خليفة بن لادن الجديد
في مقال بمجلة فورين بوليسي الأميركية، ترى أستاذة الدراسات الأمنية بجامعة ولاية داكوتا الشمالية ومؤلفة كتاب الجهادية العالمية جانيت براشمان، أن تنظيم القاعدة لم يعد مجموعة إرهابية كما كان، بل أصبح حركة إرهابية عالمية، تحاول من خلال قائد جديد ترى فيه الكاتبة خليفة لأسامة بن لادن، أن تقود حركة فكرية تعيد تشكيل الإسلام من الداخل بطريقة قوية ومحببة.
وبدأت الكاتبة مقالها بأن المعركة مع القاعدة، بعد ثماني سنوات من هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي أودت بالعديد من الأنفس وأدت إلى تبديد جهود وأموال هائلة، ما زالت مستمرة، ولم يتضح هل الأميركيون سينتصرون فيها أم لا؟
وتساءلت الكاتبة عن المقصود بالقاعدة هل هم كبار الزعماء الذين يعملون في مكان ما من منطقة القبائل الباكستانية وأفغانستان؟ أم المتطرفون من القاعدة ومعظمهم في العراق والجزائر واليمن؟ أم هؤلاء الذين يتبعون القاعدة ويسمون أنفسهم بالقاعدة وهم ليسوا كذلك من ناحية فنية؟
كما تساءلت عن الانتصار، هل يعني القضاء على المنظمة أم مجرد شل عملها؟ وهل يعني تدمير القدرات العسكرية للقاعدة أو التقليل من قدرة القاعدة على اجتذاب وكسب ود عقول وقلوب الناس في مختلف أنحاء العالم؟
افتراض تغيير في القاعدة
ونبهت الكاتبة إلى أن القاعدة أجرت تعديلات داخلية خلال السنوات الثماني الماضية، فتحولت من مجموعة إرهابية عالمية إلى حركة إرهابية عالمية.
وقالت إن ما كان يراه الآباء المؤسسون ومعهم جيل من الشباب الطموحين واللامعين من أهمية الهجمات تغير، لأن تزايد الضغوط بسبب الحرب على الإرهاب، جعل جزءا من القاعدة يرى أن القاعدة ستكون أكثر فعالية عندما تتحول إلى حركة أيديولوجية.
لذلك أصبحت القاعدة تعتبر الإرهاب واحدا من عدة أساليب ووسائل في جعبتها وترى أن تغيير العقول أهم من تغيير السياسات، كما بينت الكاتبة.
وخلصت من ذلك إلى أن القاعدة التي نحاربها في عام 2009 ليست هي التي توجهنا لحربها عام 2001، ومن سوء الحظ أن عقليتنا بقيت على ما هي عليه بدون تغيير، على حد تعبيرها.
شخصية جديدة في القاعدة
ولخصت براشمان التطور الذي حدث في السنوات الثماني الماضية في شخصية رجل واحد، هو الشيخ أبو يحيى الليبي رئيس اللجنة القضائية للقاعدة والخليفة المحتمل لأسامة بن لادن.
وقالت إنه شخصية إعلامية شابة ذكية وأيدولوجي متطرف ومتفوق في تبرير الأعمال الإرهابية الوحشية استنادا إلى أحكام ومقولات دينية.
ومع أن التفاصيل نادرة وقليلة عن حياته كما تقول براشمان فإنه يمكن تكوين فكرة عنه عبر المقابلات التي نشرت له، وكذلك عبر الأفكار التي يقدمها هو وغيره من زملائه السابقين.
ولد أبو يحيى وترعرع في ليبيا، واسمه الحقيقي محمد حسن قائد، وهو معروف أيضا باسم يونس الصحراوي، وكان شابا نبيها ولامعا وقد التحق بجامعة سبها في ليبيا حيث درس علم الكيمياء.
وفي الثمانينيات أو التسعينيات غادر بلده الأصلي إلى أفغانستان حيث استقر به المطاف في ولاية لوغار، وفي تلك الفترة التحق بالمجموعة الليبية الإسلامية المقاتلة الوليدة آنذاك التي كان أخوه الأكبر أحد قادتها الكبار، والتي كانت عازمة على الإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي بالقوة، كما قالت الكاتبة.
وفي وصفها لهذا القائد الجديد تقول براشمان “سواء كان أبو يحيى يشاهد وهو يتمشى عبر الأودية أو يتدرب على إطلاق النار على الأهداف مع فتيانه أو كان يتلو الشعر فوق قمم الجبال أو يقطع الخبز مع طلابه, فإنه يبدو قدوة للجيل الأصغر من القاعدة”.
وتضيف “قد تبوأ مناصب رفيعة في القاعدة، ومكنه تدريبه الديني المميز من الدفاع بكفاءة واقتدار عن هجمات القاعدة والانقضاض على أعدائه بطريقة وخلفية لا يمتلكها أي من أسامة بن لادن ولا نائبه الطبيب السابق أيمن الظواهري”.
ولا تشك براشمان في أن القاعدة، في حالة موت بن لادن أو أيمن الظواهري أو اعتقالهما, ستتوجه إلى (أبو يحيى) لتسلمه زمام الأمور، وعندها ستكون القاعدة عدوا أشد مثارا للرعب والخوف، حسب الكاتبة.
وتصف براشمان (أبو يحيى) بأنه سريع الابتسامة وموهوب، وتقول إنه ينظر إلى العالم بطريقة مختلفة تماما عن طريقة كبار القاعدة، موضحة أن مهمة القاعدة بالنسبة له ليست زعزعة أركان الحكومات العربية ودحر القوات الأميركية من منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل إن مهمتها الفكرية والثورية الدينية الأولى والأخيرة تتمثل في إحداث ثورة دينية عقائدية وفكرية مبدعة.
وتقول براشمان “أبو يحيى لا يحاول أن يجعل المسلمين يعجبون بالقاعدة كما يفعل أسامة بن لادن، ولا أن يجعل فرائص الصليبيين الصهاينة ترتعد خوفا منها كما يفعل أيمن الظواهري, ولكنه يريد إحداث تغيير، وإعادة تشكيل الإسلام من الداخل بطريقة قوية ومحببة”.
وبكلمات أخرى تقول الكاتبة، فإن “القاعدة ونظام عملها الذي عرفناه على وشك أن يتغير بطريقة مختلفة تماما
ولكن براشمان ترى أن (أبو يحيى) بالرغم من الخطر النوعي المختلف والمميز الذي يمثله، لا زال غير معروف خارج الدوائر الصغيرة من المهنيين المختصين في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة.
جهل صناع السياسة
ترى براشمان أن جهل صناع السياسة الأميركيين بـ(أبو يحيى) وغيره من قادة القاعدة الشباب أكثر من خطأ، وأنه يعكس استمرار الحكومة الأميركية بجهل نوعية الحرب التي تورطت فيها, إذ الصراع بات صراع أفكار.
وترى براشمان أن الوكالات الحكومية الأميركية لم تدرس بما فيه الكفاية ما تصدره القاعدة، لأن الحرب وقلة الموارد وضعف الكادر تشغلها عن ذلك، مؤكدة ضرورة ترجمة ودراسة البيانات الصادرة من النواحي الإستراتيجية والعقائدية التي تقدم رؤية متبصرة عن مكامن الضعف والقوة في القاعدة.
وقالت الكاتبة إنه لا بد من اعتبار (أبو يحيى) ذا مستقبل واعد، خاصة أن جماعته أرسلته في مارس/آذار 1992 إلى موريتانيا، حيث حصل على دراسات دينية عليا بإشراف بعض أشهر رجال الدين في تلك الدولة.
وقالت إنه عاد بعد سنوات من الدراسة المكثفة إلى أفغانستان، وأصبح ذا صوت مسموع ومشهور في أوساط المنظمة الليبية الإسلامية المقاتلة.
وأضافت أنه تولى في الفترة بين 2001 و2002 الإشراف على الموقع الإلكتروني لطالبان في كراتشي المعروف باسم الإمارة الإسلامية، وهو منصب منحه مركزا مهما ليتعرف عن كثب على نفوذ وسائل الإعلام الجديدة فيما يتعلق بالتواصل مع الشباب.
وقالت الكاتبة إن (أبو يحيى) الذي اعتقلته المخابرات الباكستانية يوم 28 مايو/أيار 2002 ونقل إلى معتقل بغرام في أفغانستان، قضى فترة هناك في دراسة وضع آسريه الأميركيين.
وذكرت أنه قال في مقابلة له مع الموقع الإعلامي للقاعدة “السحاب” في يونيو/حزيران 2006 إنه وجد الجنود الأميركيين جبناء وضائعين ويعانون من خليط من الانحرافات العقائدية والأخلاقية والسلوكية، كما أنه استغل الوقت لدراسة الإجراءات الأمنية للسجن.
وقالت براشمان إن (أبو يحيى) وثلاثة من رفاقه تمكنوا من الهرب من سجن بغرام في العاشر من يوليو/تموز 2005 عن طريق استبدال ملابس السجن البرتقالية بملابس زرقاء كانت مخبأة في زنزانتهم التي فتحوا بابها وساروا في قاعدة بغرام متخفين كجنود أميركيين يحملون الأثاث.
وقالت جانيت إن
(أبو يحيى) استغل هروبه الدراماتيكي عن طريق وسائل الإعلام من أجل كسب الشهرة كما استغلته القاعدة.
الجزيرة نت