لبنان: الحل هو المشكلة
سعد محيو
إذا لم تتشكّل الحكومة في لبنان فهي مشكلة، وإن تشكّلت فهي مشكلة أكبر.
هذا قد يكون التوصيف الدقيق للأزمة الوزارية الجديدة، حيث يكون الحل هو المشكلة، وحيث المشكلة لا تُحل حتى ولو توافر الحل.
صورة متشائمة؟ أكيد. لكنها واقعية.
فقد بات الداني والقاصي يعرف أن العقبات والأفخاخ والمتفجرات التي تُزرع على جانبي الطريق المؤدي إلى تشكيل الحكومة، هي من إنتاج وإخراج قوى إقليمية. فحين تريد السعودية شيئاً تجد في وجهها إيران. وحين تتفق السعودية وإيران على شيء، تصطدمان بسوريا. وحين تتفق سوريا والسعودية، تغضب مصر بسبب وجود تظلمات مزمنة لديها من بعض السلوكيات السورية وكل السلوكيات الإيرانية.
لكن ما لا يعرفه لا القاصي ولا الداني أنه حتى لو قذف الله نوراً في صدر هذه القوى فأضاءه بالإيمان بضرورة السماح لطائرة سعد الحريري الحكومية بالاقلاع، فإن هذا لن يعني أن هذه الطائرة لن تتعرض إلى عواصف عاتية قد تجبرها على الهبوط أو حتى ربما تنسفها في الجو.
لماذا؟ لأن الأجواء الإقليمية الدولية المحيطة بلبنان بدأت تنزلق من الصفاء إلى الاكفهرار، بعد أشهر من كبير التوقعات بأن الآتي حديثاً إلى البيت الأبيض سينجح في نقل الشرق الأوسط من جحيم الحروب البوشية إلى جنّة التسويات والسلام. وهي توقعات تضخمت بعد أن اعتقد الكثيرون أن الرئيس الأمريكي الأسمر سينفّذ نصيحة مستشاره الأبرز زبغنيو بريجنسكي العام 2007 بضرورة طرق حديد التسوية الشرق أوسطية وهو حامٍ خلال الأشهر الستة الأولى من ولايته.
لكن، ها قد مرت ثمانية أشهر وأوباما لا يزال يقفز من حفرة إلى حفرة، ومن مأزق إلى مأزق في الشرق الأوسط. فلا هو استطاع أن يقنع بنيامين نتنياهو بوقف الاستيطان على رغم وعده المغري له بحمل 54 دولة إسلامية على الاعتراف بدولته، ولا مفاوضاته المرتقبة مع إيران تشي بإمكانية تحقيق تسويات ما قبل نهاية هذا العام، ولا حربا العراق وأفغانستان توحيان بأنهما ستقفلان على سلام إقليمي على غرار مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي.
وفي هذه الأثناء، يستمر الاحتقان الإقليمي، فتتعثر المصالحة بين الرياض ودمشق، وتتّسع الهوة بين الرياض وطهران، وتتجه العلاقات بين القاهرة وطهران إلى مزيد من التدهور، وتتحرّك أنقرة فجأة للحصول على صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ.
بيد أن المسألة الأكبر والأهم تبقى قضية فلسطين، التي من دونها لا “اصطفاف استراتيجياً جديداً” ممكناً ضد إيران، ولا معنى لأي حديث عن تسويات شاملة، كما كان يأمل أوباما. وهذه المسألة أصبحت الآن مسائل بعد أن استكمل نتنياهو تقريباً حفر قبر حل الدولتين بكلتا يديه.
كل هذه المعطيات تدفع إلى الاعتقاد بأن الشرق الأوسط بدأ يتحرّك بالفعل بعيداً عن السلام والتسويات، ويقترب من لحظة مجابهات جديدة قد لا يكون لها سابق في مدى عنفها بسبب تطور أسلحة التدمير والقتل.
الآن، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن لبنان كان، ولا يزال من أسف، مجرد حصيلة إقليمية لا مُعطى وطنياً مستقلاً، لا يعود مستغرباً أن نستنتج بأن عدم تشكيل الحكومة مشكلة، وتشكيلها مشكلة أكبر، إذ إن الحكومة العتيدة ستكون في الواقع مسرحاً للصراعات الإقليمية غير المحلولة، بدل أن تكون المُمثل والمُخرج والمُنتج في مسرحية محلية.
مسكين لبنان!