من قطع شعرة معاوية بين بغداد ودمشق؟
وفيق السامرائي
أدت الأزمة العراقية السورية إلى تقسيم السياسيين العراقيين إلى ثلاثة فرق اتسعت السجالات بينها، فريق يصر على تحرك جدي ضد سورية، وفريق يتهم إيران علنا، وفريق وسطي يدعو إلى تجنب التصعيد ويدعو إلى اتباع الطرق الدبلوماسية الهادئة. وهكذا لم ينجح العراقيون هذه المرة أيضا في تبني موقف متفق عليه.
أما السوريون فقد أصيبوا بصدمة من مستوى الاتهام الذي أخذ حده الأقصى، فيما كان في المرات السابقة بصيغة التنويه وإشارات مخففة عن دور سوري. وفي الوقت الذي فهمت الحكومة العراقية تفجيرات بغداد مؤامرة تستهدف خلخلة الأمن للتأثير على الانتخابات المقبلة، فهمت القيادة السورية التصعيد مؤامرة عليها. تُرى، هل من طرف ثالث تآمر عليهما؟ هنالك عوامل أضعفت الموقف العراقي، أولها التناقضات في التصريحات التي نسبت إلى مسؤولين أمنيين، بخصوص القبض على الفاعلين ومكان تحضير متفجرات الأربعاء، والخلافات في وجهات نظر السياسيين، وتعدد الجهات المتحدثة، من مستشارين وأعضاء برلمان وقيادات حزبية وناطق رسمي.. وعزف الحكومات العراقية منذ 2004 عن الإشارة إلى الدور التخريبي الإيراني المستمر.
الذين يعرفون التفكير السوري وما يقابله من تفكير إيراني يدركون وجود هامش من الخلافات. منها ما يرتبط بمصلحة سورية في وحدة العراق والمعرفة الدقيقة بالنيات الإيرانية المضادة، والخلاف في النظرة إلى بعث العراق. فالسلوك السوري يدل على أن سورية باتت ترى في قواعد بعث العراق امتدادا لبعثها، مما يقلق الفريق الحاكم في إيران.
وقطعت سورية شوطا معينا على طريق تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة والغرب عموما، حيث كان رد الفعل الغربي في الأزمة العراقية السورية حياديا من الناحية المرئية، وأعلنت سورية ثقتها بالدور التركي في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، كنافذة على طريق السلام، وظهرت علامات تحسن في علاقات دمشق العربية. فيما الملفات الإيرانية تراوح مكانها، وتحول الوضع الداخلي الإيراني إلى عبء مضاف إلى الأعباء الخارجية. لذلك فإن التقدم السوري يُفهم إيرانيا على أنه سيؤدي إلى ترك إيران وحيدة في الساحة وتتصدر ملفاتها كل الملفات الأخرى، فتصبح على محك لا تتحمل سخونة الجلوس على صفيحه.
الزيارات الإيرانية المكثفة إلى العراق، بمناسبة ومن دونها، تعطي صورة عن العلاقة الرسمية القوية بين بغداد وطهران، فهل يعقل أن تتراجع الوساطة الإيرانية بالسرعة نفسها التي انطلقت بها من دون أن تحقق نتيجة تُذكر؟ وإذا كان التراجع لغرض إعطاء فرصة للتحرك التركي، أفلم يكن ممكنا القيام بمبادرة مشتركة؟ وهل يعقل ألا تتمكن طهران من التأثير على قرار الحكومة العراقية بنقل الملف إلى مجلس الأمن (مقابل خطوات ملموسة)؟ وإن كانت لا تستطيع التأثير فعلا فهذه أهم علامات التعافي العراقي. وماذا قال وزير خارجية إيران عند لقائه رئيس الوزراء العراقي؟ هل اكتفى بالاستماع إلى وجهة نظر الحكومة العراقية، وكان سكوته بمثابة إشارة تشجيع لتوجه الحكومة المبني على قاعدة رد الفعل على حدث كبير؟ أم أن القادة الإيرانيين يتفادون الخوض كثيرا في الأربعاء تسترا على فعل قامت به أجهزتهم، بحكم علاقاتها المتشعبة مع عناصر من «القاعدة» وغيرهم؟ وهل تذكرنا زيارة متكي بلقاء السفيرة الأميركية في بغداد بصدام حسين قبيل غزو الكويت مع الاختلافات بين الحالتين؟ لم يعد النفوذ الإيراني في العراق خافيا عن أحد، وتأثير فيلق الإرهاب الإيراني موجود في (كل) مكان. وإذا كانت سورية متهمة عراقيا وإيران متهمة من أكثر من جهة، فكان منتظرا من الحكومة العراقية ووزارة الخارجية والبرلمان الإشارة إلى الدور الإيراني خلال السنوات السبع الماضية. ولو حصل هذا، وأظهرت الحكومة العراقية الأدلة المرتبطة بتفجيرات بغداد الإجرامية وغيرها، مما ينطبق على الجميع وليس على طرف واحد، لوقفت على أرض صلبة.
قد يكون من الصعب، حاليا، إقناع البعض بأن تفجيرات الأربعاء الدامي جرى تصميمها من قبل مخططي فيلق القدس لضرب النفوذ السوري في العراق (حصرا)، وضرب المتحقق في محاولات الانفتاح الخارجي السوري، إلا أن من غير المنطق استبعاد تصميم منع الاستقرار في العراق أولا، وإحراج سورية وتوجيه الاتهام إليها ثانيا. فيصبح العراقيون والسوريون ضحايا المؤامرة.
وقد تتوافر لدى الحكومة العراقية أدلة عن نشاطات سورية، إلا أن عملية على شاكلة الأربعاء الدموي يصعب توقع امتلاك طرف غير فيلق القدس قدرات تنفيذها، وهو الطرف الأكثر اهتماما بقطع شعرة معاوية بين دمشق وبغداد. ومع ذلك، فالأدلة المقنعة هي الفيصل. ولا بد من حملة وطنية (كبرى) لمعالجة أسباب (تشرد) نحو مليوني عراقي في الخارج، وتوفير أسباب عودتهم آمنين مكرمين، وإلا فالمشوار طويل.
الشرق الأوسط