صفحات العالمميشيل كيلو

أوباما والفصام العربي!

null
ميشال كيلو
تدور، تحت الظاهر من سطح الحياة السياسية، حركة تبدو للوهلة الأولى وكأنها خفية، أو كأن الثابت والمؤكد منها جزئي ومحدود، رغم ما تثيره من تحفظ متوجس لدى هذا الجانب العربي ومن بهجة مطمئنة لدى ذاك. هذه الحركة تتصل بعلاقات الولايات المتحدة مع البلدان العربية، وهي مهمة للطرفين من جهة، ومفعمة بالغموض والالتباس من جهة أخرى.
ثمة، في حدس من يتابعون تطورات الأحداث وخفاياها من المواطنين العرب، شيء ما يدور بين أميركا وبين البلدان العربية، الصديقة لها والبعيدة عنها، عبرت عنه في الآونة الأخيرة تصريحات متنوعة، متكاملة أو متضاربة في الظاهر، تشي بتخلق مرحلة جديدة من الصلات الأميركية / العربية، تتمحور حول مسائل رئيسة كالصراع العربي / الإسرائيلي وسبل حله، في فلسطين والمجال العربي على حد سواء، والموقف من إيران وقنبلتها النووية ـ التي اعترف الأميركيون أنها لن تكون جاهزة قبل أربعة أعوام !ـ، وإسرائيل وحكومتها اليمينية، والأمن القومي والإقليمي، الذي تفكر أميركا بنشره فوق كامل الجسم العربي، لتغطيته من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، ومن مشرقه إلى مغربه.
في هذه القضايا المهمة جميعها، هناك “ثبات” عربي على المواقف المعلنة، إلا أن هذا “الثبات” لا ينفي ما يقوله الأميركيون حول حدوث تقدم جوهري على أرض الواقع، يربط حل الصراع العربي / الإسرائيلي بمدخل صار حتمياً في الظرف الراهن هو إقدام العرب على مزيد من التطبيع السياسي والاقتصادي مع إسرائيل، مقابل قيامها بتجميد الاستيطان لستة أشهر. بينما تقدم التفاهم الأميركي / العربي على إيران إلى درجة تسمح بحدوث اختراق أمني غير مسبوق، سيأخذ شكل تعاون عسكري شامل يعطي واشنطن حق نشر أنظمة دفاع متطورة فوق كامل الأرض العربية، المجاورة منها لإيران وبعض البعيدة عنها. أخيرا، يقال إن الأميركان وبعض العرب توافقوا على إحراج إسرائيل عبر نمط من التعامل يتبنى المثل العربي القائل: اللي ما بيجي معك تعا معو”.
إذا كانت إدارة بوش قد منعت العرب من تبني سياسات ملائمة لأميركا، في مسائل وقضايا كثيرة وحساسة، فإن إدارة أوباما تتجه، عبر ما تسميه سياسة التشاور والحوار واحترام المصالح المتبادلة، نحو تمكينهم من تبني سياسات ملائمة، وقبول خيارات مشتركة لا تتعارض فقط مع مصالحهم وخياراتهم، بل تمدهم أيضا بالحاضنة، التي تتيح لهم دورا مختلفا، أسوة بما وقع خلال سابقة عرفتها سبعينيات القرن الماضي، حين تكيفوا مع رجحان دور واشنطن على الدور السوفييتي نتيجة هزيمتهم في حزيران عام 1967، وبدلوا سياساتهم ومواقفهم من قوتي الوضع الدولي ثنائي القطبية، مما أحدث تحولاً في المنطقة العربية والإقليم المجاور لها، غطى الوطن العربي من جنوبه إلى شماله، ومن شرقه إلى غربه، وتجلى في الإطاحة بنظم هنا وبمقاومة فلسطينية وأحزاب يسارية هناك، وكان بداية تطور عربي ضمنت أميركا بواسطته بقاء ودور النظم العربية جميعها، كما قال رئيسها السابق جيمي كارتر خلال لقاء مع أساتذة جامعيين إبان زيارة إلى دمشق قام بها عام 1983.
تعطي أميركا أوباما السياسات العربية فرصة التحرر من عدائها الإجباري لواشنطن، الذي فرضته عليها حماقات إدارة بوش، وتمد لها يد التفاهم على قضايا ومسائل مختلف عليها، وعلى وجود وأدوار النظام العربي ذاته. كان بوش يقول لمحاوريه العرب: نفذوا مطالبنا وحاربوا معنا الإرهاب، قبل أن نقرر طبيعة الأدوار التي سنعطيكم إياها. أما أوباما فهو يقول: نحن نعترف بأن لكم أدواراً، ونضمن نظمكم، إذا ما ساعدتمونا في العراق وأفغانستان وإيران و…و… فيجيب العرب: سنلبي طلباتكم وسنتعاون معكم، ما دمتم تغيرون أولوياتكم وتضمنون نظمنا!.
تسببت الحقبة البوشية في فصام حقيقي بين عواطف ورغبات الساسة العرب وبين ما أجبروا عليه من مواقف وأفعال. مع الحقبة الأوبامية، ستنسجم عواطف هؤلاء وأفعالهم، وستزول عقبة الموقف الأميركي الذي أرغمهم على “مقاومة “سياسات واشنطن، وإن كان ذلك سيحدث على مرحلتين: واحدة تحت الطاولة، يسودها الغموض والالتباس الخلاقين، وأخرى فوقها، ستتسم بالوضوح والعلنية. وإذا كنا اليوم في المرحلة الأولى، فإن ما يقال حول نجاح التفاهم على إيران والأمن الإقليمي وحكومة إسرائيل والسلام العربي / الإسرائيلي يشير إلى ما تم قطعه من الطريق، بسرعة وثبات، نحو المرحلة الثانية، مرحلة التعاون العربي / الأميركي / الإسرائيلي، التي ستشبه كل الشبه أسوأ ما قاله نقاد السياسات العربية عنها خلال عقود كثيرة ماضية، وما كان المواطن العربي العادي يخشاه، لكنه لم يكن يصدق إطلاقا أنه قد يقع بالفعل!.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى