أحمد داود أوغلو… عثماني جديد؟
سميح ادز*
في حديثه الى قناة «أن تي في» التركية الإخبارية، قال وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، إن تركيا هي أقوى دولة في المنطقة، وأن بلاده عازمة على توطيد علاقاتها مع دول الشرق الأوسط كلها من طريق الانخراط في حل الأزمات والخلافات، وتنظيم الشؤون الإقليمية.
وجاء كلامه هذا، اثر سؤاله عن التقارب مع أرمينيا. ولكن المراقب يخلص من الكلام هذا الى أن كلام داود أوغلو لا يقتصر على الدور التركي في القوقاز الجنوبي أو أرمينيا، بل يتعداه الى الشرق الأوسط. ويردد وزير الخارجية نظريته الجيو – استراتيجية، ولازمتها هي العمق الاستراتيجي، وحل المشكلات مع دول الجوار. وجغرافيا نظريته واسعة. وهي جغرافيا الدولة العثمانية. ولذا، يسميه بعضهم العثماني الجديد. وهذا اللقب قد لا يخلف اثراً طيباً في نفوس بعض السياسيين بالمنطقة والغرب. ففي بعض الأوساط الغربية، وربما العربية، يذكر كلام داود أوغلو بماضي تركيا الاستعماري. وقد يخلص بعضهم الى أن تركيا تحن إلى ارثها الاستعماري الإمبراطوري القديم. فالتاريخ حاضر في الأذهان، على خلاف ما نحسب.
ولا يسعنا الزعم أن كثراً في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي يتمنون عودة الاتراك لإنقاذهم من مشكلاتهم وأزماتهم. فتذهب مقررات عدد كبير من الدول العربية المدرسية الى أن التاريخ العثماني هو تاريخ استعماري عُمِّد التحرر منه بالدم. وهذا شأن بعض دول البلقان. ونصبت أكثر من دولة عربية في ميادينها أنصبة تحتفي بالتحرر من الاحتلال العثماني. وعليه، قد يساء تفسير تصريحات داود أوغلو، ويرد عليها رداً سلبياً. وليس ثمة مبالغة في الملاحظة هذه. فنحن حلفاء الولايات المتحدة، وتربطنا علاقات جيدة بإسرائيل. ولذا، قد يحسب بعضهم في الشرق الأوسط، أن داود أوغلو يريد ترتيب النظام في المنطقة بالنيابة عن واشنطن أو بالوكالة عنها. وتجد مثل هذه التهمة أثراً كبيراً وسحرياً في نفوس العرب والمسلمين. ونحن في تركيا على يقين من أن داود أوغلو لا يرمي الى بسط الهيمنة الأميركية على المنطقة، أو الى بعث الاستعمار التركي. وحرّي به أن يُحسن اختيار عباراته لتجنب إساءة فهم التحرك التركي في المنطقة على أنه تدخل في الشؤون الداخلية أو حنين للاستعمار.
* معلق، «مللييت» التركية، 12/9/2009