجواب سائق التاكسي عمّا إذا كان المُعمّم تحرش بشقيقته أيضاً؟ أجاب: “لا، بسْ تصورت الحكومة سقطت“!
ومؤلفو النكات مجهولون، كمؤلفي حكايات “ألف ليلة وليلة” التي تُعتبر من عيون تراث الأدب العالمي في الدعابة والهزل. وتُعبِّر معظم النكات عن روح التسامح في المجتمع العراقي الذي تتعايش فيه وتتزاوج القوميات والمذاهب، وحتى الأديان المختلفة. وتعجبني نكتة عن زوجين من مذهبين مختلفين، تذكر أن الزوجة العصبية المزاج قالت لزوجها: “يا ريت تزوجت إبليس ولا تزوجتك”! قال الزوج: “لا، عيني… ما يصير الأخ يأخذ أخته“!
وتُنسب النكات لسكان مناطق وعشائر مختلفة، وفق المناسبة، أو ربما حسب انتماء راويها. لكنّ معظم النكات تقوم بوظيفة اجتماعية في النقد والنقد الذاتي، وتخفيف التوترات بين المكونات المختلفة للمجتمع العراقي. فهناك نكات مشتركة عما يقال عن سذاجة الأكراد، وسكان منطقة الدليم غرب العراق، ومنها نكتة تذكر أن الأكراد والدليم شاركوا في حفر قبور، ومات أثناء الحفر سبعة أكراد، دُفنوا في القبور. وانزعج الدليم جداً، وشكوا من أن “الأكراد راح يملؤون المقبرة على الحاضر… ونحن قاعدين نتفرج“!
ونكتة عن دليمي مصاب بالسمنة أوصاه الطبيب بالمشي يومياً عشرة كيلومترات، فاتصل بعد شهرين هاتفياً بالطبيب، وقال له: “دكتور وصلت عَرْعَرْ بالسعودية… أرجعْ… أو أستمرْ”؟.. وتروي نكتة أخرى عن طبيب أخبر المريض بأن الأشعة كشفت عن إصابته بسرطان في الدماغ، فقال المريض: “يا ساتر… منين جاءني الدماغ”؟!
وتذكر نكتة عن انتشار مرض أنفلونزا الطيور أن حماراً هرب من شمال العراق، فسألوه عن سبب هربه؟.. فقال إنهم يذبحون الطيور بكردستان. سألوه: “وشنو دخلك أنت بالطيور؟”، أجاب: “تعال فهمهم هذا”!.. ونكتة ظريفة عن جندي مدفعي بالحرس الوطني أمره الضابط: “من يغادر الطيارة الرئيس جلال الطالباني… أضرب واحد وعشرين طلقه”. سأل الجندي: “وإذا صوّبته بأول طلقه… أكمّل الباقي؟“.
وأعتذرُ عمّا قد يجده القراء العرب من صعوبة في فهم بعض النكات بسبب اللهجة العراقية، كما أعتذر من العراقيين عن “تهذيب” لغة بعض النكات لتكون بمتناول أشقائهم العرب. ويصعب ربما فهم نكتة عن رجل أعمال من مدينة الموصل طلبت منه سلطات الاحتلال التبرع لبناء سياج للمقبرة، فقال: “ليش؟! يا يوم سمعتم ميتين ينهزمون من المقبرة”؟! فهذه النكات المألوفة للعراقيين تداعب سكان الموصل حول ما يقال عن شدة حرصهم، واقتصادهم في النقود.
وتعجبني نكتة عن “مصلاوي”، كما يُسمى مواطن الموصل، دفعه حرصه على الاقتصاد بالكهرباء إلى أن يعلق يافطة على باب منزله تقول: “لا تدقوا الجرس… أنا أفتح الباب كل 5 دقائق”! وتذكر نكتة أخرى عن الحرص في استخدام المياه أن أهل الميت وجدوا في وصيته ملاحظة تقول: “لا تغسلوني، آني غاسل”!.. وعلى الرغم من مبالغة بعض النكات، أو ربما بفضل مبالغتها يصعب مقاومة الضحكة عندما نقرأ نكتة عن “مصلاوي” سقط من سطح المنزل، وصرخ بزوجته التي كانت تتطلع إليه هلعة من شباك المطبخ: “لا تحسبين حسابي على العشاء“!
ولا يتسع المجال لرواية نكات أميركية أعاد العراقيون صياغتها، وبعضها عنصري رديء، لكن إعادة صياغتها بشكل معكوس جعل الضحكة الأخيرة للعراقيين. وأختتم هنا بنكتة تحطم القلب عن عفوية العراقيين في التحايل على التبليغ بالأخبار السيئة. تتحدث النكتة عن شخص أراد تبليغ زوجة صديقه بوفاة زوجها بحادث سيارة، فقال لها “زوجك خسر فلوسه بالقمار”. قالت الزوجة: “إن شاء الله يخسر عمره”. واستطرد الصديق: “واضطر يبيع البيت”. فزعقت الزوجة: “الله يضيّع حياته”. وأضاف: “وتزوّج عليك مرة ثانية”. فصرخت: “يا رب أشوفه ميت”!.. فهتف الصديق: “يا شباب… دخلوا المرحوم“.