صفحات الحوار

الروائي السوري غازي حسين العلي: الرواية السورية الجديدة أسهمت في كسر التابوهات

null
أنور بدر
دمشق ـ ‘القدس العربي’ غازي حسين العلي روائي سوري في رصيده قصة ومسرحية بالإضافة إلى أربع روايات، كتب الأولى منها ‘حمود مستدير القامة’ سنة 1985، والثانية ‘صخب الأرصفة’ سنة 2003، والثالثة ‘حديقة الرمل’ سنة 2005، وأعيدت طباعتها،أما الأخيرة ‘سموات الوحشة’ فقد حظيت بحفل توقيع أنيق مؤخراً في جناح دار ‘الكوكب- رياض الريس للكتب والنشر’ ضمن معرض دمشق الأخير للكتاب.
لكن ما يلفت الانتباه في رواياته أنه لا يكرر نفسه من حيث المادة أو الشكل، ويسعى باستمرار للاستفادة من لعبة الأسلوب لخدمة موضوعه، بينما نلاحظ ميلاً إلى اقتحام تابوهات المجتمع، وبشكل خاص فيما يخص الجنس والسياسة دون أن يستهلك مادته، كما لفت انتباهي في هذه الرواية وجود بنية درامية وتقطيع سينمائي شكل حاملاً للنص.
‘القدس العربي’ التقت الزميل غازي حسين العلي في حوار حول الملاحظات التي تشغل قارئ روايته وصولاً إلى هموم الرواية السورية:
بداية دعنا نتحدث عن شكل الصياغة الأدبية في روايتك وعلاقته بالمضمون؟
بالنسبة لي دائماً يفرض الموضوع أسلوباً محدداً في كتابة الرواية، لذلك لا يتكرر أسلوبي في الكتابة، لأن الموضوعات التي أعالجها تختلف من عمل لآخر، ففي روايتي الأخيرة ‘سموات الوحشة’ مثلاً تستوقف القارئ تلك العناوين الفرعية التي توزعت على 36 فصلاً، وقد حملت وظيفتين بآن معاً، فهي أولاً شكلت مدخلاً مساعداً لتسهيل القراءة بشكل أكثر سلاسة، كما أنها حملت قسطاً من الموضوع ثانياً، حيث اعتمدت طريقة التقطيع السينائي، فجاء كل عنوان أو فصل بمثابة مشهد، وكان تتابع هذه العناوين هو تتابع المشاهد الدرامية سينمائياً.
وبرأيي فإن هذه العناوين تخلق نوعاً من الإثارة عند القارئ، وبشكل خاص إذا حملت شيئاً من روح الدعابة أو الفردية كما فعلت في ‘سموات الوحشة’.
وبشكل عام، اعتقد أن أي روائي معني بتحديد الشكل الملائم لروايته، إذ لا يمكن فصل مضمون الرواية عن شكلها، بل دعني أقول أن هذا الشكل يساعد الكاتب على منح جرعة مضافة للمضمون، وهي في النهاية شكل من أشكال التعبير، قد يعتقد البعض أنها مقيدة، وقد يرى آخرون أنها مجرد لعبة شكلية عديمة الفائدة، ولكل منا اجتهاده.
لاحظت في روايتك مقاربة موضوعات كبيرة، لكنها ظلت في خلفية العمل، لم تشكل محاور درامية لبناء النص وتطور خطوطه الدرامية؟
أنا من الروائيين الذين يهتمون بالتفاصيل والجزئيات، وأنا شخص غير مسيس، ولم أكن مسيساً في يوم من الأيام، ولهذا السبب اعتبر نفسي غير ملزم بأي خط أو نهج، ومن طبيعتي وتكويني أن أهتم بالتفاصيل، وأمتلك القدرة على التقاطها وفهمها أكثر من قدرتي على الغوص في الكليات وفهم القضايا الكبرى.
والإنسان عموماً معني بهذه التفاصيل التي تشكل لحمة حياتنا اليومية وسداتها، ولهذا تجدني فيما أكتب مهتماً بها، وأكتب عن قضايا قد تبدو بسيطة أو يومية، وهي غالباً ما تكون مهملة أو مرمية على قارعة الطريق بالنسبة لبعض الكتاب، لكنها تستحوذ على اهتمامي، حتى أن القضية التي طرقتها في ‘سموات الوحشة’ والمتعلقة بالشأن العراقي، إنما تناولتها من الجانب الإنساني، ولم أشعر بأنني كنت معنياً بما هو سياسي، لأن ذلك حقل آخر يخص السياسيين والمؤرخين.
وكنت في الجانب الإنساني ملزماً برصد ما هو خاص، إضافة إلى ذلك، أقول وبصدق أنني كتبت ما رأيت بعيني وما سمعت بأذني، لأن الوضع العراقي في سورية سواء بجانبه السلبي أو الإيجابي هو دراما حقيقية، ومشروع روايات كثيرة، وليس عبثاً أن الدراما التلفزيونية وحتى الأدب بدأ يهتم بهذا الموضوع.
كذلك عندما كتبت عن ‘زهير’ الذي يهوى الرقص الشرقي، فقد تناولت هذه الشخصية من جانبها الإيجابي، وهو أمر قد يكون نادر الحدوث في الثقافة الروائية العربية، لأن مثل هذه الشخصية تعتبر شذوذاً في ثقافتنا، والأمر نفسه بالنسبة للسجين السياسي الذي دخل إلى المعتقل وخرج منه بعد ثلاثة أشهر دون أن يعرف السبب، ولم اهتم بتفصيل الحالة السياسية، بحيث ظلت هذه المسائل في خلفية العمل الروائي كما قلت.
مع ذلك يمكن الحديث عن جرأة في تناول قضايا تدخل في إطار المسكوت عنه أو المحرمات غالباً؟
أنا استغرب أن يطالب الروائي أو الأديب بالابتعاد عن الثلاثي المحرم، لأن الحياة وليس العمل الأدبي فقط، قد بنيت عليها، فأي عمل أدبي يخلو من هذه المسائل أو لا يتطرق لها تجده لا يستحوذ على اهتمام القارئ، ولا يترك أصداء في محيطه.
إن مهمة الأدب تكمن في دراسة الظواهر الاجتماعية التي تنبثق أصلاً عن هذا الثلاثي، فالسياسة في المحصلة النهائية هي رأي الكاتب فيما يحيط به من أحداث وتحولات، كذلك الأمر في المسألة الدينية التي ترصد انتماءات الأفراد وقناعاتهم الوجودية، وهذه أمور يبنى عليها النص الروائي.
أما الجنس بالنسبة لي فهو قضية إنسانية قبل أن تكون قضية غرائز فقط، لأن الجنس بحد ذاته مرتبط بطبيعة الإنسان السوي الذي يعيش حياته بشكلها الطبيعي دون محرمات أو ممنوعات وهو ما ينعكس على سلوكه الشخصي، وامتلاكه القدرة على قراءة ذاته.
وبالنسبة لي كما تلاحظ أنا مع وجود الجنس في الرواية على اعتبار أنه جزء من تكوين الإنسان وطبيعته، ولكني أختلف بعض الشيء مع آخرين في الكيفية التي يجب أن نتناول الجنس من خلالها. إن تطرف بعض الكتاب في تناول الجنس أصبح هدفاً أكثر منه وسيلة، وقد نجد الكثير من المشاهد الجنسية في بعض الروايات لا تمتلك مبرر وجودها في سياقات النص إلا لإعلان الخروج عن المألوف أو لإثارة الغرائز الجنسية عند القارئ، بينما تستطيع أن تقرأ رواية وليد خلاصي ‘دار المتعة’ التي تتحدث عن دار للدعارة دون أي إسفاف بقصد إثارة الغرائز. وأنا مع هذا الجنس الجميل الذي يُعبر عنه بلغة تشف دون أن تفصح، لغة توحي بظلالها دون أن ترى ما خلفها.
سبق لك أن نشرت في عام 1984 قصة بعنوان ‘أحداث ليلة’ ثم أربع روايات كلها تميل إلى القصر؟
أنا أحب الرواية القصيرة، واعتقد أن إنسان هذا الزمن لا يمتلك الوقت الكافي لقراءة الأعمال الضخمة أو الملاحم الكبرى من حيث الحجم، أما من حيث المضمون فاني أعتقد أن بإمكان الروائي أن يتناول أي موضوع ضخم من خلال مجموعة من الأعمال الروائية، ومن خلال تجربتي وتجربة الزملاء الكبار بأسمائهم وأعمالهم اكتشفت أن هذه الروايات القصيرة أكثر انتشاراً أو قراءة وسرعة في حصد ردود الأفعال. ولنا أمثلة في أعمال كتاب كبار كماركيز وهرمان هيسه الذين قدموا أعمالاً وروايات قصيرة رائعة، لا تقل أهمية عن أعمالهم الكبيرة.
كيف ينظر غازي حسين العلي إلى المشهد الروائي السوري المعاصر؟
أعتقد أن شكلاً من الرواية الحديثة أخذ يفرض نفسه في السنوات العشر الأخيرة في سورية، انطلاقاً من آلية التفكير والذهنية التي تحررت من سطوة الأعمال الكلاسيكية، مما ساعد على تقديم أعمال لها خصوصية من حيث اللغة والبنية والموضوع، فاللغة في الرواية الحديثة غير نمطية، لغة صدامية، وقد تبدو جارحة في بعض الأحيان، وغريبة الأطوار في أغلب الأحيان، لا سيما عند تضمينها مفردات أو تعابير لم تكن مألوفة في الكتابة الروائية سابقاً.
كما أن الرواية الحديثة نوعت في أساليب السرد وأشكال البناء الفني، ووظفت الكثير من عناصر التقطيع السينمائي والمشهدية البصرية في كتابة النص الروائي.
أما من حيث الموضوع فقد ذهبت الحداثة الروائية باتجاه كسر الكثير من التابوهات شديدة العمق في ثقافتنا السائدة. وهو ما منحها جوازاً إلى العصر والتميز استحوذ على القارئ.
ومع ذلك يصعب علينا في الآن نفسه الحديث عن أجيال في الرواية السورية، إذ أنها تتداخل بشكل عجيب، فأين يمكننا مثلاً أن نصنف فواز حداد أو ممدوح عزام ضمن مصطلحات الجيلية الروائية؟ وأين اكتشف موقعي أنا في هذا الإطار؟
من جهة ثانية أرى أننا نستطيع الحديث في سورية عن تجارب روائية متمايزة أو عن وجهات نظر خاصة، أكثر مما نستطيع القول بوجود تيارات في الرواية السورية، فبعض الأسماء الحالية ما زالت تكتب بالمفهوم الروائي التقليدي وضمن معايير كلاسيكية سواء على صعيد الشكل أو المضمون، بينما هناك أسماء أخرى من الجيلين القديم والجديد عمرياً، ما زالوا يجتهدون لاجتراح أشكال وموضات جديدة على الرواية السورية ومن الأسماء المخضرمة مثلاً الكاتب وليد إخلاصي، فهو من رواد الرواية السورية، ومع ذلك ما زال يقدم نصوصاً تنتمي لمقترحات الحداثة الروائية على صعيد الشكل والمضمون معاً.
تبدو مع الحداثة الروائية ولكنك ضد نظرية قتل الأب؟
من المؤكد أن ما توصلت إليه الرواية السورية هو نتاج ما قدمه الرواد، واعتقد أن رواد الأدب السوري قدموا مواقف جريئة في كتاباتهم، لكنه لا يمكننا أن نحاسب الآخر إلا ضمن شرطه ومعطيات عصره، فالأفكار التي تلقاها جيلنا قد لا تكون متوفرة في منتصف القرن الماضي، وحتى هؤلاء الرواد لم يستطع بعضهم تجاوز أفق الثقافة الكلاسيكية لعصره، فالتجديد لا يأتي أبداً دفعة واحدة.
لهذا كله أنا ضد نظرية قتل الأب في الرواية أو الكتابة عموماً، وقد أثرت هذه النقطة أكثر من مرة، وللأسف الشديد نرى الكثير من أدباء الجيل الجديد ينكر أبوة الرواد في الأدب السوري، بل يدعو إلى قتل الأب، وهذا الأمر غير صحيح أخلاقياً ومعرفياً، وسينعكس على الأجيال القادمة حين تنكرنا بدورها أو تدعو إلى قتلنا كمنجز أدبي.
أنا بصدق أشعر بالخزي والعار حين نجرد الأدباء الرواد من الفضائل التي قدموها، أو حين ننكر أننا تربينا على مجموعة من الأسماء التي شقت لنا دروب الكتابة الروائية، ووضعتنا على طريق الإبداع. إن إنكار الأوائل ورفضهم لن يتيح لأحد أن يأخذ مكانهم، وسلب الآخرين حقوقهم، لن يعطينا حقوقاً لسنا نملكها أساساً.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى