هل تنتظر عملية التأليف حدثاً يغيّر موازين القوى؟
اميل خوري
سوريا لا تحبّذ سياسة سليمان الرمادية ولا لون الحريري
السؤال الذي كان يطرح وتختلف الاجوبة عليه هو: هل سوريا تدعم فعلا دعما كاملا الرئيس ميشال سليمان وموقع الرئاسة اللبنانية كما اكد ذلك الرئيس الاسد في اكثر من حديث وتصريح له، بات الجواب عليه اكثر وضوحا بعد انقضاء ما يقارب السنة ونصف السنة على ولايته، وذلك بعد مراقبة تصرف قوى 8 آذار وبالاخص حلفاء سوريا في هذه القوى، وقد تبين ان لا وجود لهذا الدعم الا بالاقوال وليس بالافعال، والدليل على ذلك تصرف هؤلاء الحلفاء حيال تشكيل حكومة وحدة وطنية تصرفا يختلف تماما عن تصرفهم حيال تشكيل الحكومات زمن الوصاية او زمن الرؤساء اللبنانيين الذين كانوا من صنع سوريا، فلا حكومة وحدة وطنية كانت تفرض الا اذا شاءت سوريا، ولا حكومة يكون التمثيل فيها عادلا ومتوازنا بين جميع الاحزاب والكتل والمذاهب لانها كانت حرة في ان تكيل بمكيالين، ولا قانون انتخاب يؤمن التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب، حتى ان مجلس النواب الذي انبثق من انتخابات 1992 وقاطعها 85 في المئة من الناخبين اعتبر مجلسا شرعيا لا شك في صحة تمثيله…
الواقع كما يبدو ان سوريا لم تكن مرتاحة في قرارة نفسها الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية لانها كانت تريد رئيسا تدير الحكم في لبنان عبره، لا رئيسا حياديا مستقلا له قراره الحر، صار التوافق عليه للحؤول دون انتخاب رئيس من قوى 14 آذار، فاعتبرت ذلك انتصارا ولو سلبيا بالنسبة اليها… ومعلوم ان سوريا لا تحبذ اللون الرمادي ولا الوسطية في سياسة من تتعاطى معهم، لذلك كان اول اختبار لموقف الرئيس سليمان في قمة الدوحة عندما اعلن، خلافا لموقف الرئيس الاسد، انه يؤيد مبادرة السلام العربية التي صدرت عن قمة بيروت عام 2002 ولم يجاره في هذه المبادرة كما كان يفعل بعض رؤساء لبنان الذين كانوا يقولون ما تقوله سوريا… ثم كان الاختبار الآخر مع حكومة الرئيس السنيورة عندما واجهت مسألة التعيينات في وظائف الفئة الاولى ولا سيما في المجلس الدستوري وهي تعيينات ضرورية وملحة يتطلبها تأمين حسن سير الانتخابات النيابية التي كانت على الابواب. وقد حال موقف وزراء قوى 8 آذار في هذه الحكومة دون التوصل الى اتفاق على هذه التعيينات التي لم تكن مقبولة منها، ولو لم يهدد الرئيس سليمان بتوجيه رسالة الى مجلس النواب يعرض فيها حقيقة ما يواجه تعيين اعضاء المجلس الدستوري، لما تم التوصل الى اتفاق على تعيينهم، ولم يكن هؤلاء الوزراء ولا سيما من يتوجه منهم بتوجيهات سوريا راضين عن طرح اسماء المرشحين لبعض وظائف الفئة الاولى على التصويت عملا بأحكام الدستور ووصفت وسائل اعلامهم تصرف الرئيس سليمان هذا بـ”الخدعة”…
وصبرت سوريا مع حلفائها في لبنان على هذا الوضع غير المريح في انتظار اجراء انتخابات نيابية ظنت ان مرشحي قوى 8 آذار والمتحالفين معها سيفوزون فيها باكثرية المقاعد فيكون لها الحكم ويصبح الرئيس سليمان عندئذ اسير هذه الاكثرية… لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر ففازت قوى 14 آذار والمتحالفون معها بالاكثرية وبات على سوريا ان يكون لها تصرف آخر معها لا يختلف عن تصرفها مع الاكثرية نفسها قبل الانتخابات اي عرقلة تشكيل اي حكومة لها فيها الثلث المعطل.
وكان المتابعون لعملية تشكيل اول حكومة مع قيام مجلس نواب جديد يتوقعون ان يكون للتقارب السعودي – السوري تأثير ايجابي على هذه العملية بعدما ظهرت بوادره بموافقة سوريا غير المتوقعة، وبدون تحفظ على تكليف النائب سعد الحريري تشكيل هذه الحكومة باعتباره يحظى بتأييد الاكثرية وكان هاجس السعودية ان سوريا قد لا توافق على تكليفه نظرا لما بينهما من جفاء على اثر اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، فاعتبرت الموافقة خطوة مشجعة لكن سوريا شاءت اختبار النيات، فطلبت من السعودية لقاء قبولها تكليف النائب سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة ان يقوم بزيارتها بحيث تعتبر هذه الزيارة خطوة اولى على طريق تحسين العلاقات الشخصية تمهيدا لان تصبح العلاقات ممتازة بين لبنان وسوريا. لكن الحريري لم يوافق على القيام بهذه الزيارة قبل تأليف الحكومة لئلا تتخذ طابعا شخصيا وتجعل بالتالي سوريا شريكة في عملية التأليف وهذا يؤثر سلبا على قاعدته الشعبية وعلى علاقته بحلفائه في قوى 14 آذار، لذا وافق على ان يقوم بهذه الزيارة بعد التأليف فتكون عندئذ زيارة رئيس حكومة لبنان لسوريا وليست زيارة شخصية لها.
وكما كان موقف الرئيس سليمان في قمة الدوحة مفاجئا لسوريا وغير مستحب، لانها لم تعتد ان ترى رئيسا للجمهورية اللبنانية على مدى ثلاثين سنة يخالف موقفها، فانها امتعضت من رفض النائب سعد الحريري زيارة دمشق قبل التأليف، وكأنها تريد ان تكون هذه الزيارة ثمنا لقبولها تكليفه تشكيل الحكومة العتيدة…
وهكذا اخذت سياسة سوريا تبدو متحفظة حيال الرئيس سليمان وتركته يقلع شوكه مع المعارضة بيديه كما تركت الرئيس المكلف سعد الحريري يتخبط في ازمة تشكيل حكومة وحدة وطنية، ورفض تشكيل اي حكومة سواها، والا كان الويل والثبور وعظائم الامور… مع جعل تشكيل الحكومة يخضع لشروط المعارضة التعجيزية التي كلف العماد ميشال عون طرحها والتمسك بها بدعم معلن من سوريا فبات الرئيس المكلف سعد الحريري في وضع ذاك الذي طلب منه “مكسور ما ياكل وصحيح ما يكسر وياكل ليشبع”.
وعندما كان الرئيس بري يحاول ان يميز موقفه عن موقف حلفائه في المعارضة باعلان قبوله تكليف الحريري تشكيل حكومة وحدة وطنية وفي الوقت نفسه يتضامن معهم في صيغة التشكيل والشروط ويبشر بانجاز هذه الصيغة خلال ايام او اسابيع حدا اقصى، استنادا الى معادلة “س – س.” فان الوزير السابق وئام وهاب حامل كلمة السر السورية، كان يخالف رأي الرئيس بري ويقول ان لا حكومة قبل اشهر… وهو ما عادت صحيفة الوطن السورية واكدته مضيفة اليه احتمال حصول توترات امنية خلال فترة الفراغ الحكومي… وكانت قد اعلنت تأييدها مطالب العماد عون واعتبارها محقة.
وما زاد في طين الازمة بلة ان الانقسام السياسي زاده حدة الانقسام المذهبي بانضمام الرئيس بري وكتلته في الاستشارات الاخيرة الى المعارضة الممتنعة عن تسمية الحريري…
كل هذا يجعل الناس يتساءلون ماذا تنتظر سوريا ومعها المعارضة في لبنان ما يغير صورة الوضع فيه او في المنطقة كي تصبح عملية التأليف سهلة. وماذا ينتظر كل طرف ما يحدث خللا في موازين القوى لمصلحته كي يخرج لبنان من الازمة الحادة، سواء بحرب اسرائيلية على لبنان بحجة اطلاق الصواريخ من ارضه، او على سوريا او ايران بسبب الخلاف على الملف النووي او بسبب فشل المفاوضات او عودة الفتور مع اميركا او انتظار هدوء القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وما قد يكون له من تداعيات تغير مسار الازمة، وهل تبقى عملية التأليف تنتظر حصول حدث ما كي تنفرج الازمة او تتفجر؟!
النهار