ما يحدث في لبنان

لبنان المستقبلي… بلا مستقبل

null

بقلم جهاد الزين

فيما يتجه الفرقاء السياسيون الرئيسيون في لبنان نحو نوع من التهدئة لا الامنية فقط بل ربما ايضا المؤسساتية لفترة ما آتية، يبدو لبنان اكثر من اي وقت آخر بلداً مفتوحاً من داخله وخارجه.

نحن المقيمين هنا في بيروت وبقية المناطق، التي انكشفت عن ثماني قطع جغرافية – طائفية رئيسية خلال الازمة الاخيرة، لا نخسر فقط مع انفجار حربنا الاهلية فرصة الاستفادة من الموجة الهائلة من البترودولار التي تتدفق على شواطئ الخليج العربية والفارسية مُشكّلة اكبر كتلة نقدية عرفها التاريخ، بل نخسر على ما يبدو ما هو اهم لانه يمنعنا من استدراك سريع لطاقة لبنان على انتاج الثروة، ثقافيا واقتصاديا وسياحيا وخدماتيا: الذي نخسره يتمثل في العطب البنيوي الذي بلغه نظامنا الطائفي. فالمجتمع اليوم ليس محتقنا فقط بالمشاعر المذهبية بل هو مؤطر ببنى سياسية شعبية – امنية تسيطر تماما على بيئاته الطائفية المتعددة بشكل لم يسبق له مثيل خصوصا في البيئات الشيعية والسنية والدرزية.

المفارقة هنا ان معظم الطبقة السياسية اللبنانية والنخب الملتحقة بها تعيش مرحلة ازدهار بترو – دولاري نتيجة الوظائف المباشرة الممولة للصراعات المنفجرة، فيما المجتمع العادي محروم من هذه الفرصة. بهذا المعنى يتكرر بشكل جديد، ولكن دون شراكة فلسطينية هذه المرة، ما حدث عام 1975، انما بدفق نقدي اعلى.

ومرة جديدة لا يملك المجتمع للانخراط الفعال في هذه الثروة سوى… الهجرة وتحديدا هجرة كفاءاته الشابة المطلوبة في اسواق العمل العربية والدولية.

تنفتح صراعات جديدة تماما في هذا القرن الحادي والعشرين في المنطقة. وتشاء الاقدار مرة اخرى ان يتيح النظام الطائفي عبر تطوراته وتحولاته البنيوية ان تُرسم للبنان مرة اخرى وظائف خارجية لا يستطيع الفكاك منها في هذه الصراعات المستجدة.

لقد افتتحت احداث الحادي عشر من ايلول 2001 القرن الحادي والعشرين في كل العالم. لكن سقوط بغداد عام 2003 اعلن انطلاق هذا القرن داخل الشرق الاوسط. ومعه ارتسمت خطوط جغرافيا سياسية جديدة جعلت المواجهة المذهبية على مساحة المشرق. فيما كان الصراع الكبير الذي شغلنا في القرن العشرين لا زال بدون حل وهو الصراع العربي – الاسرائيلي.

التطور البنيوي الذي يلقي بثقله على النظام الطائفي هو وضع حزب الله العسكري بعد العام 2000 اي بعد انتهاء وظيفته التحريرية في لبنان. لقد اتاح القرار الدولي باخراج الجيش السوري من لبنان ولادة تحالف من دويلات النظام الطائفي التي كان معظمها قد اصبح دويلات الحزب الواحد او التحالف الواحد في كل طائفة – منطقة… اتاح هذا القرار الدولي نشوء تحالف ضد “دويلة حزب الله” لانها اصبحت عسكريا “الدويلة الاقوى” وفوق ذلك يبقيها النظام الايراني في مهمة استراتيجية من التوازن الردعي مع اسرائيل واميركا.

صحيح ان مجتمعات الطوائف اللبنانية لا تتعسكر للمرة الاولى، لكن نسبة العسكرة التي ارتكزت الى تحولات سوسيولوجية عميقة في القاعدة الاجتماعية الواسعة لريفيي الشيعة في القرى وضواحي المدن والمدن لا سابق لها.

كان التحول في العراق لا يسمح باية تسوية راسخة مع هذا التحول اللبناني، فكيف حين تندرج هذه الحساسيات بشكل مباشر بل سهل على طاولة السياسة الاميركية ومعها طاولة الصراعات الاقليمية. كان النظام الايراني يحقق مكاسب مهمة مع الغلبة الشيعية المستجدة على الحكومة “المركزية” في بغداد وبالتوازي مع ذلك يحقق سيطرة سياسية لا سابق لها على مواقف القوى الاساسية في المجموعات الشيعية العربية، كان هذا تحولا لا مثيل له في القرون الاخيرة برمتها، في حين ان المملكة العربية السعودية التي كانت سياساتها تتصف بالمحافظة الشديدة ما عدا فترة اندلاع الصراعات على اليمن مع عبد الناصر في الستينات تنطلق امام هذه التحديات في سياسة مواجهة معلنة مع ايران، بلغت احيانا حد الغضب الشديد خصوصا حين لا يظهر تنسيق كامل مع الولايات المتحدة، فيما يتصرف نظام عربي باعتباره مهددا في مصيره نفسه بسبب تركيز جورج بوش ضده حتى بعد خروجه من لبنان… هو النظام السوري.

نُخَب الاجهزة الطائفية اللبنانية في ذروة الانخراط في موسم “البترودولار” المتدفق على شواطئ الخليج، فيما سواد المجتمع اللبناني (المؤيّد بحماسة في جزء كبير منه لهذه الاجهزة!) يخسر فرصة اقتصادية تاريخية لا تعوض… الا بتهجير ابنائه الى الخارج.

بلد بلا مستقبل مستقبلي! اذا جاز التعبير. لقد دخلنا في حرب اهلية مديدة تتخللها تسويات امنية وتكيفات مؤسساتية اهمها الدور السياسي للجيش اللبناني.

دور نتمنى له كل النجاح بلا اوهام: تأخير، ما امكن، الحرب الاهلية الآتية، بانتظار صياغات سلمية جديدة للعلاقات الاقليمية والدولية تفرض نفسها… على الطبقة السياسية اللبنانية.

بلا اوهام: ففي الحرب الاهلية السابقة كان ثمة مشاريع “اصلاحية” في نظر البعض… اليوم انها تسوية علاقات بحتة بلا اي أفق اصلاحي بين قوى طائفية، رغم سطوتها الداخلية الكاسحة، لا تملك قرارها.

انها الاوهام الاصلاحية التي يختصرها باراك اوباما بإيجاز بليغ في تصريحه القاطع الاخير حول لبنان قبل بضعة ايام، حرفيا: “الاصلاح الانتخابي ووضع حد لنظام المحسوبيات الفاسد الذي يسود حاليا، وتطوير اقتصاد يؤمن توزيعا عادلا للخدمات والفرص والوظائف“.

النهار



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى