أجندة أمريكية وراء الخلاف العراقي السوري
د. فاضل البدران
قضية الخلاف العراقي السوري كما أستعرضها الكثير من المتابعين والمختصين بالنقد والتحليل ولدت فجأة من دون ان تكون هنالك اسباب تمــــهيدية لذلك الخــلاف الذي احرق الاخضر باليابس ولم يعر لدواعي العلاقات والبرامج التي وضعت لها أطرا في الفترة الماضية ولا لمشاعر اللاجئين المقيمين في سورية، فاعتبرت بنظر الشارع العراقي املاءات امريكية في اطار مساومات حول قضايا اخرى ليس للشعب العراقي منها سوى الاذى. انما ما حرك الشارع العراقي في تفاعله مع هذا الخلاف مدى حجم الضرر الذي سيتولد من نتيجته خاصة وان العراقي يدرك قبل غيره من هو الطرف الحقيقي وراء تفجيرات بغداد في يوم الاربعاء الاسود كما اطلق عليها وفقد جراءها الشعب المئات من ابنائه وتضررت الكثير من المنشآت الخدمية والبنى الارتكازية الاخرى. وقد جاءت الازمة وكانها نار مستعرة زرعت الخوف والقلق في قلوب اكثر من مليوني لاجيء عراقي في سورية منذ سبع سنوات تقريبا بانها قد تقضي على امال تواجدهم في سورية.
وتساؤلات المجتمع العراقي الان هي ما الذي دفع الحكومة العراقية لتوجه اصابع الاتهام ضد سورية تحديدا؟ واذا كانت سورية فعلا قامت بهذا الفعل فهذا يستند على سوابق قديمة من التفجيرات، ما الذي جعل الحكومة تسكت عنها طيلة هذه السنوات التي قتل جراءها اكثر من مليون ونصف المليون بريء عراقي؟ والتساؤلات تقول ايضا ان هنالك طرفا اقليميا لاعبا رئيسيا وله مصلحة في تأجيج العنف بالعراق لم يذكر اسمه على لسان الحكومة بعد التفجيرات لا من قريب ولا من بعيد؟ واذا كانت سورية هي المتهم وفق الادلة التي يتحدث عنها المسؤولون العراقيون فلماذا لم يطلعوا العراقيين عليها ويتعرف ذوي الشهداء والضحايا على عدوهم من دون ابقائهم في دوامة الشك وعلى هدي الرأي القائل (من يعرف عدوه سيرتاح ضميره) .هذه التساؤلات اصبحت حديث ونقاشات مجالس العراقيين الذين ما يزالون يمسحون دماءهم مع دموع عيونهم من تأثيرات التفجيرات الدموية التي تواصلت منذ بدء صفحة الغزو والاحتلال الغربي في 2003 وسمح ذلك لتدخل المئات من جنسيات المخابرات الدولية لتنفيذ مآرب سياسية دولية مبنية على تقاطع المصالح والارادات لتنفذ افعالها على ارض العراق بفضل الفوضى الخلاقة التي هي احدى اهداف الاحتلال ومن ساعد على الاحتلال. ويبقى الموضوع مثار جدل دولي لكنه محسوم لغالبية العراقيين بان الفاعل عدو مجرم مكشوف، وليس لسورية شأن فيه وفقا للمسلمات والقرائن الموجودة ومنها على سبيل المثال الاتهام الصريح الذي ورد في اول اشارة مباشرة بعد التفجيرات على لسان وزير الدفاع عبد القادر العبيدي وكذلك وزير الداخلية جواد البولاني واخرين من كبار الضباط بان الاسلحة ايرانية الصنع والاكثر من ذلك الخلاف الذي دفع بانفضاض اجتماع امني رفيع لمناقشة ظروف وملابسات الحادث وتقديم مدير المخابرات اللواء محمد الشهواني استقالته احتجاجا على رفض الحكومة معلومات استخباراتية بحتة تؤكد بان الفاعل يقع شرق البلاد مباشرة والسلاح مختوم بلغة وارقام فارسية (وتعال لا تقول ايران؟).
كما دفعت الى الاطاحة بالعديد من المسؤولين الامنيين من بينهم الناطق باسم وزارة الداخلية عبد الكريم خلف الذي اتهم ايران صراحة بالوقوف وراء الحادث برغم وصفه بالاتهام الخجول على حد تعبير المراقبين. فالعراقي لم يعد يجامل على حساب دماء الابرياء فاذا كانت سورية تدعم جماعات مسلحة للقيام بذبح العراقيين في شوارع بغداد والانبار والبصرة وغيرها فلم يكن ذلك امرا مقبولا بنظر الناس ولكن عندما تكون الدلائل متوفرة ضد طرف اخر وليس سورية في ارتكاب الجريمة، والمسؤولون يتغافلون او يغفلون عن ذكر اسمه ودون توجيه الاتهام والشكوى ضده فهذا يعتبر تحديا لمشاعر الشعب، لكن هل سيقبل الشعب بهذا الامر وهل سيكون جنبا الى جنب مع مواقف الحكومة في قضايا اخرى؟. ويقينا بان الحكومات جميعا لم تستمر بمسيرتها طويلا ما لم يكن هنالك تعاونا وانسجاما مع الشعب وبعكس ذلك فانها تحمل بذرة الفناء بداخلها وستنهار سريعا.
ان الازمة التي افتعلت بعيدا عن رضا الشعب العراقي جاءت وفق املاءات امريكية وهذا ليس غائبا عن تحليلات الشعب والهدف واضح وهو ان ادارة اوباما تريد ان تضغط على سورية في ملف المهجرين العراقيين من المطلوبين للحكومة العراقية وبخاصة البعثيين لاجبارهم على الدخول بالعملية السياسية للمرحلة المقبلة للوصول الى هدف يخدم مصالحها وينقذها من الورطة التي تعانيها خاصة بعد اعلان فشل الجيش الامريكي في الوصول لحلول ايجابية في افغانستان بل تحدث كبار قادة الجيش الامريكي هناك عن مستقبل مظلم للوجود الامريكي، ولهذا الملف الامريكي تشعبات كثيرة يبدأ طرفه الاول في الصراع الاستراتيجي بين واشنطن ودمشق المعروف مرورا بالفشل الامريكي في لملمة اطراف الوضع العراقي وتسويته قبل الانسحاب العسكري المحدد بنهاية 2011 وهذا يبدو لهم وللمراقبين صعب المنال ما لم يكن للبعث وللقوى المعارضه شراكة فاعلة فيه مرورا بعلاقات السوريين بايران المميزة ليتسع الى مشروع المفاعل النووي الايراني ومصالح دولية اخرى تحتاج لتفسيرات واسعة لا مجال للخوض فيها.انما الذي دفع بالحكومة العراقية للقبول بهذه الاملاءات الامريكية لم يكن يصب في خانة سياسة الامر والطاعة العمياء أبدا بل الامر جاء وفق الاستراتيجية الثأرية لقوى سياسية معروفة من البعث المحظور انطلاقا من خلافات بابعاد تاريخية.
وجاءت المعالجات بعد الحادث المشؤوم عندما انطلقت حملة الاتهام ضد سورية من دون ان تتضمن دلائل واضحة تعطي شرعية للحملة وتدويل المشكلة في الطلب من مجلس الامن الدولي بتشكيل محكمة جنائية خاصة للتحقيق في اسباب الحادث ومن المسبب له وتكون المحكمة بهذه الصيغة قد جاءت على غرار محكمة الحريري في لبنان وهذا احد الشهود على ان واشنطن استغلت الحادث للطلب باتهام سورية على حساب تبرئة الفاعل الحقيقي والسكوت عنه.
وضمن سياق الموضوع ذاته فان تخبطات مؤلمة رافقت مسيرة تداعيات الحادث من حيث الخلاف الذي حصل بين مجلس الرئاسة ورئاسة مجلس الوزراء بالعراق ، فالرئاسة وانطلاقا من اسلوب دعائي يخص الانتخابات البرلمانية المقبلة اخذ يجامل وفقا لرغبات الشعب ولم يقبل باسلوب الحكومة في ذلك الاتهام القاسي لسورية بل انتقدها، وفي مقابل ذلك اصر حزب الدعوة الذي يتمسك برئاسة الحكومة على اتهام سورية بتمويل جماعات تكفيرية وبعثية لتنفيذ الحوادث وانه سيبقى يلاحق عبر القنوات القضائية الدولية حتى يعيد الحق لدماء الشهداء والضحايا العراقيين وهذه ايضا كانت دوافعها الدعائية للعملية الانتخابية مكشوفة والخاسر الوحيد هو الشعب العراقي .
كاتب عراقي
القدس العربي