هل يكون «الحل القطري» بحكومة الثلاث عشرات وقانون فرنجية الانتخابي؟
عماد مرمل
تتجه الانظار الى الدوحة بدءا من اليوم، حيث تخوض الموالاة والمعارضة «مغامرة حوارية» جديدة، بحثاً عن تسوية للازمة الراهنة، تعذر العثور عليها في بيروت.
و«الهجرة الجماعية» المؤقتة للقيادات اللبنانية نحو قطر، تعيد الى الاذهان تجارب سابقة تمتد من لوزان وجنيف الى الطائف وسان كلو وصولاً الى الدوحة، حيث يعيد العجز اللبناني إنتاج ذاته مجددا، فاسحا المجال امام الخارج للامساك بخيوط المبادرة وتنظيم الخلاف والحل، وهذه المرة جاء دور قطر لتدير اللعبة، بعدما انتقلت اليها «الصافرة» من الرياض التي «تلبننت» مع تطور الاحداث فانتقلت من موقع الوسيط او الراعي الذي أنتج اتفاق الطائف الى موقع الطرف المنحاز الذي بات جزءا من المشكلة.
ولكن، هل ستنجح الدوحة، حيث أخفقت الوساطات الاخرى؟
يسود الاطراف المدعوة الى الحوار شعور بان الظروف هذه المرة قد تكون مهيأة أكثر من أي وقت مضى لانضاج التسوية المنشودة، إلا ان أيا منها لا يبالغ في التفاؤل او التوقعات، في انتظار ان تأتي الوقائع مطابقة لـ«الحدس» السياسي.
وحسب ما هو متداول في بعض الاوساط السياسية المطلعة، فان هناك مسعى لبلورة حل في الدوحة يقوم على قاعدة تشكيل حكومة وحدة وطنية استناداً الى العشرات الثلاث (10 وزراء لكل من رئيس الجمهورية والموالاة والمعارضة) واعتماد القضاء دائرة انتخابية بالتأسيس على المشروع الذي كان قد وضعه الوزير سليمان فرنجية حين تولى وزارة الداخلية في حكومة الرئيس عمر كرامي، مع الاخذ بعين الاعتبار الخلاف المستمر حول طريقة تقسيم بيروت والذي سيستقطب على الارجح النقاش الاكبر على طاولة الحوار عندما يفتح ملف القانون الانتخابي.
وهناك من يرى ان المؤشر الابرز الى احتمال تفوق الاتجاه التفاؤلي، يكمن في موقف النائب وليد جنبلاط الذي أطلق شرارة المواجهة الاخيرة وألزم الجميع بالسير خلفه الى المأزق، وها هو الآن «يتطوع» للذهاب بعيداً في التبشير بالتوافق بعدما كان اول من التقط دلالات المعادلة الجديدة على الارض، ولعل حلفاءه سيجدون أنفسهم مضطرين الى اللحاق به إياباً كما فعلوا ذهاباً، ولو تطلب الامر بعض المقدمات اولاً، لان أحداً في الموالاة لا يجيد ممارسة «الجمباز السياسي» كما يتقنه جنبلاط بكل ما تتطلبه هذه «الرياضة» من ليونة في الحركة.
ولأن جنبلاط يعرف ان ما بعد 7 أيار لا يشبه ما قبله، فانه لم يتردد في كسر القطيعة المزمنة مع حزب الله ومحادثة أحد قيادييه الامنيين وفيق صفا الذي سبق له ان نال حصة وافرة من سهام زعيم المختارة في المرحلة الاخيرة. وأكثر من ذلك، لم يتردد جنبلاط في إعادة الاعتبار الى الثنائية الدرزية، الارسلانية ـ الجنبلاطية، بعدما كان قد قاد عملية الالغاء السياسي للوزير السابق طلال ارسلان الى حد شطبه من معادلة الجبل، عبر إسقاطه في الانتخابات النيابية الاخيرة، متجاوزاً قواعد التوازنات التقليدية في الجبل.
أما مسألة سلاح المقاومة، فهي خارج دائرة البحث والتداول، علماً بان «الصيغة» الواردة في نص الاتفاق الذي أذاعه رئيس وزراء قطر والمتعلقة بالامتناع عن استخدام السلاح لتحقيق مكاسب سياسية واطلاق الحوار حول علاقة الدولة مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية.. إنما تفتح ابواب الاجتهاد على مصراعيها ولا تقفلها، ذلك ان الصياغة اللغوية المعتمدة تترك المجال واسعاً أمام أكثر من تفسير سياسي لها، وفق التقاليد اللبنانية الشائعة في مثل هذه الحالات.
وفي هذا المجال، يؤكد مصدر قيادي في حزب الله أن الحزب موافق على عدم استخدام العنف لتحقيق مكاسب سياسية، لأن ما فعله في بيروت لا يندرج أصلاً في خانة السعي الى تحسين مواقعه وشروطه في الصراع الداخلي المحتدم حول كيفية إعادة تكوين السلطة بل كان يهدف الى حماية المقاومة من محاولة طعنها في الظهر، وبالتالي فهو لم يجد أي حرج في تضمين الاتفاق هذا البند، أما البند الآخر المتصل بالعلاقة بين الدولة والتنظيمات، فيعتبر الحزب أنه موجه بالدرجة الاولى الى ميليشيات فريق السلطة التي انكشف دورها خلال الاحداث الاخيرة، وليس الى المقاومة التي لا يجوز تصنيفها بمثابة تنظيم مسلح.
ووفقاً للمناخ السائد في المعارضة، فإن ملف سلاح المقاومة قد طوي حتى إشعار آخر، وخصوصاً في أعقاب التحول الدراماتيكي الذي طرأ على موازين القوى بعد «انتفاضة» الشارع، وبالتالي فإن من يعتقد ان بإمكانه إعادة فتحه في هذا التوقيت بالذات إنما هو واهم ولا يجيد قراءة الواقع المستجد.
إلا ان الانجاز الميداني الذي حققته المعارضة لم يحل على ما يبدو دون بروز تباينات في صفوفها حول كيفية استثماره والبناء عليه في السياسة. ولا يخفي بعض المعارضين المسيحيين إنزعاجهم من إعادة إنتاج طاولة الحوار وفق المعادلة التي كانت سائدة قبل تحرك المعارضة، من دون توظيف نتائج هذا التحرك في اتجاه تعديل خارطة توزع مراكز القوى حول هذه الطاولة بما يمنح المساحة الضرورية للحلفاء السنة والمسيحيين الذين وقفوا الى جانب حزب الله في السراء والضراء.
وفي هذا الاطار، تسأل شخصية مسيحية تنتمي الى التيار الوطني الحر: لماذا يشارك أمين الجميل وبطرس حرب على سبيل المثال في حوار الدوحة، برغم صفتهما التمثيلية المحدودة جداً، بينما يغيب أسامة سعد وسليمان فرنجية وطلال ارسلان، برغم ان المعارضة حققت انتصارا باهرا في الشارع وكان لا بد من تعزيز حضور أطرافها السنية والدرزية والمسيحية ومكافأة من تحمل عبء المواجهة في بيئته. ومن بين الاسئلة أيضاً: لماذا لم تقف المعارضة صفاً واحداً الى جانب العماد ميشال عون في رفضه إدراج إسم العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي ضمن الاتفاق المعلن، لان الاشارة بالاسم الى سليمان قبل ضمان السلة المتكاملة أضعف الموقع التفاوضي للعماد عون ونزع منه إحدى ابرز اوراق القوة قبل المباشرة في الحوار، علما ان الجنرال لم يستطع الذهاب في هذا الموقف حتى النهاية، وحده، لئلا يتهم بالتعطيل وبانه ما زال يتطلع الى رئاسة الجمهورية.
غير ان أوساطاً قيادية في المعارضة تعتبر انه لم يكن متاحاً تجنب ذكر إسم العماد سليمان كمرشح توافقي لان المبادرة العربية التي وافقت عليها المعارضة تتضمن اسمه، ثم ان اللجنة الوزارية العربية رفضت اقتراح عون بان يؤتى على ذكر انتخاب الرئيس التوافقي فقط، بلا تسميته، في حين ان المعارضة ابلغت عون انها ستكون معه في حال تمكن من إقناع اللجنة بوجهة نظره، الامر الذي لم يحصل.
وتشير الاوساط الى ان نجاح سليمان في الاختبار الاصعب الذي تعرض له مؤخراً في الشارع ورفضه الانزلاق الى مواجهة حزب الله متجاهلا الضغو ط الشديدة التي تعرض لها من الموالاة، أدت الى تعزيز قناعة المعارضة به، كمرشح الى رئاسة الجمهورية.
السفير