جديد قديم في الرسائل السورية إلى القيادات
القنوات الثنائية تزاحم المؤسّسات على دمشـق
روزانا بومنصف
تتبع دمشق اسلوبا في توجيه الرسائل الى الزعامات اللبنانية يتسم حتى الآن ظاهريا بواقع ان سوريا استوعبت ما حصل بينها وبين لبنان قبل اربعة اعوام، فلا تتحرك ديبلوماسيتها في لبنان على نحو يمكن ان تُرمى من الخارج الذي لا يزال يراقبها بقوة باي اتهام، بل تضع هذه الديبلوماسية جانبا وتوظف خطوطا جديدة قديمة على قاعدة تحرك سياسي من خلال اللبنانيين انفسهم.
فان يعود سياسيون لبنانيون الى اداء ادوار بديلة من تلك التي كانت تضطلع بها سوريا عبر مسؤوليها في لبنان خلال مرحلة الوصاية، امر لا ينظر اليه على انه يخرج عن ارادتها او عدم وجود دفع من جهتها، وهو يفيد على نحو واقعي بان سوريا بدلت في الاسلوب لكنها لم تبدل في الجوهر. اذ يعتقد كثيرون انها تنتظر الفرص كي تعود الى عهدها السابق مع لبنان، ان لم يكن عبر وجودها العسكري المباشر، لان هذا الامر اصبح صعبا وفقد اي تغطية سياسية محلية وخارجية، فانما عبر محاولتها استعادة الكثير من مواقع السلطة عبر حلفائها واعادة اللبنانيين الى حضنها السياسي مجددا.
هذه على الاقل الانطباعات التي تتركها حركة سياسية من جانبها في اتجاه سياسيين لبنانيين لدى غالبية الاوساط السياسية الحليفة لها وغير الحليفة وان يكن ذلك لا يحظى بتعليقات علنية رغبة في عدم تصعيد الوضع او احراج اي من المواقع او المراجع الرسمية.
وقد استأثرت الحركة السياسية التي وجهتها سوريا نحو لبنان بكل الساحة الاعلامية في لبنان وخارجه الى درجة حجبت الاهتمام السياسي والاعلامي على حد سواء بمؤتمر لحركة “فتح” في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الاول لها منذ عشرين عاما، ولم يحظ بأي تعليق مهم او بأي متابعة لافتة.
ولا تنفي مصادر سياسية معنية ان سوريا احسنت اللعب في مرحلة ما بعد الانتخابات التي اعتبرتها مفصلية، فبعدما كانت تراهن بقوة على اعادة الشرعية الى فلكها عبر فوز حلفائها بالاكثرية النيابية واخفقت في الحصول عليها، عجلت وتيرة السعي الى استقطاب الزعامات اللبنانية عبر عرض استعدادها لدى بدء عملية تأليف الحكومة، لاستقبال مؤتمر مصالحة لديها على غرار اتفاق الدوحة كي تعود وتكرس نفسها مرجعية بالنسبة الى اللبنانيين امام الخارج، ثم وجهت دعوات شخصية على اساس ان ابواب دمشق مفتوحة امام اللبنانيين الذين يرغبون في زيارتها على ما يكرر بعض حلفائها، علما ان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان سعى ولا يزال الى ارساء العلاقات بين لبنان وسوريا على اسس صحيحة، فيما ان الاستقبالات الثنائية التي حصلت حتى الان تتجاوز مبدا احترام موقع الرئاسة الاولى واستئذانها او عدم الالتفاف عليها.
ولا ينفي احد من اللبنانيين في موقع المسؤولية او خارجها اهمية العلاقات الصحيحة والمتوازنة مع العاصمة السورية، لكن السؤال الذي يطرحه كثر هو عن المبررات التي قد تدفع اللبنانيين الى فتح قنوات ثنائية غير قنوات المؤسسات الدستورية او الرسمية او من خارجها، باعتبار ان التبدل في المواقف الذي اعلنه النائب وليد جنبلاط فتح الباب امام تساؤلات او بالاحرى امام تكهنات عن استعدادات لاطراف اخرين لا تخرج حتى الان عن اطار الشائعات في المبدأ من اجل اظهار التبدل نفسه، علما ان الاطراف المعنيين يقولون ان ما يثار في هذا الشأن هو لاظهار الوسط السياسي اللبناني ساعيا بجميع اركانه الى اعادة وصل ما انقطع مع دمشق نظرا الى ان متغيرات كثيرة طرأت واعادت الى العاصمة السورية دورها ومرجعيتها.
مثار السؤال عن هذه المبررات ينطلق من واقع ان الابواب الخارجية لم تفتح امام العاصمة السورية على نحو ملائم حتى الان وان هذا الانفتاح لا يزال مشروطا ومحدودا، وان تكن دمشق تحاول ايحاء النقيض بناء على اخطاء ارتكبت او انفتاح متسارع بدا في غير محله، في حين لا تزال تخضع اي خطوة تقدم اليها من دول كبرى الى مقايضة للحصول على تنازلات منها وفق الاسلوب نفسه الذي تعتمده هي، اي المطالبة بثمن في مقابل اي طلب بالتسهيل او اي امر اخر، اما مكسب سوريا فسيكون كبيرا عبر شق قوى 14 اذار وتضييع المكسب الذي تحقق بنيل الاكثرية في مجلس النواب بما سمح لمسؤولين في “حزب الله” واخرين بأن ينفوا وجود اكثرية لدى الاكثرية.
فهناك واقع انفتاحي على سوريا لا يمكن نكرانه ومحاولة لاستدراجها الى دور بناء في المنطقة على خلفية طموحها الى معاودة المفاوضات السلمية بينها وبين اسرائيل وامساكها باوراق تسعى الى توظيفها على مستويات عدة، الامر الذي تثق دول كثيرة بانه يعبر عن رغبة صادقة لديها في اتجاه اتفاق سلام، وان يكن التجاوب الاسرائيلي مع الجهود التي تبذل من اجل ذلك هو الذي سيضع التجربة على محك اثبات الجدية في الذهاب الى الاخر في هذا الاطار، وذلك بصرف النظر عن اي تطور على المسار الفلسطيني – الاسرائيلي على ما يوحي المسؤولون فيها للزوار الاجانب، وكذلك استعدادها للتجاوب من جانبها في النقاط المطلوبة منها اقليميا والمتعلقة بـ”حماس” و”حزب الله”.
وهذا لا يعني بالنسبة الى المصادر المعنية، اغفالا لمسؤولية الزعماء اللبنانيين في هذا الاطار بل على النقيض كلياً، اذ ان فهم مبدأ تأمين حماية الاقليات مفهوم وغير مفهوم في الوقت نفسه باعتبار انه سبق لافرقاء مسيحيين ان روجوا لهذا المبدأ في معرض تحولهم الجذري ايضا في خضم المعركة من اجل استكمال السيادة والاستقلال. وفي حال الاقليتين المسيحية والدرزية اخيرا فان سوريا هي الضامن في حين يجب ان يشعر الشركاء الآخرون في لبنان، اكانوا من الطائفة السنية ام من الطائفة الشيعية، بالاستياء من واقع الخوف او التخويف منهم بدل الاطمئنان إليهم. ففي الحسابات السياسية تثير هذه المخاوف حساسيات كثيرة مثلما تعزز الانطباع عن انزلاق لبنان مجددا الى حضن سوريا وتعزيز اوراقها على حسابه في حين يسمع المسؤولون فيه ليلاً نهاراً تأكيدات لعدم السماح باي تسوية او حل على حساب لبنان.
النهار