ايران واسرائيل تتنافسان على المنطقة
د. أديب طالب
تمكنت ايران من تشكيل جبهة اقليمية؛ لإحكام وضع المنطقة في ظل هيمنتها اولاً وتوفير حماية وقائية سياسية وعسكرية، في مواجهة اي تهديد لتوجهها لحيازة الذرة والسلاح النووي، ومستلزمات وصوله الى اهدافه ثانياً. وامتلاك القدرة الصاروخية قريباً من الحدود الاسرائيلية شمالها وجنوبها ثالثاً. والحجة دائماً، مقارعة الشيطان الأكبر الاميركي، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية العربية الاسلامية التي “فرط” بها الحكام العرب والمسلمون “السنة” حين تهاونوا وعجزوا عن استردادها من الغاصب العدواني الاسرائيلي اليهودي الصهيوني.
ايران تدعي سلمية نشاطها النووي ولكنها تعرف جيداً ان ما يقال عن صنعها للذرة مفيد جداً لإلتفاف عامة العرب والمسلمين حولها بأمل ان الذرة قد تجبر “الشيطان الأكبر” و”ربيبته” اسرائيل على اعادة الحقوق الى اهلها حرباً اذا لزم الأمر. عندما أوصل الحكام عندنا العامة الى الخوف من الحرية واليأس من العدالة في أدنى حدودها والقنوط من احتمال التغيير؛ لم يبق لتلك العامة الا الدعاء بأن يضرب الله الظالمين بالظالمين ـ في الداخل والخارج ـ ونحن “قاعدون”، استقالت العامة من واجباتها بعد ان خسرت حقوقها كاملة ولم يبق لها الا الدعاء ـ وبالسر أغلب الأحيان، فالأدعية دائماً سلاح الضعفاء. ليس غريباً ابداً موقف العامة من ايران، وليس غريباً ايضا استغلال ايران للعامة عندنا.
هذه الإيران، لن تفعل ولن تقدر على شيء مما تدعيه عن استرداد الحق الفلسطيني العربي الاسلامي، وهي تعرف ذلك بالتأكيد؛ فميزان القوى الاقليمي والعالمي لن يسمح لتخريف من هذا القياس ان يحصل، ولعل الهروب الى الأساطير مفضّل لدى العجزة والمكرسحين. ما تفعله ايران وتقدر عليه هو ان تتنافس مع اسرائيل في الاستهداف لمنطقتنا وعامتنا وحتى حكامنا.
اسرائيل امتهنت العدوان نشأة وبقاء واستمراراً في هذا البقاء. وقبلت كل اشكال التفاوض، شرط الا توصل هذه المفاوضات الى حل حقيقي وسلام عادل وشامل، وشنت عشر حروب على الفلسطينيين والعرب والمسلمين خلال واحد وستين عاما، والأنكى انها تستكثر على فلسطينيي الداخل تذكر النكبة التي احلها بهم اليهود و”الشرعية الدولية” آنذاك!! اسرائيل تضع امام العرب كل العرب شروطاً تعجيزية لمجرد التفكير باقامة دولة للفلسطينيين على خمس ارضهم الحقيقية والمشروعة!! حجة اسرائيل ان الفلسطينيين لا يريدون نبذ العنف، وأن الفلسطينيين منقسمون؛ فلا شريك أمامها يقاسمها الجلوس الى طاولة المفاوضات ونحن نتبجح بالعنف “اللفظي الممانع”، ونكرس الانقسام والعداء الفلسطيني عامدين متعمدين!! ما احقنا وأغبانا، وما أبطلها واذكاها؟!
إيران وفي أحسن الأحوال سترتكز على أمرين رئيسيين في مفاوضاتها المقبلة مع أميركا ـ ولو تأخرت ـ الأمر الاول برهانها الواقعي على هيمنتها، الأمر الثاني استعدادها لبيع الورقة الفلسطينية بالسعر المناسب والزمان المناسب.
إيران لن تحارب وان اجبرت فلن تذهب الى حرب مفتوحة ففي ذلك دمار حكم السيدين خامنئي ونجاد. والأميركيون لا يرغبون في القضاء على إيران، وانما يرغبون في بقائها قوة إقليمية وتحت السيطرة، يلوحون بها ـ وقائياً ـ تجاه أي نزوع في المنطقة للحد من هيمنتهم الكلية عليها، ومعروف حتى لطلاب الشهادة الاعدادية عندنا، ان منطقتهم مصدر أكثر من نصف الطاقة في العالم كله، قيد الاستخدام الراهن، أم قيد المخزون الاحتياطي.
ان “الشرعية الدولية” تحمي الكيان الإسرائيلي وجودياً، وبدافع مصالحها، بالرغم من أنه قام على العدوان ومستمر به وان نفس هذه “الشرعية” لا ترغب في إزالة إيران وحكم “الملالي” من الوجود، الأمر الذي حصل حين أزالت “الشرعية الدولية” الدولة النازية بحرب حارة جداً وأزالت الدولة الشيوعية وملحقاتها بحرب باردة طويلة في القرن الماضي. والسبب في هذا كله أن الدولتين المذكورتين هددتا النظام “الليبرالي” العالمي في وجوده واستمراره.
عندما انشق الشارع الايراني بحكم الانتخابات المزورة، وعندما بطش الحرس الثوري بالمعارضين، قتلاً وسجناً وتعذيباً حتى الموت، ولم يتورع عن الاغتصاب الجنسي انثوياً أو ذكورياً كما صرح المعارض كروبي، عندما وعندما لنتذكر ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية السيدة هيلاري كيلنتون من أيام قليلة مضت، قالت: “لم نشأ أن نضع أنفسنا بين السلطات والإيرانيين الذين يعترضون بصورة شرعية، لأننا لو تدخلنا في وقت مبكر وفي شكل قوي جداً لأرادت السلطات استخدامنا لتوحيد البلاد ضد المعارضين”. كلام ركيك ومضمونه أكثر ركاكة. السيدة كلينتون تترقب المفاوضات مع إيران، وتعرف أن السيدين خامنئي ونجاد باقيان في كرسيي الحكم، فلا بد من الجمل العرجاء ولا بد من المعاني الأكثر عرجاً. السيدة كلينتون مع القوة الباقية الباغية، لا مع الحق الصادق المغيّب!
هل طلب الرئيس الأميركي السيد باراك أوباما التطبيع العربي مع إسرائيل ثمناً لرد عدوانية إيران عن المنطقة وذلك بحرب اقتصادية قاسية وقائية ضدها، تقطع الطريق على خيار عسكري لا يرغبه، وقد لا تستقيم المصالح دونه؟ البعض اعتبر الطلب الاوبامي هفوة، أو انه كلام مبكر، السيد أوباما كإسرائيل عينه على إيران. وعود السيد اوباما قادمة في أيلول القادم وما بعده، هل يقدر أن يضع عيناً على عدوانية إسرائيل، وعيناً على توسعية إيران وفي وقت واحد، حتى لا يصاب بالحول القصدي؟؟ هذا أبسط ما نتمناه ونطلب من العامة أن تدعو المولى لأجله.
صحيح ان ايران ليست نمراً من ورق، ولكن الصحيح اكثر ان ايران لا اكثر من نمر يتطاول على جيرانه ولا بد من تقليم اظافره وكسر نابين من أنيابه وتقصير ذيله الممتد ابعد مما ينبغي، ولن يقدر هذا النمر ان يبتلع وحوش الغابة الأرضية كلهم!. وعليه ان لا يتجاوز غابته مطلقاً الا في الحدود التي يسمح بها عظماء الوحوش في هذا العالم “المتمدن”. الصحيح اكثر ان اسرائيل وحش عمره واحد وستون عاماً، ولعل الرؤية الأوبامية للعالم، تأخذ وحشيته بعين الاعتبار كعدو حقيقي للسلام في هذا العالم.
ايران واسرائيل تتنافسان على المنطقة، وهذا خلاصة القول.
خاص – صفحات سورية –