بين الخير والشر
ساطع نور الدين
كان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش شريراً، لكنه لم يكن الشر المطلق. مثله مثل خلفه ونقيضه الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما الذي لن يصبح الخير المطلق: مصر هي مقياس، والرئيس المصري حسني مبارك هو النموذج.
قام الرئيس بوش طوال سنوات حكمه الثماني بأعمال وحشية لا تغتفر بحق العرب والمسلمين، ويستحق عليها المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم إبادة جماعية لا يمكن لاحد ان ينكرها ولا ان يدافع عنها، نفذها بناء على رغبة اميركية دفينة بالانتقام من هجمات 11 ايلول 2001، وعلى حاجة اميركية ملحة لتغيير مؤسسات الحكم في عدد من البلدان العربية والاسلامية لكي تساهم بفعالية في محاربة الارهاب الاسلامي وتجفيف مصادره السياسية والمالية.
لا يمكن العثور على اسباب تخفيفية للرئيس بوش الذي ادت سياسته الى سقوط مئات آلاف القتلى والجرحى العرب والمسلمين، لكنه يصعب انكار حقيقة ان عهده ادى الى انهاء فضيحة حكم حركة طالبان الافغانية، وفضيحة نظام الرئيس العراقي صدام حسين، بكلفة انسانية عالية ومثيرة للجدل والشك، كما اسفر عن وضع غالبية الانظمة العربية والاسلامية في قفص الاتهام بالدكتاتورية التي انتجت حركات ارهابية شبيهة بتنظيم القاعدة.. وهو اتهام لا يخلو من الدقة، ولا يشفع لاي من تلك الانظمة التي شعرت طوال ثماني سنوات بأنها تحت ضغط اميركي مباشر لتحسين اوضاع حقوق الانسان وتوسيع الحرية والديموقراطية وتمكين المرأة من المشاركة.
يمكن القول ان بوش كان في تلك الحملة يخادع ويغطي على جرائمه البربرية، لكنه ترك اثرا ظاهرا ولو كان متواضعا في عمليات التغيير والاصلاح في عدد من الدول العربية والاسلامية، لا سيما اكثرها تخلفا وتحفظا وانغلاقا، والتي شهدت ارهاصات اصلاحية وديموقراطية معقولة وخاضت عمليات انتخابية محدودة لم يسبق لها مثيل في تاريخها، ساهمت على الاقل في تحريك نقاش داخلي لم يتوقف حتى اللحظة.. برغم قرار الرئيس الاميركي الحالي بطي تلك الصفحة والعودة الى سياسة الانفتاح والتحالف التقليدي مع تلك الانظمة، بأمل الحصول على مساعدتها في حربه الافغانية والباكستانية.
في هذا السياق، كانت مصر تجربة اميركية فريدة: خاطب بوش اكثر من مرة قيادتها وشعبها العظيم، لكي تقود الامة على طريق التغيير والاصلاح، ورفض اكثر من محاولة مصرية لاعتماد فكرة توريث الحكم الى نجل الرئيس، جمال مبارك، وتوصل مع الحكم الى تفاهم على اشراك الاخوان المسلمين في الانتخابات النيابية الاخيرة والسماح لهم بالحصول على ثمانين مقعدا من مقاعد مجلس الشعب، لكنه كان على الدوام يشعر بالخيبة والخذلان لعدم تجاوب النظام المصري مع نصائحه ، فقرر مقاطعة الرئيس مبارك وامتنع عن استقباله في البيت الابيض منذ العام 2004.
لا يختلف اوباما عن سلفه في تقدير اهمية مصر ودورها وموقعها العربي الطليعي، وهو لذلك اختار ان يتوجه بخطابه الى العالم الاسلامي من القاهرة في حزيران الماضي.. وقرر ان يستقبل الرئيس مبارك اليوم في البيت الابيض، لكي يوجه رسالته الثانية الى العرب والمسلمين، ويعلن اختلافه الوحيد مع بوش حول التمييز بين الخير والشر.
السفير