صفحات سوريةما يحدث في لبنان

ما هو الثمن السياسي الذي تطلبه سوريا لإزالة العراقيل؟

null
اميل خوري
هل يمكن القول ان النظام السوري البارع في اضاعة الوقت ولعبة المناورة قد نجح مرة أخرى في جعل التكليف يتم قبل التأليف لأنه خبير في لعب اوراقه، كما ضلّل من قبل فرنسا بان طلب منها اقناع البطريرك الكاردينال صفير وضع لائحة بأسماء المرشحين للرئاسة الأولى مع تحميله مسؤولية نشوء ازمة انتخابات رئاسية اذا لم يضع هذه اللائحة، وعندما وضعها طارت كل الاسماء الواردة فيها لأسباب شتى، الى ان صار الاتفاق في مؤتمر الدوحة وبعد ازمة استمرت ستة اشهر على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية كونه توافقياً ولا ينتمي الى أي حزب او تكتل.
لقد كان مطلوباً لو ان النيات كانت سليمة وصافية وطريق التقارب السعودي – السوري سالكة وآمنة ان يبدأ الاتفاق على تأليف الحكومة قبل التكليف المعروف انه سيكون لزعيم الغالبية وهو النائب سعد الحريري، حتى اذا ما صار الاتفاق على الخطوط الكبرى لعملية التأليف سواء ما يتعلق بالاسماء التي تمثل القوى السياسية الاساسية في البلاد وما يتعلق أيضاً بالحقائب حتى اذا ما صار اتفاق على ذلك، يصدر عندئذ مرسوم تكليف النائب سعد الحريري تشكيل حكومة تكون شبه مؤلفة، ولا يحتاج الأمر الى اخذ ورد كما هو حاصل حتى الآن وكان في الامكان ان تصدر مراسم تشكيلها خلال اسبوع واحد.
لكن ما حصل هو عكس ذلك فالنظام السوري لا يناسبه ربط الاتفاق على التأليف بالتكليف. بل يريد ان يقبض اولاً ثمن قبوله تكليف النائب سعد الحريري تشكيل الحكومة، ولا يعترض على ذلك كما كان يخشى نظراً الى التباعد بينه وبين هذا النظام بسبب اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فاعتبر القبول بتكليفه، خطوة ايجابية واظهاراً لحسن نية… ولكن ما ان بدأت عملية التأليف حتى كشف النظام السوري اوراقه واخذ يرميها واحدة تلو اخرى. ولكل منها ثمن. فكانت الورقة الاولى بعد التكليف ان يقوم الرئيس المكلف سعد الحريري بزيارة دمشق، كي يكون لهذه الزيارة معان كثيرة، منها ان النائب سعد الحريري يزور الدولة التي اتهمها ولو سياسياً باغتيال والده، وكأنه يتراجع ولو ضمناً عن هذا الاتهام، ومنها ان الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري يتم تأليفها في سوريا وليس في لبنان وكأنها لا تزال وصية ولو بصورة غير مباشرة عليه.
وعندما لم تنجح لعبة توريط الرئيس المكلف بزيارة دمشق قبل التأليف، فإنها اكتفت بضمان حصول هذه الزيارة بعد التأليف. لكن سوريا لم تشأ رغم ذلك تسهيل عملية التأليف قبل ان تحقق ما تريد بالضغط حيناً والمساومة حيناً آخر، فجعلت الخلاف يبدأ على توزيع الحصص الى ان صار اتفاق على ان يتم على أساس 15 + 10+ 5 وليس على أساس 16 + 9 + 6. وبعد التوصل الى اتفاق على قاعدة توزيع الوزراء بين الاكثرية والاقلية والرئيس سليمان، انتقل الخلاف حول الاسماء وظلت حركة “أمل” و”حزب الله” خارجه ليبقى محصوراً بـ”تكتل التغيير والاصلاح” باعتبار ان سوريا لا تمون على العماد ميشال عون رئيس هذا التكتل كما تمون على الآخرين في قوى 8 آذار وتركت له مجال التصعيد الكلامي ورفع سقف مطالبه بالقول انه يريد وزارة سيادية اما الداخلية واما الخارجية مع عودة صهره “جبران باسيل” الى وزارة الاتصالات حتى وان كان قد رسب في الانتخابات، لأن كتلة من 27 نائباً تدعم عودته… وبعد ان تنازل العماد عون عن عدد الوزراء الذي يطالب به وهو ستة بحسب حجم كتلته، فانه غير مستعد لأن يتنازل عن وزارة الداخلية ولا عن وزارة الاتصالات وعن اي وزارة سيادية اخرى وان احداً لا يستطيع من حلفائه في قوى 8 آذار ولا من سوريا ان يمون عليه ويجعله يقدم تنازلات جديدة بحيث يضع عندئذ الرئيس المكلف سعد الحريري بين خيارين: اما استجابة مطالب العماد عون او الحصول على رضاه بأي حل آخر او حمله على الاعتذار عن تشكيل الحكومة وهو اعتذار يشكل ضربة معنوية قوية للرئيس المكلف. وهنا تجد سوريا ان الثمن الذي تطلبه لحلحلة هذه العقد يصبح مرتفعاً وقد يكون من الصعب دفعه، خصوصاً بعدما اضيفت اليها عقدة خروج النائب وليد جنبلاط المفاجئ وفي توقيت دقيق من قوى 14 آذار وما احدث من بلبلة ولو بدون انضمامه الى قوى 8 آذار ليس لأنه ضد خطها السياسي بل لأن انضمامه اليها يجعله ملحقاً بها بعدما كان ركناً من اركان قوى 14 آذار، فقرر ان يتموضع في الوسط بين القوتين، علّ هذا التموضع يجعل صوته وازناً في مجلس الوزراء تارة بوقوفه مع ممثلي قوى 14 آذار وطوراً مع ممثلي قوى 8 آذار او مع ممثلي الرئيس سليمان وذلك وفقاً للموضوع المطروح. وهذا يطرح سؤالاً لا جواب قاطعاً وحاسماً عليه حتى الآن هو: مع من يلتزم النائب جنبلاط في مجلس الوزراء ومن يضمن ذلك كي يحسب على حصة من في عملية التأليف، ولئلا يعود “الثلث المعطل” من خلاله ويعود التحكم بقرارات الأكثرية، الا اذا صار اتفاق مسبق على المواضيع التي لا تتم المصادقة عليها إلا بالتوافق ولا تطرح على التصويت.
ان سوريا البارعة في لعبة كسب الوقت، والمستفيدة من التقارب العربي ولا سيما السعودي منها، والانفتاح الأميركي عليها، جعلت من تشكيل الحكومة في لبنان ورقة ضغط ومساومة، فاما تقبض الثمن السياسي الذي تريد لازالة العراقيل الباقية من طريق تشكيلها، واما يدخل لبنان في ازمة وزارة مستعصية قد تتحول ازمة حكم يتمناها المتربصون بلبنان شراً.
هذه هي الأسباب التي حالت حتى الآن دون تأليف الحكومة بالسرعة التي كانت متوقعة وجعلت عملية التأليف تطول وتتعقد. فهل يكون لقاء الحريري – جنبلاط وعودة التحرك على طريق دمشق كافياً ليجعل حكومة الوفاق الوطني ترى النور قريباً.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى