حرب تصريحات بين سورية والعراق
تتزايد حدة التوتر في العلاقات السورية العراقية، وتدخل مستويات غير مسبوقة، مما يوحي بأن الوساطات التي تبذل حالياً، خاصة من قبل تركيا وايران لتطويق هذا ‘التوتر’ لم تحقق أي نجاح ملموس.
الأزمة بدأت عندما اتهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي سورية بالوقوف خلف تفجيرات ما يسمى بيوم ‘الاربعاء الدامي’ التي أوقعت أكثر من مئة قتيل والف جريح، واستهدفت ست وزارات عراقية تعتبر الاشد تحصينا، من بينها وزارتا الخارجية والمالية.
اتهامات السيد المالكي جاءت قبل اكتمال التحقيقات الرسمية، والتوصل الى أدلة دامغة، خاصة انها ترافقت مع قراره بسحب السفير العراقي من دمشق احتجاجا، والمطالبة بتسليم قيادات بعثية عراقية مقيمة في سورية متهمة بالتورط في التفجيرات.
الرئيس السوري بشار الأسد كان في قمة غضبه يوم أمس، عندما وصف اتهامات السيد المالكي هذه بأنها ‘غير أخلاقية’، وقال في مؤتمره الصحافي الذي عقده بمناسبة زيارة الرئيس القبرصي للعاصمة السورية انه لم يتلق أي أدلة من الجانب العراقي حتى هذه اللحظة، تؤكد الاتهامات الموجهة الى بلاده.
غضب الرئيس السوري مفاجئ، وكذلك اللهجة التي استخدمها في التعبير عنه، فالعلاقات العراقية – السورية كانت تسير من حسن الى أحسن، حتى أن السيد نوري المالكي كان في زيارة الى دمشق قبل يوم واحد من التفجيرات، وقع خلالها اتفاقات أمنية واقتصادية ‘استراتيجية’، فهل هذا الغضب جاء نتيجة احساس بالخديعة، أو لوصول معلومات مؤكدة تفيد بأن هناك مخططا لحصار سورية، تقف خلفه الولايات المتحدة الأمريكية بسبب فشل محاولات فك تحالفها مع ايران، ولتحذيرها من أي عرقلة لتشكيل الحكومة اللبنانية؟
فاللافت ان التحقيقات التي أجريت حول عملية التفجيرات هذه بينت ان اثنين من منفذيها كانا معتقلين لدى القوات الامريكية في بغداد، مما يؤكد بأن مخطط التفجيرات داخلي من حيث الاعداد والتنفيذ، وان اصابع امريكية او موالية لأمريكا ربما تقف خلفه.
والأهم من ذلك، ان السيد المالكي عزل السيد محمد عبدالله الشهواني قائد جهاز المخابرات من منصبه فور حدوث التفجيرات، مما يعني انه متهم بالتقصير، كما أمر باعتقال أحد عشر من قادة الاجهزة الامنية الكبار بالتهم نفسها.
السيد الشهواني يعتبر من الشخصيات العراقية المقربة جدا من الولايات المتحدة، فقد عاش فيها وتعلم، وتردد أن تعيينه في منصبه هذا جاء بمباركة امريكية، مثل معظم التعيينات الاخرى في المراكز الامنية الحساسة.
خسارة العراق من تدهور العلاقات مع جارته سورية ربما تكون هي الأكبر على الصعيد الامني، وان كانت خسارة سورية من جراء ذلك ستكون ضخمة على الصعيد الاقتصادي في المقابل، لأن حجم التجارة البينية بين البلدين يميل بشكل كبير لصالح سورية. وربما هذا ما يفسر قول ربط السيد المالكي وحكومته بين الأمن والاقتصاد في العلاقة مع سورية، عندما أكد أن لا تعاون اقتصاديا دون تعاون أمني كامل.
السوريون يتمتعون بالحكمة وضبط الاعصاب عندما يواجهون أزمات كبرى، مثل تلك المتفجرة مع العراق، وسيحاولون تمرير العاصفة بالانحناء أمامها، ولو بشكل مؤقت، ولكن ما غاب عن السيد المالكي ان مفتاح استقرار بلاده يوجد في دمشق، فأي تراخ في ضبط الحدود السورية ربما يجعل السيارات المفخخة لا تقف فقط عند حدود المنطقة الخضراء، بل تصل حتى مقر اقامته في داخلها. وهو يعرف هذه الحقيقة أكثر من غيره بحكم اقامته السابقة لسنوات في سورية وتعامله المباشر مع أجهزتها الأمنية أثناءها.
أزمة السيد المالكي داخلية في الاساس، وفشله الأمني عائد بالدرجة الاولى الى صراعاته مع حلفائه في الائتلاف الشيعي الذي أوصله الى رئاسة مجلس الوزراء، ولذلك’فإن محاولته للبحث عن كبش فداء في سورية أو غيرها تظل مكشوفة ولن تقنع أحدا.
القدس العربي