لماذا تصمت القوى السياسية العراقية في نزاع المالكي مع سوريا؟
أمين ناصر
تحدثت اطراف كثيرة وتدخلت دول اقليمية كبرى تجاور العراق في موضوع الخلافات العراقية – السورية وتبادل الاتهامات بين الجانبين، في حين سكتت او التزمت الصمت دول اخرى وافرقاء اساسيون لعبوا دورا مهما في انضاج علاقات البلدين.
والحديث هنا عن صامتين عرب موالين لسوريا او ينتهجون سياستها، وآخرين عراقيين يعزى صمتهم الى اسباب. وقبل الولوج في تلك الاسباب وجب علينا الحديث عن مدى ارتباط الاحزاب التي ينضوي تحت لوائها الصامتون العرب والعراقيون، ومدى علاقة “حزب الدعوة” المالكي وهذه الاحزاب التي سميتها الصامتة غير المتدخلة في هذه الازمة، او لربما التي اتخذت موقفا مؤيدا للموقف البعثي السوري ونظامه ومعارضا لموقف “الدعوة” ورأسه رئيس الوزراء نوري المالكي في المطالبة بالمحكمة الدولية ازاء تفجيرات بغداد 14 اب 2009.
مما لا شك فيه ان الاحزاب العراقية التي تشارك في العملية السياسية الآن كانت منفية ومحظورة في العراق ومطاردة خارجه، مما دفع برموزها الى الانضواء تحت ولاية هذا الحاكم او ذاك النظام. وبما ان غالبية هذه الاحزاب كانت ذات صبغة طائفية دينية غير علمانية الا في ما ندر، تمسكت بمحاور دول الجوار العراقي منطلقا لحملاتها المعارضة للنظام البعثي العراقي آنذاك.
وكان من بين أهم هذه الاحزاب “حزب الدعوة” الذي اسس مناهجه السيد الشهيد محمد باقر الصدر، بعد ان اضطرت كوادره الى مغادرة العراق اوائل الثمانينات، لتتخذ من سوريا مستقرا لها، وذلك بعد تركها ايران إثر خلاف و”المجلس الاعلى للثورة” في ايران وخروجها منها الى الكويت وابعادها من الاخيرة في اواسط الثمانينات، بطلب من صدام – قبيل اجتياحه الكويت – عربون وفاء له من الامير جابر بعد دفاعه عن الخليج في حربه العراقية – الايرانية.
اذن دخل المالكي والدعاة الشام وترعرعوا فيها وعارضوا من قلبها نظاما يتعارض في ظاهره مع الهيمنة الاميركية واسرائيل، وكان نظاما بعثيا يتعارض مع البعث السوري وحليفته العمائمية طهران. وتحالف المالكي وكوادر الدعاة كبقية الاحزاب المعارضة العراقية تحت عنوان “المؤتمر”، تحالف مع الولايات المتحدة الاميركية وحصل كغيره على الاموال، كما هيأت لهذا الامر الجمهورية العربية السورية برعاية حافظ الاسد حينها.
وكان مشروع اطاحة نظام صدام الذي أخذ يشكل خطرا على مجمل دول الجوار، وكانت ثمة انباء عن نية لصدام زعزعة الامن السوري او افتراض حرب على سوريا، سيما اواخر التسعينات. وعليه كما كان للمالكي مصلحة في عدم ترك سوريا والذهاب الى احضان الغرب جهارا كما فعل الآخرون، كان لسوريا ونظامها المصلحة الاكبر في احتضان هؤلاء المعارضين، بل تجهيزهم وتدريبهم وادخال بعض “مجاهديهم” بين الفينة والاخرى سرا الى العراق كورقة ضغط على نظام صدام سيما وهو يلفظ النفس الاخير.
لينتهي الامر بمنح سوريا المالكي والكثير من افرقاء العمل المعارض العراقي كل التسهيلات القانونية اللازمة لاقامتهم وتنقلاتهم الى دول الجوار، كما منحت إيران الجنسية الايرانية لقرابة العشرين الف عراقي من معارضي النظام ومن دخل اراضيها معلنا العمل على اطاحة نظام بغداد.
واللافت ان “حزب الدعوة” الذي كان ارتبط بالزعامات الروحية الكبرى، ايرانية كالآصفي ولبنانية كفضل الله، اللافت ان له علاقة وطيدة وهذه الزعامات التي تؤثر تالياً على القرار السوري في دعم الدعاة او تحييدهم او الوقوف الى جانبهم في وجه من نسب اليهم مشروع الهلال الشيعي. واللافت عدم حديث المتأثرين بهذه الزعامات او الحزبيين في لبنان، وقد انخرطوا ابتداء في مسيرة “الدعوة” الشيعية منذ تأسيسها، عدم حديثهم عن هذا الصراع سيما انه يهدف الى انشاء محكمة دولية كتلك التي انشئت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
مشهد شائك لكن تفاصيله تنم عن علاقة هي الاقوى مع من يمسك بزمام الامور. ولو لم يبقَ للمالكي الا اشهر معدودة والمراهنة على تكرار تجربته شبه مستحيلة، لتدخل القاصين والدانين.
وهو ما دفع ببعض الساسة العراقيين او مجملهم، اي من كان داخل الائتلاف الجديد وخارج ائتلاف دولة قانون المالكي، هو ما دفعهم الى اخذ موقف الصمت من التصريحات وقطع العلاقات وسحب السفراء، وكأن المقصود من كل ذلك هو بلبلة سياسية ولعبة تصفية حسابات وهذا ما روجت له الادارة السورية على لسان الرئيس بشار الاسد.
لكن السؤال الاهم ما كان موقف هؤلاء لو كان الامر نفسه قد تم في عهدهم؟ اكانوا سيغادرون العراق كما فعل اليوم كل من رئيس الوزراء السابق والاسبق، ام سيبحثون عن حل لهذه المسألة الشائكة فعلا، سيما انه سبق لهم ان كانوا قريبين من النظام السوري ويعرفون خططه وتحركاته؟
وما هو الموقف من اهالي الضحايا الابرياء وهم يسقطون في شوارع العراق ومفترقات طرقاته وعلى ابواب وزاراته بالمئات؟
ما هو الموقف علما ان الشهود في هذه القضية ليسوا مفتعلين ولا من “صديق” بينهم، فهم اطفال وشباب سوريون وسعوديون ومن جنسيات اخرى يعترفون بانهم تلقوا تدريباتهم في سوريا.
ما هو موقف الثعلب الصامت مثلما سماه الاستاذ جهاد الزين في مقاله “لماذا يصمت الثعلب؟” المنشور في 30 تشرين الاول 2008 في “قضايا النهار”- واقصد جلال طالباني الذي التزم الصمت ابان تهجير مسيحيي العراق؟ ام ان الخوف من مطالبة سوريا ساسة الاقليم بتسليم الزعامات الكردية المعارضة للنظام السوري هو ما يخيفه؟
ولماذا العراق وحده هو الذي يسعى جاهدا لتسليم معارضي النظام الايراني “مجاهدي خلق” المطلوبين من السلطات الايرانية بجرائم خطيرة في حين تمتنع حليفة النظام الايراني من تسليم اكبر البعثيين دهاء على اراضيها للحكومة العراقية؟
ولماذا يصمت المجلس (الحكيميون) وحركة الوفاق (علاوي) والاصلاحيون (الجعفري) والصدريون، وكل هؤلاء؟ لماذا يصمت الاميركيون؟ ولسان حال الشارع العراقي الآن بكل مكوناته محكمة دولية وكلهم يصرخون سوريا مضيفين اليها ايران.
كل هذه الاسئلة اجد لها اجابة واحدة بعد مرور سريع على شرط المالكي الاوحد على سوريا، وهو تسليم محمد يونس الاحمد، نائب أمين سر المكتب العسكري للبعث، والمطلوب لدى القوات الأميركية ضمن قائمة الخمسة والخمسين الشهيرة، والذي يرئس اليوم جناح البعث العراقي في سوريا، ويحمل الجناح اسمه وسطام فرحان، وهو عضو القيادة القطرية لحزب البعث، وهما من القيادات البعثية اللاجئة الى سوريا.
ومن البديهي ان تكون الاجابة في الاسباب الكامنة وراء صمت الداخل والخارج، كالتالي: بالنسبة للخارج:
لم يتسنّ للاميركيين حتى الآن ولا الى ادارتهم الجديدة اتخاذ اي قرار يعلنون فيه موقفهم طرفا من أي خلاف في العراق أو خارجه. وحين أرادت القوات الاميركية شن حملة عسكرية على الاراضي السورية واستهداف “ابو غادية” القيادي السوري في “القاعدة” في منطقة دير الزور، استغلت فترة ما بين الرئاستين اثناء حكم الرئيس بوش.
الولاء الذي يعلنه الخارج الممانع لاميركا والمنضوي تحت لواء ولاية الفقيه وسوريا الاسد، وتقاطعه مع افتراضية العمالة العراقية للمحتل، وعدم تخوينه سوريا.
التخوف من تبني بان كي مون طلب المالكي انشاء المحكمة الدولية وانجرار الامر الى ملفات كبيرة كانت نادت بها بعض الاطراف لا سيما منها اغتيال الحاج مغنية، سيما ان هناك تعاطفا دوليا كبيرا مع العراق في هذا الشأن.
انسلاخ المالكي عن اي انتماء اقليمي، واغلاقه باب التدخل الاقليمي في وجه ايران بعد فشلها في اقناعه بالدخول الى الائتلاف الشيعي الموحد.
التخوف من عودة المالكي في بعض قضاياه الى الامم المتحدة وادخاله في سجالات يطول بها الامد بغية استمرار حالة الذعر والفوضى، سيما ممن يرغبون في ابقاء العراق تحت البند السابع.
سياسة “فرّق تسد” التي تتبناها دول الخليج والاردن، واستفادتها من الخلاف السوري – العراقي، واجواء الحديث عن التحالف الرباعي الذي اسسه الجلبي وهمس به الاسد من قلب تركيا والذي يضم بين دفتيه كل من العراق العباسي وسوريا الاموية وايران الصفوية وتركيا العثمانية.
الرهان على التخبط الذي يشهده المشهد السياسي العراقي اليوم والذي قد يؤدي بالعراق الى ان يجد نفسه مجبرا على العودة الى الحاضنة السعودية، والعربية المعادية لسوريا.
وعن الداخل:
“المجلس الاعلى”، عمار الحكيم:
أ- فالمالكي لا يشكل لديهم كل العراق ولا رئاسة وزرائه، وكانوا قد فكروا مرارا باسقاط حكومته برلمانيا وطلبوا لذلك دعما من حلفاء اسقطهم المالكي بجهود الصدريين.
ب- ثارات انتخابات مجالس المحافظات الماضية وفشل المجلس وبقية الافرقاء فيها واتهامهم المالكي بتزوير نسبها للتهيئة الى المقبل من الانتخابات.
ج- عدم انضمام المالكي الى الائتلاف الشيعي الجديد وممانعته القطعية، وهو ما يربك المجلس، كون المالكي رقما صعبا تمنى السيد عمار الحكيم قائد المجلس انضمامه اليه في احلك ظروفه وهو يلقي خطبة الجمعة معزيا بفقد ابيه.
د- الخلاف التاريخي الجذري بين “المجلس” و”الدعوة”
هـ- الموقف الايراني من رسم علاقات حلفائها و”المجلس الاعلى”، وعدم تبني المواقف الحساسة دون الرجوع اليها لا سيما موقف العراق من سوريا.
“تيار الاصلاح الوطني”، السيد الجعفري: ذاكرته الحاضرة في انقلاب المالكي الدستوري عليه، وفق اجندة ونظام “حزب الدعوة” الداخلي واطاحته به وعزله ليكون في ما بعد تياره الاصلاحي.
“التيار الصدري”، مقتدى الصدر: وامسهم القريب في صولة الفرسان وتطهير البصرة من قياداتهم والتسبب في حل “جيش المهدي” الجناح العسكري لمقتدى الصدر وتياره بعد اعتقالات واغتيالات عدة.
“حركة الوفاق”، اياد علاوي: ايمانه بعدم شرعية الحكومة العراقية وفشلها، فضلا عن علاقاته الوطيدة كقيادي بعثي سابق مع النظام السوري والمطلوبين امنيا للحكومة العراقية، كما ويذكر انه بادر الى طلب عفو عنهما لدى المالكي مما عرضه لخسارة الكثير من شعبيته.
القيادات العربية السنية: غالبيتها بعثية او متعاطفة مع البعث وتتخذ من سوريا متنفساً عروبياً لها وبقية الكوادر البعثية التي تناوئ الاحتلال.
وجدير بالذكر ان الاصرار الذي يلتزمه المالكي في المطالبة بانشاء المحكمة الدولية، والتي شدد على ان يكون طابعها طابعا تحقيقيا كتلك التي نشأت ابان اغتيال الحريري، اصرار يجد ثمرته عند الشارع العراقي الذي سئم الحلقات المقفلة في تحقيقات القضاء العراقي لا سيما ان الاخيرة تتلازم وتراشق تهم سياسية بين اطراف الداخل العراقي حينا ودول الاقليم احيانا اخرى.
فهل ستتشكل هذه المحكمة وتكشف من خلالها عمليات اغتيال كبرى وهجمات انتحارية خطيرة كان طابعها يختلف تماما عن طابع عمليات “القاعدة” في بلاد الرافدين؟ ام انها ورقة امنية بيد صاحب خطة فرض القانون في مرحلة ما قبل الانتخابات؟ وكيف سيكتمل هذا الملف او يغلق وثمة اشارات للمالكي عن اتهامات لاطراف عراقية ولدول عربية واقليمية عدة وانظمة تدير اجنداتها استخبارات هي الفاعل الاساس في امن العراق واستقراره. كل هذا سيكشف عنه رهان المالكي بعد فشل وساطتي الخارجية الايرانية والتركية في لملمة الازمة وصمت اميركي لربما تقف وراءه غايات.
(بغداد)
النهار