صفحات العالم

تسخين الإقليم

عبد الوهاب بدرخان
خبر جيد لمن يرغب. خبر سيئ لمن يهتم: مُعسكرا الاعتدال والممانعة عائدان بقوة عربياً، وبنسخ منقحة قليلا. لقائل أن يقول لا جديد في الأمر، فهما لم يُبارحا الساحة حتى يعودا إليها. هذا صحيح. لكن الشهور الماضية أشاعت انطباعاً بأن النفوس هدأت، وأن الحوار المحدود الذي دار أتاح للأطراف أن تتعرف إلى واقع أنها ليست عدائية في مواقفها لكنها ليست مخيّرة فيها. وقد تغذّى هذا الانطباع من أن بعض المصالحات حصل، فغابت الحدة عن الخطاب، وانحسر التوتر في الكواليس الهاجسة بمؤامرات صحيحة أو وهمية. والآن يتبين أن كلمة السر في الفترة السابقة كانت \\\”الانتظار\\\”، انتظار أوباما، انتظار حكومة نتنياهو، انتظار حكومة نجاد وطبخة \\\”المقترحات\\\” الإيرانية للحوار مع الدول الخمس زائد واحدة… وها هو العدّ العكسي للانتظار يُوشك أن ينتهي.
الاستحقاقات تقترب. مضى الصيف لكن أجواء السياسة بدأت تسخن في الإقليم، ومعها ستعود الاصطفافات إلى ما كانت عليه عربياً، ودولياً. اصطفافات لا تخلو من الحيرة، بل تعاني من الغموض، تحديداً لأن السياسة والدبلوماسية لا تبدوان فاعلتين، ولأن أي لجوء إلى قوة السلاح لا يبدو قادراً على الحسم. قد يكون أوباما أنجز تغييراً طفيفاً في صورة أميركا عالمياً، قد يكون تمايز كثيراً عن أسلوب سلفه جورج بوش إلا أنه لم يستطع أن يصنع فارقاً جوهرياً تمكن ترجمته بدينامية جديدة في البحث عن سلام. لا يزال قادراً على جهود إضافية، لكنه قد يضطر إلى تخييب الآمال، لأن الواقع الذي ورثه أكثر تعقيداً مما اعتقد، ولأن أخطاء السياسات السابقة منذ عقود باتت تستلزم شيئاً أشبه بـ \\\”انقلاب\\\” لتصحيحها، وهذا كثير عليه، على افتراض أنه يريد مثل هذا التغيير فعلا، في كل مكان تطارده أشباح الانتصارات- الإخفاقات البوشية وما قبلها. القوى الإقليمية تستقوي مستفيدة من معادلات دولية جديدة لا تريد للولايات المتحدة أن تستفرد بالقيادة أو تحتكرها.
مشكلة عرب الاعتدال مع البوشية أنها كانت متطرفة وغبية، وقد تكون المشكلة مع الأوبامية أنها تريد أن تكون متزنة وواعية. ما يعني واقعياً أن المُشكلة عربية أولا، لكنها تعزو ارتباكها إلى عدم إمكان الاعتماد على أميركا الدائرة هي نفسها في حلقة مفرغة. فإسرائيل ماضية حالياً في العبث بمبادئ أوباما وأجندته، قبل أن تشرع في تحديه لترويضه آملة في أن تعيده إلى حظيرتها. وإيران سترى أنها يمكن أن تنجح في إعادة اللعبة الإقليمية، كما كانت في عهد بوش، أي إلى حافة الهاوية. لذلك تتأرجح المنطقة بين الاحتمالات المقلقة والأكثر إقلاقاً، فإسرائيل وإيران تخوضان المغامرة نفسها إنما لأهداف مختلفة. إيران توفر لإسرائيل كل ذرائع الهروب إلى أمام، أي إلى حرب تشعلها وتجر أميركا إليها، إذ أن الحرب وحدها يمكن أن تعيد الحليفين إلى التضامن الاستراتيجي بالصيغة التي تريح إسرائيل. إيران تعتبر أن هذه فرصتها الذهبية لفرض شروطها، فهي تحدّث الإدارة الأميركية الأكثر إفراطاً في غرائز الحرب التي يصعب عليها تحدّي الإدارة ذات النيات المهادنة. وها هي بدأت التصعيد من فوق سقف عالٍ، فالمطروح عندها للتفاوض هو استخدام نفوذها في حل النزاعات الإقليمية وليس برنامجها النووي أو وقف تخصيب اليورانيوم.
ما طرحته إيران هو أقرب إلى دعوة موجهة إلى إسرائيل كي تنفذ تهديداتها. لكن الخطوة الإسرائيلية لن تكون ضد إيران مباشرة، بل ربما تبدأ في لبنان لاستدراج إيران إلى التدخل المباشر بشكل أو بآخر، ما يبرر بعدئذ الرد عليها. في أي حال، هذا مجرد سيناريو متداول وجاهز. والانطباع السائد أن واشنطن لم تتوصل إلى ضمان الانضباط الإسرائيلي مئة في المئة، فما بين الاثنين مجرد تفاهم محكوم بمهلة زمنية وينبغي تجديده قبل انقضاء المهلة، وهذه تقترب من نهايتها.
العرب لا يريدون هذه الحرب ولا تلك الضربة. وكل ما يستطيعونه هو محاولة الوصول إلى أقرب تصوّر لما ستكون عليه الكلفة والخسائر والتداعيات. وهو ما يستحيل حصره عملياً. إسرائيل غير مهتمة بالانقسام العربي والدولي بشأن أي حرب. إيران ستحاول استثمار هذا الانقسام.
والأكيد أن حالا كهذه، إذا تفاعلت، لن يربح فيها المعتدلون ولا الممانعون وإنما سيكسبون مزيداً من الصراعات والانقسامات في ما بينهم قد لا تقتصر هذه المرة على لبنان وفلسطين والعراق واليمن، من دون أن ننسى البؤر الأخرى المشتعلة أو المؤهلة للاشتعال.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى