صفحات العالم

تَوافُق “الرعيان” أم فناء “الغنم”؟

سعد محيو
هل بدأت “المواجهة النهائية” الإقليمية في العراق؟
العديد من المؤشرات يوحي بذلك، في داخل العراق كما خارجه.
في الداخل، بات واضحاً أن التكتل السياسي الجديد الذي أُعلن عنه الإثنين الماضي، والذي استُبعد منه نوري المالكي وحزب الدعوة، هو تيار صافي الهوية حيال علاقاته العميقة بإيران. فهو يضم أبرز أصدقائها، من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى تيار مقتدى الصدر، مروراً بالعديد من المنظمات الطائفية السنّية والشيعية الصغيرة. هذا علاوة على أن معظم قادته مستقرون في إيران منذ سنوات.
وفي حال فاز هذا التيار في الانتخابات العامة التي ستجري في 16 كانون الثاني/يناير، فقد يكون إيذاناً ببداية “العهد الإيراني” ونهاية العهد الأمريكي في العراق، إلا بالطبع إذا ما تمكّن نوري المالكي من تثبيت أقدامه قبل هذا الموعد عبر تشكيل ائتلاف موازٍ قادر على المنافسة.
على أي حال، ولادة التكتل الجديد لم تكن لتتم من دون مباركة من المحور الإيراني- السوري، الأمر الذي يعني أن علينا الانتظار لمعرفة كيف سترد الدول العربية “المعتدلة” والولايات المتحدة على هذا التصعيد الاستقطابي الجديد.
على الصعيد الخارجي، جاء اندلاع الخلافات مجدداً على جبهة العلاقات السورية- العراقية بسبب الانفجارات المروعة الأخيرة في بغداد، ليعيد الأمور إلى ما كانت عليه من توتر بين البلدين قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2006.
وهذا بدوره سينشر غمامة رمادية فوق الحوار السوري- الأمريكي الراهن، وربما أيضاً الحوار الإيراني- الأمريكي اللاحق وسيقلّص، بالتالي، من فرض بلورة تفاهمات إقليمية- دولية حول مستقبل العراق غداة الانسحاب العسكري الأمريكي المتوقع عام 2011.
الأمور لما تصل بعد إلى هذا الطريق المسدود. فكل ما يجري الآن في العراق وحوله ربما يكون مجرد جمع أوراق تمهيداً للحظة الحسم. ثم أن بدء الحوار رسمياً بين طهران وواشنطن قد يغيّر الكثير من قواعد اللعبة، خاصة إذا ما تبيّن أن الأولى باتت لها مصلحة حقيقية في تهدئة الأمور في المشرق العربي لتتفرغ لأزمتها الداخلية.
بيد أن التأخر في بدء الحوار قمين بتحويل جمع الأوراق إلى عملية حرق لها. لماذا؟ لأن الوضع لايزال ملتهباً ومتفجراً في بلاد ما بين النهرين. فكل كلمة فيه تتطور إلى رصاصة، وكل موقف سياسي يؤدي إلى تفجير أمني. وأبرز دليل على ذلك هو تفجيرا بغداد الأخيران، حين تطلب الأمر قتل 100 شخص وإصابة 750 آخرين لمجرد نقل رسالة سياسية مفادها أن المالكي وحكومته لم يعودا مرغوبين فيهما.
كل هذا يعني أن العراق يقف الآن على مفترق طرق إقليمي خطر جداً. فكل فعل إقليمي سيقابله رد فعل إقليمي مضاد. والعشب العراقي هو الذي سيداس إذا ما واصلت الفيلة الإقليمية صراعاتها فوق أرضه.
أما مناعة الدولة العراقية إزاء التدخلات الخارجية، والتي أوحى المالكي وصحبه قبل انفجاري بغداد أنها أصبحت عصية على الاختراق، فإنها باتت الآن موضع شك كبير. وهذا بدوره يمنح العوامل الخارجية اليد العليا للتحكم بمسار الازمة العراقية.
أجل. المواجهة النهائية الإقليمية في العراق بدأت على الأرجح. وهي قد لاتتوقف بعد الآن إلا إذا توافق “الرعيان”، أو فَنِيَ الغنم!

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى