سـيناريـوهـات
جورج علم
استغلّت الحكومة الإسرائيليّة حادثة إطلاق صاروخي الغراد الى أبعد الحدود، وقامت بحملة إعلاميّة مركّزة ضدّ لبنان، وتقدّمت بشكوى الى الأمم المتحدة، ووضعت الموضوع في رأس جدول محادثاتها مع السناتور جورج ميتشل، وعندما تقدّمت الحكومة اللبنانيّة بمذكرة رسميّة الى الأمم المتحدة تشتكي القصف المدفعي الإسرائيلي على الجنوب، جاء الردّ على لسان بنيامين تنياهو محملاً أياها مسؤوليّة ما جرى.
أما العبر المستخلصة، فأولها ان الجهة التي قامت بإطلاق الصاروخين قد قدّمت خدمة مجانيّة لإسرائيل في هذا الظرف الدقيق الذي يمرّ به لبنان والمنطقة، أياً تكن هويتها وانتماؤها وعقيدتها وموقعها السياسي والديموغرافي، لأن ما قامت به وفّر الفرصة المؤاتيّة، والمبرر القاطع كي تستمر إسرائيل بحربها المفتوحة.
وتتعدد الأغراض من هذه الحرب بتعدد المراجع المتابعة، إذ يعتبر البعض أن تننياهو سبق له وحدد المواصفات التي يريدها في حكومة ما بعد الانتخابات النيابيّة، وتقع حادثة الصاروخين لتزيده إصراراً على ألاّ يكون «لحزب الله» مكان في عضويتها، وإلاّ فإنها تتحمّل مسؤوليّة أي عمل عسكريّ ينطلق من الجنوب، ويستهدف فلسطين المحتلة.
ويرى البعض الآخر أن نتنياهو يسعى الى «سيناريو ما»، وإن كانت حظوظه حاليّاً لا تزال متواضعة، ويرمي الى فرض واقع جديد ينال من هيبة ورصيد سلاح المقاومة، ويفقد المعارضة وتحديداً «حزب الله» الكثير من أوراق القوة، ويعززّ من المناخات السياسيّة الضاغطة باتجاه تشكيل حكومة من لون واحد، ومن الأكثرييّن دون سواهم، ومن تهيئة الظروف الدوليّة والإقليميّة والعربيّة التي تدفع بدمشق وبيروت الى استئناف المفاوضات للوصول الى رزمة من التفاهمات حول الملفات العالقة، من الجولان وما تبقى من أراض محتلة في جنوب لبنان، الى وضع اللاجئين، الى تطبيع العلاقات…
ويرى البعض الآخر أن مثل هذا «السيناريو» يحتاج الى ضمانتين غير متوافرتين في الوقت الراهن. حرب إسرائيليّة مضمونة النتائج. ومجتمع دولي قادر على الدفع بسوريا ولبنان الى طاولة المفاوضات. والنتيجة أن إسرائيل لا تزال غير واثقة بعد من نتائج ومردودات أي حرب قد تشنّها على «حزب الله»، وأن المجتمع الدولي غير مطمئن أيضاً لأي نوع من أنواع الخطط المرسومة لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي بصيغ واضحة يمكن تسويقها عند «أصحاب الحقوق المغتصبة».
ويأتي من يقول إن المنطلقات قد تختلف، فيما الأهداف المرسومة تبقى واحدة، بمعنى ان التعبئة الإسرائيليّة ضد حكومة يشارك فيها «حزب الله» تؤدي الى ردود فعل فوريّة إن على المستوى الإقليمي او المحلي، وهي ردود معبّر عنها حاليّا بخطاب سياسي متشنج، ما بين الأكثريّة والأقليّة، عالي النبرة والمضمون، وينحرف بقوة باتجاه فتح ملفات لا تزال موضع خلاف عميق بين اللبنانيين، وتنكأ الكثير من الجراح، وتستحضر الماضي بآلامه وخيباته، ولكن هذه المرّة بتحريض وتشجيع خارجي ضاغط ومؤثر، الأمر الذي قد يدفع بالمعارضة برئاسة «حزب الله» الى خطط استباقيّة قد تقود الى دوحة جديدة، او طائف جديد، في حال استمر الأميركي والإسرائيلي ينفخان في رماد التوازنات الداخليّة لإشعال نار الفتنة، والعودة بالوضع الى صيغة غالب ومغلوب، وأكثرية تحكم وأقليّة تعارض، والدفع بالمشاريع والخطط السابقة التي ربطها الأميركي يوماً بثورة الأرز وأهدافها، نحو التنفيذ… وإذا كان الحديث عن «دوحة ـ 2»، ينمو ويتطور في الوسط اللبناني، فإن السؤال يبقى: هل ينعقد يوماً ضمن ضوابط أمنيّة تضمن السلم الأهلي، أم بعد إعصار مدمّر؟.
جورج علم
السفير