الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

أين إيران من خلاف سوريا والعراق ؟

سركيس نعوم
لا يستبعد متتبعو الأوضاع في العراق من عرب وأجانب ان تكون سوريا بشار الاسد المجاورة له احدى الدول التي تساعد في زعزعة امنه بل في منع استقرار هذا الأمن بتسهيل عمليات تسلل الارهابيين والمجاهدين اليه لمقاتلة الاميركيين والمتعاملين معهم او غض الطرف عنها، وكذلك جراء تسهيل دخول السلاح والمواد المتفجرة الى اراضيه. ولا يستغربون تبعاً لذلك رد فعل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على التفجيرات الاخيرة في بغداد التي أوقعت مئات بين قتيل وجريح، وتحديداً اتهامه سوريا مباشرة بالمسؤولية عن هذا النوع من الاعمال ومطالبته المجتمع الدولي بانشاء لجنة تحقيق دولية لا بل محكمة دولية للتحقيق في هذا الموضوع بكل تشعباته وتالياً للحكم فيه. علماً ان المسؤولية السورية عن اعمال اجرامية كهذه، سواء كانت صحيحة ام ظالمة، اثيرت اكثر من مرة من رجالات “النظام الجديد” الكبار في العراق الذي قام بعد اسقاط الاميركيين نظام صدام حسين عام 2003. لكن التدخلات والمساعي مع الدولتين الشقيقتين ولاسيما منها التي بذلتها الجمهورية الاسلامية الايرانية حليفة سوريا وصاحبة النفوذ الأقوى في العراق، كانت تهدّىء الانفعالات. الا ان ما لا يستبعده المتابعون انفسهم للأوضاع العراقية ان يكون للأخيرة دور مهم في تصاعد الخلاف والتوتر بين بغداد ودمشق بل في قيادة البلدين نحو مواجهة صعبة وربما مكشوفة. فرئيس الوزراء نوري المالكي الرجل الذي خرج و”حزب الدعوة” الذي يتزعم الأقوى في الانتخابات المحلية الأخيرة والذي يعمل على ان يخرج وحزبه في الانتخابات النيابية في اوائل السنة المقبلة الأقوى كذلك، وجد نفسه في المدة الأخيرة معزولاً. ذلك ان المجلس الاسلامي بزعامة آل الحكيم الذي مُني بهزيمة قاسية في الانتخابات المحلية المذكورة نجح، ولأسباب متنوعة، في تكوين ائتلاف واسع تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة وترك مكاناً صغيراً للمالكي وحزبه داخله. طبعاً احرج ذلك رئيس الوزراء وحرمه على الأرجح فرصة كان ينتظرها للتحوّل رجل العراق القوي والوحيد، وخصوصاً في مرحلة إعادة ترتيب أوضاعه في ضوء الإنسحاب الاميركي المرجح والمتفق عليه والمتوقع ان ينتهي سنة 2011. هذا الوضع السيىء الذي وجد المالكي نفسه فيه ربما يكون دفعه، في رأي المتابعين انفسهم، الى التصعيد والتشدد مع سوريا اعتقاداً منه ان ذلك قد يعيده نقطة اجتذاب شعبية و”فصائلية”.
هل يعقل ان يكون ضعف المالكي او استضعافه احد اسباب التوتر المتصاعد بين سوريا والعراق؟
طبعاً لا، يجيب المتابعون انفسهم. فهناك اسباب اخرى كثيرة تدفع في اتجاه التوتر المذكور اعلاه، ابرزها اثنان. الأول، قرار ايران الاسلامية وبعد تجربتها المرة مع العراق ايام صدام حسين الحؤول دون عودة هذا البلد مصدراً لأي خطر عليها الآن ومستقبلاً. ولتحقيق ذلك لا بد من تكوين نفوذ داخله وذلك ممكن من خلال حكم الغالبية التي هي شيعية وابقاء التوتر السنّي – الشيعي قائماً في كل المنطقة الأمر الذي يبقي العراق الجديد الشيعي في حاجة الى الحماية الايرانية كما هو ممكن من خلال اقصاء اي نفوذ عربي حليف او معادٍ عن العراق. من هنا ضرورة إبعاد نفوذ سوريا عن العراق وخصوصاً ان ما يجمع البلدين ليس العروبة فقط، وانما ايضاً حزب البعث “الكافر” ايرانياً والحاكم في سوريا والداعم للبعث العراقي في مقاومته لأميركا المحتلة وكذلك للنظام المرشح للتحول اداة في يد ايران وشيعتها. اما السبب الثاني، فهو ايضاً قرار ايران عدم التنازل عن مكامن قوتها التي ستفرض على المجتمع الدولي وفي مقدمه اميركا الاعتراف بأنها دولة عظمى في المنطقة. ومن هذه المكامن قوتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية التي تفرض الخوف على الجميع في المنطقة من اصدقاء واعداء. ومنها ايضاً نجاحها في الوصول الى قلب العالم العربي بواسطة “حزب الله” في لبنان و”حماس” في فلسطين ونظام الاسد في سوريا. وقرار عدم التنازل المذكور يعكس خوفاً من خطط اميركية لفرض التنازل عليها، ذلك ان تصاعد قوتها خليجياً بل عربياً واسلامياً وتسليحياً صار يشكل تهديداً مباشراً لأميركا ومصالحها الحيوية في المنطقة وفي مقدمها اسرائيل والنفط وعرب النفط. وهذه الخطط موجودة وتركز كلها على فصل سوريا عن ايران الاسلامية تارة بالضغط عليها وطوراً بتقديم الاغراءات لها باعتبار انها الأقل خطراً والاكثر قابلية للتفاهم في حين ان الخطر الاكبر صار ايرانياً وعصياً على الاحتواء. لكن هذه الخطط فشلت حتى الآن. وايران تعرف ذلك، لكنها لا تزال حذرة وخائفة من استمرارها لان المواجهة بينها وبين “العالم” دخلت مرحلة بالغة الصعوبة والتعقيد والحساسية. ذلك ان الفشل المشار اليه، والذي كانت ساحته لبنان، يمكن ان يتكرر في العراق اي يمكن ان تستعمل التطورات العنفية السلبية في العراق لفض التحالف الايراني – السوري وخصوصاً اذا تفاقم الخلاف بين بغداد ودمشق وبادرت بغداد الى استضافة معارضين سوريين للنظام ورعت ايواء مجموعات مقاتلة معادية لسوريا الاسد وتدريبها وتمويلها وتسليحها وارسلتها الى سوريا لضرب استقرارها السياسي والأمني.
الى ذلك كله، يجب الا يستبعد احد، يقول المتابعون للاوضاع العراقية انفسهم، عودة الحماوة الى الصراع السنّي – الشيعي في المنطقة ومنها لبنان. كما يجب عدم استبعاد اقدام حكومة اسرائيل برئاسة نتنياهو على اعمال عنفية ضد لبنان او الفلسطينيين او ربما غيرهم لأنه رجل لا يؤمن جانبه. ولا يعني ذلك، طبعاً، أن سوريا ستراقب ما يجري من دون الإقدام على ما يحميها سواء من خلال “اتصالها” بشخصيات وأحزاب عراقية لتقف في وجه المالكي و”محرّضيه”، او من خلال محادثاتها المباشرة مع ايران. ويبدو أن تحركها بدأ يثمر بدليل اختلاف رئيس الوزراء نوري المالكي مع مجلس الرئاسة الذي يتزعمه جلال الطالباني.
التهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى