صفحات الحوار

عمر خوري…عن “السمندل”، الكائن البرمائي الذي غزا بيروت ومدن أخرى

null
بيروت – فراس زبيب: حين خرج اول عدد من مجلة السمندل الى الاسواق اللبنانية، عرفنا، نحن الذين اطلعنا عليها، انها ستُحدث تغييرا جزريا في عالم الادب والفن على حد سواء. فالكتب المصورة (comics) هي فن يعترف به العالم اجمع ويبقى، في لبنان، نادرا وغير شعبي.
عرفنا ايضا ان الرسومات التي شاهدناها في الاعداد الخمسة من السمندل هي لفنانين موهوبين كان يمكن ان يبقوا، كما يحصل غالبا في بلادنا، طي النسيان. عرفنا ايضا ان الفن يجب ان يتحرك احيانا وينزل الى الشارع والى المكتبات تاركا المعارض والمخيلات الطموحة جانبا، بحركة جريئة هكذا، ليصل الى ايادي الناس والقراء ويفرض نفسه عليهم.
السمندل، هو مشروع ضخم تحقق ببساطة عبر حماسة وموهبة بعض الفنانين اللبنانيين. هو زواج بين فنين اثنين، فن الصورة والرسم وفن النص والادب، وهو حدث ثقافي بارز في لبنان والعالم العربي.
لذلك، قابلنا احد مؤسسي مجلة السمندل وهو الرسام عمر خوري في مقهى “ليناز” في بيروت، وكان الحوار التالي.
– حدثنا كيف بدأ مشروع السمندل؟
– انطلقت فكرة المشروع في العام 2006، حين كنت أعمل على الشريط المصور الخاص بي, ولم يكن هناك ناشر يتبنى هذا النوع من الفنون بوتيرة منتظمة. فخطرت ببالي فكرة إصدار مجلة مستقلة لا تكون تابعة لأحد وليس لها لون سياسي خاص. طرحت الفكرة على صديقي طارق الذي يعمل في المجال الفني نفسه. كان ذلك مباشرة بعد الحرب اللبنانية الاسرائيلية الاخيرة، وأعجبته الفكرة كثيراً. ثم استشرنا صديق آخر مشترك واسمه حاتم (…) وهو مصمم غرافيك وكان عائداً لتوه من انكلترا.
هكذا بدأنا العمل على الفكرة. ولم نشأ أن تكون محصورة بلبنان وباللغة العربية لأنها كانت ستكون مغلقة ولا تضم خبرات أخرى ولا ثقافات. وفكرنا أن نفتحها للجميع. فلدينا أصدقاء كثر يعيشون في الخارج ولديهم خبرة أيضاً وهذا ما يتيح التبادل عبر البلدان والثقافات. هكذا قررنا أن تكون بثلاث لغات العربية والفرنسية والانكليزية في آن معا. فحتى في لبنان هناك أشخاص يرتاحون للكتابة بالفرنسية أو الانكليزية أكثر من العربية, خاصة وأن تأثير الكتب المصوّرة (comics) ومصدرها أجنبي.
– وماذا عن الاسم؟
– كنا جالسين نتسلى ونبحث في القاموس عن كلمات غريبة ثم وقعنا على كلمة “السمندل” وهو حيوان برمائي يجمع بين المياه والارض. وفكرنا أن الشريط المصور يعيش بدوره بين عالمين هما الكلمة والصورة أي أنه برمائي ثقافياً.
فأحببنا الاسم واعتمدناه. المرحلة الثانية كانت في العمل على ملصقات (بوستر) وزعناها وارسلناها عبر البريد الالكتروني نستدرج فيها كتاب الشرائط المصورة. وخلال عام كنا نجمع المواد ونحاول تشكيل فريق العمل. وأنضمت الى الفريق لينا مرهج التي تتمتع بخبرة في هذا المجال هي ايضا, وفادي باقي المعروف. وفي آخر 2007 كان لدينا عدد صفر هو خلاصة تجربتنا الاولى. وتكون العدد صفر من 64 صفحة عمل عليها 6 اشخاص بينهم أنا وطارق نبعة وغيرنا… وأقمنا حفلاً صغيراً في حانة “961” (الرمز الهاتفي للبنان) التي افتتحت في شارع الجميزة وكتب عنا كثيراً في الصحف. طبعنا 500 عدد تم توزيعها مجاناً. وتفاءلنا…، وقررنا أن ننطلق عملياً بالمشروع. بعد 6 أشهر صدر العدد الاول. ومنذ ذلك الحين توالت الأعداد. الهدف كان أن يصدر عدد كل 3 أشهر. في البداية تأخرنا قليلاً فالمدة الزمنية التي فصلت بين العدد صفر وواحد كانت 6 أشهر ثم 4 ونصف إلى أن وصلنا الى هدفنا بإصدار عدد كل 3 أشهر.
– من هم كتاب السمندل؟ هل هم الكتاب أنفسهم أم تستقطبون اقلاماً جديدة في كل عدد؟
– هناك أشخاص مستمرون معنا منذ العدد صفر وهناك اشخاص جدد يشاركون في هذا العدد او ذاك. هؤلاء يطرحون فكرة جديدة مثلاً، فنصوت عليها وإذا أعجبتنا نعتمدها. هناك أيضا بعض القصص المتسلسلة التي تتتابع من عدد الى عدد. مثل عملي مثلا، وعمل لينا مرهج، كما يشارك أحياناً مازن كرباج برسوماته… لدينا أيضاً شاب أرجنتيني يساهم معنا و2 من فرنسا ومن العالم العربي لدينا أكثر من مشارك، من مصر والاردن ومن دبي ايضا…
– كيف تعرف هؤلاء الأشخاص عليكم؟
– بعضهم تعرفوا علينا عبر الموقع الالكتروني (samandal.org) أو قرأوا مقالاً عنا عنا او هناك, أو زاروا لبنان مثلاً والتقينا بهم هنا. مثلاً الشاب الارجنتيني تعرف على حاتم وطارق خلال ورشة عمل وقرر أن يراسلنا. لدينا أيضاً شخصان من الولايات المتحدة أحدهما زار لبنان بدوره…
– من هم برأيك قراّء السمندل؟ أو لمن تتوجه المجلة سواء في لبنان او الخارج؟
– المجلة موجهة بشكل أساسي الى من تخطوا الـ 18 من عمرهم. ففي العالم العربي تتوجه الشرائط المصورة عموماً للاطفال أما نحن فقررنا أن نتوجه للشباب والراشدين لنظهر أن عملنا هو فن حقيقي وله مغذى جدي أحياناً وليس مجرد تسلية “للاولاد الصغار”. هذا الشيء الوحيد الذي يحدد جمهورنا. وحتى الآن يتراوح غالبية قرائنا بين 18 و30 عاماً وهؤلاء بشكل عام من نلتقيهم في المناسبات المتعلقة بالمجلة, وهم أشخاص مهتمون بالثقافة والفنون والتصاميم الحديثة. لدينا تلامذة مدارس من المراهقين. الغالبية هي من اللبنانيين… لكن لا يمكنني الجزم لأننا لم نجر استطلاعاً دقيقاً. وأيضاً هناك من يطالعها على شبكة الانترنت. ففي كل مرة يصدر عدداً جديداً نطرح الاقدم على الشبكة على الموقع: www.samandal.org حيث تترجم المجلة كاملة الى الفرنسية والانكليزية والعربية.
– ماذا تشبه السمندل؟ وبأي مخيلة ثقافية هي متأثرة كون هذا النوع الفني غير مسبوق في لبنان والعالم العربي؟
– الفكرة بالاساس مستوحاة من اليابان حيث تصدر مجلات رسوم متحركة للراشدين (manga) بشكل أسبوعي تقريباً، ومنها ما يستمر على شكل مسلسلات ومنها ما يتوقف ويتجدّد. حتى الحجم مستوحى من اليابان وهو يشبه حجم مجلات المانغا التي أحبها كثيراً. أما كل عمل على حدى فيتغير الاسلوب بحسب الكاتب… بعضهم مستوحى من التقليد الفرنسي وبعضهم من التقليد الاميركي…
– برأيك هل يمكن اعتبار هذا العمل، بمحتواه ومخيلته الفنية ولغته، لبنانياً؟
– أنا أعتبر أن عملي أو مساهمتي على الاقل لبنانية كثيراً. فشخصياتي تتحدث العربية الفصحى واللهجة المحكية والاحداث تدور في بيروت والمواضيع في غالبتيها تتمحور حول الحياة العامة في لبنان ولكن فيها في الوقت نفسه بعض “الخيال العلمي”. فنحن ليس لدينا أعمال تعتمد فعلياً على الخيال العلمي لكني أحاول إدخال هذا الفن الى شريطي المصور. أحاول أن يحمل العمل نكهة خاصة بحيث لا يشبه النمط الياباني أو الاميركي كلياً… لا نزال نحاول صياغة أسلوبنا الخاص فلا يمكننا تحديده من الآن.
– حدثني قليلاً عن التسويق… مع مرور الاعداد والوقت هل شعرتم ان المشروع يكبر أكثر؟
– نحن لا نزال نواجه عقبات في التمويل وهذا يمنعنا من التوزيع بالشكل الذي نرغب به. ولكن مع مرور الوقت الاعداد التي نبيعها ترتفع. اي مبيعاتنا الآن بلغت ألفي عدد لكنها محصورة في غالبيتها في بيروت. ونحن نحاول أن نوسع دائرة عملنا لتشمل كل لبنان والخارج. نحاول أن نعقد اتفاقاً مع “لوفان” ليوزعوا مثلا. لكننا نعتمد على توزيعنا وتوزيع مكتبة “انطوان” و”سيال” وخصوصاً الـ “فيرجن” حيث المبيعات عالية جداً.
– من يمولكم؟ أو من الناشر؟
– نحن. الأعداد الاربعة الاولى كانت بتمويل من منظمة غير حكومية اسمها زانادو (zanadou) تملكها زينة الخليل. هي كانت تتكفل بثمن الطبع ونحن نعتمد على مساعدات من هنا وهناك… الآن ما عادوا قادرين على دعمنا. فحاولنا الاعتماد على انفسنا. ما ساعدنا هذا العام هو “بيروت عاصمة عالمية للكتاب”, فنحن نعمل معهم على 4 مشاريع انتهينا من واحد هو ورشة عمل استضافت مجموعة بلجيكية اسمها “موظف الشهر” وهي عبارة عن دار نشر, تعرفنا اليهم وأحبوا المشروع جداً وبدأ التعاون بيننا. جاء شخص من قبلهم اسمه ستيفان نويل أدار ورشة عمل حول “كيفية تركيب قصة الشريط المصور وكتابتها”. فغالبية الاعمال التي تصلنا تعتمد على الرسوم أكثر مما تعتمد على الكتابة. فكنا نشعر أن القصة أحياناً ضعيفة لأن من يكتب هم الرسامون، الذين يكتبون بهدف الرسم اكثر مما هي الكتابة. فأحببنا أن نستضيف شخصاً مختصاً ليدرب الرسامين على كتابة قصصهم, وبالفعل جاء ستيفان نويل وأعطى تدريباً لثلاثة أيام ثم القى محاضرة في اليوم الاخير.
بعد ذلك اطلقنا مسابقة حول موضوع “الثأر” تقوم على فكرة كتاب يتشارك في صنعه لبنانيون وبلجيكيون. يتقدم الراغبون باقتراحات ونقيمها ثم تعود مجموعة “موظفي الشهر” مرة اخرى لإقامة ورشة تدريب ثانية في نهاية تشرين الاول (اكتوبر) المقبل على هامش “صالون الكتاب” الفرانكوفوني.
– وأنت كيف توفق بين الرسم والكتابة؟ أي هل ما تقوم به هو رسم تضاف اليه القصة؟ أم العكس؟
– الامر ليس كالسينما… إنه أمر مختلف بعض الشيء. يأتي سحر الشريط المصور من وضع صورتين جامدتين الواحدة قرب الاخرى. فالفريد في هذا الفن أنه يمكنك من جمع الصورتين من دون كلام والقارئ يملأ الفراغ بينهما برأسه ومخيلته. فصحيح ان هذه الصور التي لا تتحرك على الدفتر لكن سياقها ومتباعتها تجعلها في حركة مخيّلة ما. هنا يمكن السحر.
– كيف تعرف السمندل؟ هل هي مجلة او كتاب؟
– اليوم، ربما هي مجلة أكثر منها كتاب… لا نزال الآن في مرحلة وسطية. فنحن لم نحصل على ترخيص للمجلة… ربما نعتبرها كتاباً دورياً. لا أدري…
– لماذا لم تحصلوا على الترخيص بعد؟
– الامر مالي بالدرجة الاولى… فهو يكلف نحو 5 الآف دولار. إضافة الى أننا بحاجة لصحافي من النقابة ليعمل على الموضوع.
– هل واجهتهم صعوبات قانونية إذاً… أو رقابة من اي نوع؟
– المشكلة الوحيدة التي واجهناها حتى الآن تتعلق بالعدد الرابع. فبعدما كنا أرسلنا الاعداد الاولى عبر البريد الى الخارج أوقف الامن العام العدد الرابع في المطار وقالوا أنه لا يحق لنا تصدير مطبوعة دورية. وكان يجب أن نستصدر تصريحاً. لكن نظراً إنه لم يكن لدينا ترخيص كنا سنواجه مشكلات إضافية…
– كيف سمع الفنانون الغربيون بأعمالكم وكيف تفسّر اهتمام الغرب بالمجلة؟
– هناك اهتمام فعلي بالشريط المصور الذي يأتي من العالم العربي والاسلامي خصوصاً بعدما انتشر كتاب “بيرسيبوليس” الايراني في العالم. هناك زينة ابي راشد ومازن كرباج مثلاً. فمازن أصدر كتاب رسوم بعد حرب تموز 2006 ولاقى الكتاب رواجاً… فالانظار متوجهة الينا اليوم. إذا بحثت على شبكة الانترنت مثلاً تجد السمندل بشكل اساسي. ونحن نبيع أيضاً في الخارج في عدد من المكتبات. ففي المانيا مثلاً دُعينا إلى (bienale) برلين ووزعنا على 5 أو 6 محلات وصرنا نرسل لهم اعدادا بالبريد. وفي بريطانيا تمكنت زينة الخليل من الاتفاق مع مكتبتين… وهكذا.
– هل مشروع السمندل قابل للتطور مع الوقت وربما يخضع لبعض التغيير أم أن تطوره يحصل باستمراره؟
– المرحلة التي نحاول الوصول اليها هي ألاّ نحمل هم التكاليف. انقضت السنة الاولى بفرح الحدث الجديد. أما الآن فبلغنا مرحلة نريد أن نجعل فيها السمندل قادراً على الاستقرار والانتشار اكثر عبر التوزيع. وفي الوقت نفسه نحاول أن نوسع التوزيع الى العالم العربي. فالعام المقبل لدينا مجموعة مشاريع في مصر حيث يوجد رسامون وقراء كثر يهتمون بهذا الفن (الشريط المصور).
– ماذا تعني باستقرار السمندل؟
– يعني أن نتوصل الى تمويل ثابت وليس أن نبحث عن دعم فردي لكل عدد على حدى. كذلك نحاول أن يساعدنا التمويل على دفع بعض المال للفنانين والرسامين. فهم حتى الآن لا يتقاضون أي بدل مادي. فهؤلاء شباب ومتحمسون لكنهم قد يتخلون عن موهبتهم لقاء عمل يؤمن لهم دخلا ما… كذلك يتيح التمويل أن نؤسس مكتب مشترك. فالآن نعمل من منازلنا وبشكل فردي. وهذا بحاجة لمؤسسة حقيقية.
– نظراً إلى ان الجمهور العربي واللبناني لا يتمتع بثقافة الشريط المصور… هل تتوقع أن يغير السمندل شيئاً؟
– لا أعرف لكني اتمنى ذلك. فهذا هو الهدف.
– هل تركزون على مواضيع محددة؟ أو تعملون على عدد بمحور معين أم لكل حريته باختيار موضوعه؟
– حتى الآن نعطي المجال أمام كل شخص أن يعمل على فكرته ما عدا قصة “الثأر” وهي مشروع مشترك مع “موظف الشهر”. المواضيع تتراوح بين السياسة والفلسفة والكوميديا… لا شيء يطغى على شيء آخر.
– هل لديك شعور ان السمندل قطع شوطاً يجعله بمنأى عن التقلبات أم أنكم لا زلتم تخافون عليه؟
– نخاف طبعاً! فالموضوع المالي يثير القلق على الاستمرارية. فنحن بحاجة لتمويل كبير لنضمن استمرار المجلة من دون التفكير بالربح.
– ما نوع الشراكة بين السمندل ومشاريع ثقافية اخرى؟ مثل متروبوليس؟
– هذا مرتبط أيضاً ببيروت عاصمة عالمية للكتاب. فنحن نساعد متروبوليس على إنشاء مهرجان صغير للصور المتحركة (ANIMATION). نحن نركز على تحريك صور مقتبسة من الشرائط المصورة. فهذان نوعان متشابهان جداً من الفنون.
– هل أنت رسام أم كاتب؟
– أنا رسام يحاول ان يكون كاتباً.
عمر خوري:
ولد في لندن في 1978 ونشأ في لبنان. درس الرسم في جامعة ماساتشوستش للفنون في الولايات المتحدة. درس لأربعة سنوات ومشروع رسالة التخرج كان “ستوري بورد” لفيلم كتبه صديق له اسمه عمر نعيم. وبفضل هذا الـ “ستوري بورد” حصل على تمويل للفيلم فذهب عمر خوري معه الى لوس انجليس وصوروا الفيلم. وعمل خوري في مجال الموسيقى التصويرية والاعلانات ثم بعد عام أراد العودة الى لبنان لانه شعر أن عمله هنا له أثر أكبر.
“فأنا هربت من لبنان لأني كنت كرهت البلد. فعدت لأرى ما سبب كرهي لهذا المكان ولبيروت ولماذا هربت… وأحببت البلد فبقيت. عملت في الرسم التصويري وأقمت معارض كان اولها في زيكو هاوس ثم في مسرح المدينة… ثم كانت السمندل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى