صفحات العالمقضية فلسطين

فُتوح وحماسات

خيري منصور
الإفراز البكر لاقتتال فتح وحماس هو انتقال العدوى إلى داخل كل منهما، بحيث تصبح فتح فتوحاً وحماس حماسات، وهذا ما حدث خلال أقل من أسبوعين في رام الله وغزة. وما لم يخطر ببال من أشعلوا تلك النار هو أنها لن تتوقف عند حدّ، وأن ثقافة الانتحار الوطني سوف تمتد أيضاً لتشمل مناخات بأسرها.
أين هو موقع الاحتلال في هذه المعادلة العمياء؟ ما دامت حماس تخوض حربها المزدوجة مع فتح من جهة ومع من يسمون “جند الله” من جهة أخرى، وكذلك فتح التي تخوض هي الأخرى حرباً مزدوجة، ضد حماس من ناحية وضد من تسميهم المشككين في الشرعية والحركة، ومنهم أحد مؤسسي فتح فاروق قدومي، وما من عاقل كان بوسعه أن يراهن على شفاء الحالة الفلسطينية من هذه الأنيميا بل اللوكيميا السياسية ما دامت الطبقة السياسية الطافية على سطح الدم لا تفكّر بما هو أبعد من المقعد وأحياناً من أرنبة الأنف، رغم أن الاحتلال جدع هذه الأنوف لأمر معلوم تماماً، ولا يشبه تلك الحكاية التراثية المعروفة عن جدع الأنف.
لقد بُحت أصوات الناس وهم يستجيرون بهذا الطرف أو ذاك كي يضعا حداً للنزيف، ويتوقفا عن إهداء الدم والوقت لسلطات الاحتلال، ومن حق الناس أن يرددوا مع شاعرهم، لا حياة لمن تنادي.. فثمة من أخذتهم العزة بالإثم ومضوا إلى آخر الشوط غير عابئين بما يترتب على هذه الحماقات السياسية من نتائج كارثية تنال من شعب بأسره وأسراه معاً.
وثمة من اعتقدوا أنهم أول السطر والخاتمة في الدراما الفلسطينية، ولا سبيل إلى التغيير لأنهم سقطوا في الفخ ذاته الذي سقط فيه ساسة عرب آخرون عندما اعتقدوا أنهم القائد الضرورة أو الاستثناء الماسيّ الذي من دونه يتحول الناس إلى قصدير أو برادة حديد، بانتظار حجر مغناطيسي لاجتذابهم وتطويعهم.
إن هناك صمتاً يدنو من التواطؤ إزاء ما يحدث في فلسطين، فالحرب الآن بين غزة ورام الله، والمقاومة ضد الشعب الفلسطيني بأشكال مختلفة، ولا حاجة بنا للتذكير في كل مناسبة أن هذا الصراع الانتحاري لا التناحري فقط يبرئ الاحتلال من دم الفلسطينيين ويعطيه كل الوقت كي يشحذ أنيابه لاستكمال التهويد، بدءاً من القدس حتى الدولة العبرية، بحيث يصبح أكثر من مليون فلسطيني معرضين لترانسفير واسع.
إن من يقبل تشطير بلاد وشعب هو بالتأكيد ليس أم الصبيّ حسب الحكاية المعروفة، وإذا كان الحوار على طريقة قصة ابريق الزيت في الموروث الشعبي الفلسطيني بين فتح وحماس أصبح بلا بوصلة أو هدف أو نهاية، فإن الحوارات القادمة على ما يبدو ستكون بين الفسائل والفصائل والأفخاذ.
إن هذا كله يحدث في زمن الاحتلال، ويصبح القتل والحصار والتجويع والتهويد ونسف البيوت وخلخلة أسس المقدسات مجرد تفاصيل ثانوية لمن قرروا أن يسجلوا أهدافاً وهمية وانتصارات خائبة ضد أنفسهم.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى