التقدم نحو تأليف الحكومة أصبح اكثر كلفة من المراوحة
روزانا بومنصف
توازن سلبي تحكمه معادلة شبيهة بالاعتصام والفراغ الرئاسي
هل اصبح التقدم في تأليف الحكومة اكثر كلفة من وضع المراوحة الحالي؟ السؤال يطرح من باب محاولة معرفة الخيارات المطروحة امام المعنيين المحليين في حال النظر الى الازمة الحكومية من زاوية بُعدها المحلي فحسب من دون ابعادها الخارجية، على رغم ان ثمة تاثيرا للاخيرة لا يمكن تجاهله او نكرانه.
وتكفي المراقبين المعنيين متابعة بعض ما اوردته الصحف السورية التي تعبر عن راي النظام قبل ايام من هجوم على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والغالبية النيابية وقول هذه الصحف انهم جميعا لم يدركوا نقاط التوازن كي يحسموا امرهم من اجل ترقب الخطوات التي يمكن ان تحصل في الداخل اللبناني، بما يحمل الحريري والغالبية على ادراك نقاط التوازن المقصودة، علما ان هذا الكلام يدعو الى الخشية المبدئية على الوضع اكثر مما يدعو الى الاطمئنان. لكنه في حده الادنى يعكس محاولات التأثير الاقليمية، وان عبر الاعلام الرسمي السوري، باعتبار ان المسؤولين السوريين ينأون بانفسهم عن الادلاء باي تصريحات او مواقف تظهرهم متدخلين في الشأن اللبناني، في ظل التزامهم امام المملكة العربية السعودية والخارج عدم التدخل، وارتباط جزء من الانفتاح الغربي والعربي عليهم باحترام التزامهم في الموضوع اللبناني.
ولكنه في الشق الداخلي المحض، يبدو متعذرا على كل الافرقاء المعنيين السير قدما، بحيث ان الوضع الراهن في مأزقه يبدو اكثر راحة بالنسبة اليهم مما سيكونه التقدم في تاليف الحكومة. فبالنسبة الى الرئيس المكلف تتجه الخيارات المتاحة إما نحو تلبية الشروط التي وضعها العماد ميشال عون، وهذا لن بكون مناسبا لاعتبارات عدة تتصل بكون الشروط التي وضعها عون تعجيزية في الاصل، ولن تلقى تلبية اقله وفق السقف الذي حدده رئيس “تكتل الاصلاح والتغيير” ولا يبدو متساهلا حيالها تحت طائل تعطيل تأليف الحكومة او الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة وفق الشروط التي تفرض عليه. وهو لن يلجأ لا الى هذا الخيار ولا الى ذاك. ومن هذه الزاوية، فان الوضع الراهن قد يكون اكثر ملاءمة من التقدم نحو اي خطوة جديدة غير مناسبة في انتظار بروز اي معطى محلي او اقليمي يمكن ان يفيد منه من اجل التعجيل في اغتنام الفرصة من اجل التقدم مجددا في تأليف الحكومة.
وهذا الامر ينسحب على “حزب الله” حليف العماد عون، والذي ضمن الى حد كبير موضوع سلاحه في هذه المرحلة، بحيث بدا بعيدا من الجدل السياسي في اليوميات اللبنانية، في حين يحرص الحزب على حليفه المسيحي الذي بات في مرتبة استراتيجية بالنسبة الى التغطية المحلية والخارجية التي امنها ويؤمنها له، في وقت بات الحزب فيه يفتقر الى وسائل الضغط والتاثير على حليفه في حال سلم المعنيون بانه ينوي القيام بذلك. ذلك انه لم تعد هناك رئاسة جمهورية في الافق، ولا انتخابات نيابية كان يمكن مقايضة عون عليها. وبحسب مصادر معنية فان ذلك قد ينطبق ايضا على سوريا في حال التسليم ايضا بنيتها التجاوب مع تسهيل تأليف الحكومة وعدم رغبتها في الضغط على عون، نظرا الى اهميته الاستراتيجية بالنسبة الى الحزب وكذلك بالنسبة اليها، وذلك على رغم اهمية ان يتسلم الحريري رئاسة الحكومة العتيدة وما يمكن ان يرتبه ذلك من تسوية للعلاقات التي تردت على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب سوريا قسريا من لبنان.
وبحسب المصادر نفسها، فان عون قد تناسبه حال المراوحة، باعتبار ان عودة حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة الى الاجتماع – نظرا الى الضرورة التي يمكن ان يمليها التأخير في تأليف الحكومة العتيدة – ربما تساهم في تعويم وزرائه الذين خسروا جميعهم في الانتخابات النيابية الاخيرة، بينما يصر هو على اعادة توزير بعضهم وفق ما اعلنه بنفسه بالنسبة الى الوزير جبران باسيل كما اعلن نائب رئيس حكومة تصريف الاعمال عصام ابو جمرا بالنسبة الى مطالبة “التيار العوني” بحقيبة وزارة الداخلية. اضف الى ذلك ان عون رفع سقف مطالبته الى حد كبير في الحصة الوزارية ولن يكون سهلا عليه القبول بتسويات لا تجعل منه مَن يقاتَل من اجله، اي اظهار نفسه مثابة الممثل الرئيسي للمسيحيين في لبنان راغبا في انتزاع حقيبة الداخلية من رئيس الجمهورية لهذه الغاية. ولعل في حساباته انه لن يضيره شعبيا لدى المسيحيين اذا عرقل تاليف الحكومة لهذه الغاية او تحت هذه العناوين، وهو لا بد ان يحصل في مطالباته في حدها الاقصى على توزير باسيل نظرا الى استحالة اعطائه حقيبة الداخلية التي تعود حصتها الى الغالبية في حال الاتفاق على تخلي رئيس الجمهورية عن احدى الحقيبتين الوزاريتين، علما ان لهذا الامر تبعاته وخطوطه الحمر بالنسبة الى المساعدات الخارجية لقوى الامن والجيش، وذلك ما لم يتخل له الفريق الشيعي عن الحقيبة السيادية التي تعود الى فريق المعارضة وفق التوزيع المتفق عليه.
هذا كله يجعل الوضع اللبناني اسير توازن تحكمه معادلة شبيهة الى حد بعيد ببعض المراحل السابقة، كما حصل حين قام “حزب الله” مع حلفائه بالاعتصام في وسط بيروت ووقع اسير مراوحة عانتها البلاد على اكثر من صعيد. وهذه الحال تنطبق ايضا على الوضع الذي سبق انتخاب رئيس الجمهورية، علماً ان الوضع اليوم هو اكثر هدوءا بما يعني ان ثمة استسهالا لتحميل لبنان اكثر مما يتحمل في اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في انتظار نضج بعض المواقف. وهذا قد يستغرق وقتا اكثر مما يتوقع اللبنانيون.
النهار