صفحات العالمما يحدث في لبنان

تأخير تأليف الحكومة اللبنانية.. الأسباب والمخاطر

سليمان تقي الدين
الغموض الذي يكتنف عملية تشكيل الحكومة اللبنانية سببه عدم الوضوح في المسارات السياسية الإقليمية. كل ما يدور من سجال لبناني داخلي واتهامات متبادلة بالعرقلة والتعطيل ليس إلاّ تمويهاً على الرغبة في جلاء الأوضاع خلال الشهرين المقبلين على صعيد العلاقات الأمريكية الإيرانية والسورية وعلى صعيد الوقائع الميدانية الحربية في وسط آسيا وكذلك على صعيد المسألة الفلسطينية. ثمة من يسأل: وهل لبنان هو بهذه الأهمية ليرتبط تأليف حكومته بكل هذه التطورات؟
الجواب بنعم ولا. نعم لأن مسألة سلاح “حزب الله” وما بات يشكله من تحدٍ للدولة العبرية يجعل من لبنان موضوعاً للاهتمام، لأن نظرة الغرب عموماً ونظرة جزء من النظام العربي تعتبر “حزب الله” إحدى الأذرع الرئيسية لإيران وكذلك لسوريا. كما أن جزءاً من الوضع الإقليمي والدولي يعتبر فريق الأكثرية النيابية عنصراً مهماً في خارطة النفوذ الإقليمي. لبنان بهذا المعنى مهم لذاته، لأنه يستطيع أن يساهم في التوازن العام إذا كان جزءاً من هذا المحور أو ذاك. لكن لبنان من جهة أخرى ليس هو الهدف الأساس بالتأكيد، بل هو مرآة عاكسة للنزاعات والصراعات في المنطقة بالنظر إلى علاقات مكوناته الداخلية بالدول الخارجية، وهي علاقات عضوية.
لبنان بهذا المعنى هو “صنّاجة العرب” أي الموقع الذي يظّهر ويضخّم الصراعات ويؤشر عليها ويمارس دور ساحة بعث الرسائل في كل الاتجاهات. من الطبيعي اذاً أن تكون أزمته السياسية مرتبطة بالتطورات الخارجية. ومن الطبيعي أمام حال الغموض في الوضع الإقليمي ألا تحسم الأمور في لبنان.
في العراق هناك مسار متقطّع للعملية السياسية. ثمة محاولات لرسم توازنات جديدة في السلطة مصحوبة بدرجة من العنف والتفجيرات، في فلسطين هناك سعي حثيث لترجيح كفّة السلطة على حساب دور “حماس”. في الدولة العبرية هناك مساعٍ لجذبها نحو مسارات التفاوض ولو من غير سقوفٍ واضحة. الإدارة الامريكية تضع حدوداً زمنية لحركتها الدبلوماسية حتى نهاية هذا العام. هي في انتظار الأجوبة الإيرانية والسورية وربما تحقيق توازنات على الأرض في أفغانستان والعراق. أما لبنان فهو بالاضافة إلى كل هذه الاعتبارات ينتظر أيضاً قرار الاتهام من المحكمة الدولية الذي يرى فيه البعض عنصراً في مصلحة ضغوطه على “المعارضة” وحلفائها، ويمكنه أن يرسم ملامح مرحلة جديدة، أو هو قد يحسن شروط التفاوض. إضافة إلى هذه العناصر هناك تعقيدات داخلية ولا شك. الأكثرية النيابية التي أفرزتها الانتخابات ليست أكثرية ساحقة ثم هي تعرضت إلى نكسة تمايز أحد أركانها وهو تمايز نوعي لأنه يخرج طائفة من هذا التحالف لها موقعها الجغرافي والسياسي المؤثر في كل المشهد اللبناني. ثم هناك مناخ إقليمي يخطو بشكل ثابت ولو ببطء نحو استعادة سوريا دورها الإقليمي وعلاقات الانفتاح الدولية. وهناك تصدع سياسي معنوي لدى فريق “الأكثرية” لأن شعاراتها قد استهلكت والمكون المسيحي فيها لم ينجح في تحجيم فريق مسيحيي “المعارضة”. إذا تضافرت كل هذه الاعتبارات يصبح تشكيل الحكومة بالنسبة للقوى السياسية وكأنه استباق لأمور متحركة غير ثابتة.
من هناك يأتي التأخير في التأليف ومحاولة تضييع الوقت. قد لا يكون مطلوباً جلاء كل الأمور لكن على الأقل إحياء الدفع السوري  السعودي للتفاهم في لبنان قد يكون عنصراً مهماً في ذلك. أما الحديث عن خيارات غير الصيغة التي جرى الإعلان عنها عشية تكليف رئيس الحكومة فهي خيارات لا تملك مقومات.
لا الأكثرية قادرة على أن تحكم وحدها، ولا هي قادرة على فرض شروطها في الشراكة. أما الرهان على صيغة تعزل طرفاً من المعارضة ولا سيما “حزب الله” أو “التيار الوطني الحر” فهي مستحيلة، لأن الأكثرية نفسها لم تعد أكثرية قانونية وواقعية بظهور كتلة الوسط التي تعلن دعمها لرئيس الجمهورية والعمل معه. يبقى الخطر الأكبر أن تأخير تأليف الحكومة يضاعف من حدة التوترات السياسية وإذا كان ثمة رهان على قرار المحكمة الدولية واستثماره سياسياً فالأمر قد يعرض البلاد إلى احتمالات الفوضى. ولهذا كان الأجدى اتخاذ الخطوات التصالحية والانفتاحية وبناء الثقة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتطبيع العلاقات مع سوريا قبل أن تأتي أية تطورات تعيدنا إلى المربع الأول. وما هو معروف الآن أن بعض الجهات الحزبية اللبنانية تسعى إلى ركوب موجة التصلّب التي تراجعت بعد الانتخابات وربما هي تذهب في رهانات تصعيدية مدعومة من جهات خارجية.
قد لا تكون الحكومة في لبنان قادرة وحدها على حل ومعالجة جميع المشكلات التي لها طابع إقليمي أو حتى محلي، وهي فعلاً مثقلة بالقضايا والملفات، كما أن الصراع على السلطة وأزمة النظام وعجز المؤسسات بات واضحاً، وأن الحاجة لورشة إصلاح وتغييرات باتت ضرورة. لكن الحكومة تساهم في خفض منسوب النزاعات السياسية ورفعها من الشارع، وهي تستطيع على الأقل أن تبادر إلى إدارة الازمات ووقف تفاقمها. أما حال الانتظار اللبنانية فهي حال خطرة على مصير البلاد.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى