معركة حزب “الدعوة” السورية الحاسمة!
داود البصري
معركة المالكي ضد النظام السوري في طريقها إلى الانحسار والهجمة السورية المضادة بدأت
من دون شك فإن تعقيدات اجهزة السلطة المتخالفة في العراق و اختلاف المواقف الحاد بشأن المعركة السياسية و الأمنية التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على النظام السوري بعد رفض الأخير الشديد و الصريح لتسليم أي مطلوب عراقي من البعثيين السابقين و غيرهم للحكومة العراقية ثم إندلاع نيران التفجيرات المروعة التي هزت بغداد في الأربعاء الأسود 19 أغسطس المنصرم والتي فجرت أيضا كل أشكال و صيغ الخلاف الطويل و المكتوم مع النظام السوري , ستلقي بثقلها على تطورات وأوضاع العراق الداخلية و ستؤسس لحالة واضحة من عدم الاستقرار المضاف والتوتر المتوالي لملف معقد و طويل و متشعب و متداخل تتلاعب به مصالح و أطراف عديدة تبدأ من المخابرات الإيرانية و أذرعتها الطويلة في “فيلق القدس” للحرس الثوري الإيراني و تتوائم مع المخططات السرية للكثير من الجهات التي لم تشر اليها التحقيقات العلنية و لا الاتهامات الملحقة بها و أعني تحديدا جهاز “الموساد” الإسرائيلي الذي أصبح له في العراق قواعد و مؤسسات و أعمدة, من دون أن نغفل دور المخابرات السورية الذي يتصدر واجهة الإتهامات الرسمية الحكومية المعلنة , و في ظل الفوضى الأمنية والمعلوماتية وتداخل القرارات و المسؤوليات و المصالح يصبح توجيه الاتهام الى طرف واحد دون غيره من أصعب الأمور خصوصا و ان العراق كدولة و كيان لم يسترد سيادته بعد , و الحكومة رغم كل الضجيج الإعلامي لا تستطيع التصرف بحرية و لا بسيادية حقيقية تجاه الكثير من المسائل الستراتيجية , كما أن حالة التحاصص الطائفي و القومي في تركيبة السلطة العراقية قد حولت العراق الى مستنقع كبير للفوضى و عدم المركزية و جعلت منه حالة هشة من الناحية الأمنية الصرفة , فالاغتيالات و التفجيرات لم تزل مستمرة و بوتائر متباينة , وانفجار الموقف قد يحدث على حين غرة , فلا ضمانات حقيقية لأي حالة أمنية مستقرة , و بعد إعلان الرئيس جلال طالباني الواضح رفضه المطلق لاتهامات حكومة المالكي لنظام دمشق وبإعتراض مجلس الرئاسة العراقية على التصعيد بتحويل الملف للمحكمة الدولية المنتظرة! يكون المشهد العراقي قد دخل في اختلاطات غير طبيعية , فنوري المالكي و هو يحمل سيفه ليقاتل نظام دمشق بات يفتقد الأنصار بعد أن بدأت الجموع الحكومية بالتفرق عنه و سيكون حاله متطابقا مع الميثولوجيا الشيعية العراقية و سيتحول لمسلم بن عقيل جديد وهو سفير الإمام الحسين (عليه السلام ) لأهل العراق قبل مجيئه للعراق لطلب البيعة , فقد تفرقت عن مسلم بن عقيل الجموع الشعبية و استسلمت لإرادة حاكم الأمويين على الكوفة وقتذاك عبيد الله بن زياد بن أبيه و تركوه لمصيره حيث قتل و لكن بعد أن أرسل رسالته للإمام الحسين و اهل بيته ليعجلوا بالقدوم وحيث حدثت فيما بعد مأساة الطف المروعة و مجزرة أهل البيت المعروفة! و حالة الشقاق و النفاق العراقية المعروفة تظل شاهدا منتصبا على حجم الفجيعة في عراق اليوم و حيث تتطاحن مختلف الإرادات الإقليمية و الدولية و الداخلية في صراع عبثي سيحيل العراق إلى قطعة من الجحيم و الفوضى و التردي , نوري المالكي بدأ هجومه السياسي ضد النظام السوري يفقد حدته تدريجيا ربما سيتحول فيما بعد الى كارثة على موقفه الانتخابي وحرصه على إعادة إنتخابه و الحفاظ على موقعه الرئاسي و تعزيز موقف حزبه ( الدعوة الإسلامية ) إزاء التحديات الاتخابية القادمة بعد أن تحالف ( المجلسيون ) ضده و ذلك من طبائع الأمور , و قد بدأ الارتباك الواضح على قيادات حزب “الدعوة” من خلال ما صرح به القيادي في الحزب السيد علي الأديب ( زندي ) وهو قائد سابق للفرع الطهراني للحزب, كما أنه إيراني الأصل , فقد أكد السيد الأديب من أن حكومة المالكي قد طالبت بتسلم القيادات البعثية من سورية و كذلك من اليمن الذي يقول الأديب بإن عزة الدوري مقيم بها!! و تلك لعمري مغالطة واضحة , فالدوري ليس متواجدا ابدا في اليمن, بل إن ما هو موجود هناك قسم من الجهاز الإعلامي البعثي المؤيد للدوري من أمثال صلاح المختار! و هؤلاء و هم يعيشون في أقصى جنوب الجزيرة العربية لا يمكن أن يكون لهم تأثير على الوضع الأمني الداخلي في العراق, خصوصا و أن اليمن يعيش إيقاعات حروبه الأهلية الداخلية التي تجعل من موضوع النشاط البعثي فيه مجرد نكتة بايخة! كما أن عزة الدوري الذي دارت حوله الأساطير وأعلنت السلطات العراقية اعتقاله أكثر من مرة ليتضح فيما بعد أنه “قد شبه لهم” لم يغادر العراق أبدا وهو موجود فوق الأراضي العراقية و بحالة صحية جيدة و يقود التنظيمات البعثية الموجودة في العراق, و لا أدري من أين جاء الأديب بمعلومته الأمنية المضحكة تلك ? و لعل مأساة نوري المالكي تتمثل في مستشاريه و في بعض قيادات “الدعوة” من أمثال علي الأديب و الذين غالبا ما يدلون بتصريحات مثيرة للسخرية فضلا عن الغثيان , الحكومة العراقية لا تستطيع أبدا إدارة ملف الصراع مع النظام السوري من خلال الحالة المهلهلة للقوى السياسية الحاكمة المختلفة على كل شيء , و العالم لا يحترم الضعفاء و لا المفرقة قلوبهم و أهوائهم , كما أن تطورات الأحداث قد أثبتت أن للنظام السوري مواقع دفاعية قوية في العمق السياسي العراقي من شأنها أن تعرقل كل خطوات و توجهات المالكي التصعيدية و غني عن الذكر من أن الرئيس طالباني يحتفظ بعلاقات وثيقة للغاية مع دمشق وهي علاقات تاريخية تنبثق من حقيقة أن دمشق ما غيرها كانت هي المكان الذي ولد فيه حزب الرئيس (الاتحاد الوطني الكردستاني) عام 1976 فضلا عن بقية التداخلات السورية في الحالة العراقية و التي تؤكد بأن معركة المالكي هي في طريقها إلى الانحسار و التراجع و بطريقة قد تؤثر في الكثير من نتائج الاستحقاقات السياسية المقبلة , الهجمة السورية المضادة قد بدأت فعلا و خطوط المالكي الطويلة و البعيدة قد جعلت من أمر كسبه للمعركة مجرد تمنيات…! لذلك فإن المحكمة الدولية بشأن العراق ستغدو مجرد زوبعة في فنجان…?
كاتب عراقي*
السياسة