التكليف الثاني للحريري: من أين تأتي المعجزة للتأليف؟
خضر طالب
جنبلاط يوصي الرئيس المعتذر بعدم سماع ما يقوله السفراء
الثابت أن الرئيس المعتذر سعد الحريري سيستعيد لقب «الرئيس المكلّف» خلال الاستشارات النيابية الملزمة التي تبدأ اليوم.
والأرجح أن رئيس الحكومة المكلّف لن يستعجل في مشاوراته مع الكتل النيابية، وسيكون موعدها «الطبيعي» بعد عطلة عيد الفطر، على اعتبار أن الرئيس المكلف سيقوم قبل العيد بالزيارات البروتوكولية إلى رؤساء الحكومات السابقين.
لكن السؤال الذي يفترض أن يجيب عليه الرئيس المكلّف قبل اعتذاره وبعده، وقبل التكليف المتجدد وما بعده، هو ما الذي تغيّر بين التكليف الأول والتكليف الثاني؟
ربما يملك رئيس «مشروع» الحكومة المقبلة جواباً مقنعاً لنفسه بأن التكليف الثاني هو تأكيد على عدم قدرة أي من الأطراف على تجاوزه، وأن تجديد الثقة به إنما يعطيه هامشاً أوسع من حرية الحركة، وقدرة أكبر على ممارسة الضغط على الآخرين لتسهيل عملية تشكيل الحكومة وعلى قاعدة: إذا كنتم تستطيعون العرقلة بحكم ضرورات التوافق الوطني الذي تتحصنون به، فأنتم لا تستطيعون تشكيل حكومة من دوني ولا يمكنكم القفز فوق هذه المعادلة…
وربما هذا ما شجّع رئيس «مشروع» الحكومة المقبلة على استباق مشاورات التكليف بتوجيه رسائل سياسية في كل اتجاه داخلياً وإقليمياً، وإن بدت الرسائل الموجهة إلى سوريا أكثر مرونة من رسائله إلى الداخل، فهو جدّد تأكيده الاستعداد لزيارتها بعد التأليف، بينما كانت رسائله إلى فرقاء الداخل: اعترفوا بي أعترف بكم.
وهنا أراد الحريري استثمار ثقة التجديد لتكليفه في استدراج آخرين لتسميته ورفع رصيد الأصوات التي سيحصل عليها، وهو يراهن في الوقت ذاته على أن يشكل ذلك فرصة لفتح كوة في جدار التأليف الذي يعرف أنه ما زال مرتفعاً ولا بدّ من فتح ثغر فيها يستخدمها لتسلّقه… وإلا فإن التكليف الثاني سيبقى محاصراً خلف الجدار بما يدفع الرئيس المكلّف إلى خيارات مختلفة يحقق فيها رغبات كثيرة كانت وما تزال تطالبه بتشكيل حكومة من لون واحد…
ماذا تغيّر حتى تتشكّل الحكومة؟
عملياً تغيّر الكثير…
التغيير الأول حصل في الخطاب السياسي الذي استبق التكليف الأول: النائب سعد الحريري الخارج منتصراً من الانتخابات النيابية أعلن تأييده تشكيل حكومة وحدة وطنية، وجاءت الأجوبة سريعاً من المعارضة ترحيباً بـ«الكلام الطيّب» الذي قاله الحريري، وهذا ما فتح الباب أمام أجواء إيجابية ساهمت في بث تفاؤل بإمكانية الاسراع بتشكيل حكومة الوحدة. أما الكلام الذي يستبق التكليف الثاني فهو ساخن ويؤشر إلى انتهاء مفعول «الكلام الطيب».
التغيير الثاني طرأ على الأطر السياسية التي حكمت التكليف الأول وتحكم اليوم التكليف الثاني، فالأول جاء بروح التوافق النسبي على حكومة الوحدة، أما التكليف الثاني فإنه يأتي بوحي العجز عن تشكيلها في ظل العقد القائمة.
التغيير الثالث والأساسي أصاب معادلة س ـ س، حيث أن التكليف الأول جاء بزخم الاندفاعة السعودية ـ السورية نحو التفاهم على الوضع اللبناني، في حين أن التكليف الثاني يأتي في ظل تعليق ذلك التفاهم وبروز ملامح تأزّم جديد في العلاقة بين دمشق والرياض.
التغيير الرابع طرأ على موقف الرئيس الحريري نفسه الذي كان قبل التكليف الأول منفتحاً على جميع الأطراف، بينما يأتي التكليف الثاني على وقع توتّر في العلاقة مع «شعرة معاوية» الموجودة بينه وبين المعارضة بما يمثّلها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
التغيير الخامس يتعلّق بما حصل من تحوّل في موقف الحليف الافتراضي للرئيس الحريري رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط الذي بات أقرب إلى منطق الرئيس بري منه إلى الرئيس الحريري، خصوصاً بعد أن أعلن أمس رفضه أي تغيير على صيغة 15+10+5 فضلاً عن الرسائل ـ النصائح التي بعثها للحريري: «لا تستمع إلى ما يقوله السفراء عن استراتيجياتهم»، مع ما يعني ذلك من إعادة الحسابات الدقيقة للتوازنات.
كل تلك المتغيرات إنما تصبّ في خانة تعزيز قناعة المتشائمين وتحبط المتفائلين بإمكانية حصول انفراج بعد التكليف الثاني، بينما يحقق بعض الأطراف غايتهم: لماذا نتنازل عن الحكم ونحن انتصرنا في الانتخابات النيابية وحققنا الأكثرية؟
يدرك الرئيس الذي سيكلف سعد الحريري أن الظروف الموضوعية قد لا تأذن له بفرصة تشكيل حكومة وحدة وطنية بالسقف الذي يضعه لها، أو بالضوابط التي تحكم عملية تشكيلها، وهو عندما قدّم اعتذاره عن التكليف الأول كان يعرف أن العوائق لن تزول من أمام التأليف وفق الصيغة المتفق عليها، لكنه مع ذلك أقدم على الاعتذار وهو يعلم أنه سيكلّف مرة ثانية.
يوحي ذلك بأن الحريري وضع خطة عمل يسلك محطاتها تباعاً من أجل الوصول إلى تشكيل الحكومة، لكن… أي حكومة؟
القريبون من الحريري يشرحون بإسهاب حرص الحريري على حكومة الوحدة والالتزام بصيغة 15+10+5، لكنهم يشرحون في المقابل نتائج الاتصالات التي يرون أنها كشفت أن لا نية للفريق الآخر بتشكيل حكومة أصلاً.
وتظهر تلك النقاشات أن الرئيس المكلف يملك فعلاً أكثر من خيار وضعه في جيبه لتشكيل الحكومة، على اعتبار أن إصرار المعارضة على شروطها لا يعني أن تبقى البلد من دون حكومة، والأكثرية تستطيع تشكيل حكومة قادرة على إدارة شؤون البلاد.
وهنا أيضاً يدور النقاش بين خياري حكومة أكثرية مطعّمة بمشاركة رئيس الجمهورية، وبين حكومة تكنوقراط تشكّل مخرجاً غير استفزازي لقوى المعارضة، برغم الاعتراضات الكثيرة التي ظهرت أو ستظهر على فكرة التكنوقراط على اعتبار أن البلد لا يتحمّل هكذا نوع من الحكومات في ظل الظروف الراهنة، فضلاً عن الموقف الذي سيتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من هكذا مشروع حكومة.
عملياً، كل المعطيات تقود راهناً إلى تراكم التعقيدات أمام إمكانية نجاح الحريري في مهمته الثانية بعد أن عجز في الأولى في ظروف أسهل وزخم إيجابي، ما يعني أن المعجزة وحدها هي التي تؤمن إنتاج حكومة وحدة وطنية، بل إن الخلاصة شبه الحتمية التي يمكن استنتاجها من مجمل المعطيات تتلخّص بأسئلة مزعجة: هل أُجهضت حكومة الوحدة الوطنية؟ ما هو البديل؟… وما هي النتائج؟
خضر طالب